يقترن فصل الشتاء في أكثر من بلاد بما في ذلك بلادنا بتصاعد حركة النضال الاجتماعي والاحتجاج الشعبي. ففي تونس مثلا فصل الشتاء هو فصل الإضرابات العمالية وكان على مدى التاريخ الفترة الزمنية التي عرفت أبرز الأحداث ذات الطابع الاجتماعي الشعبي والعمالي. ففي شتاء 1925 انعقد المؤتمر التأسيسي لأول منظمة نقابية تونسية (جامعة محمد علي) وفي شتاء 1946 تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل. وعرفت الحركة الطلابية والتلمذية أعنف حركة احتجاج (حركة فيفري) في شتاء 1972. وفي شتاء 1978 عرفت البلاد أول إضراب عام في تاريخها وما صاحبه من أحداث أليمة. وفي شتاء 1984 شهدت تونس انتفاضة الخبز...

وكما هو الحال في تونس يمثل فصل الشتاء في كثير من البلدان موسم النضالات والاحتجاجات والاصطدامات الاجتماعية. وفي السنوات الأخيرة مثلا أصبح فصل الشتاء وشهر جانفي منه بالخصوص عنوانا لواحدة من ابرز الحركات الاجتماعية التي يعرفها الراهن: "المنتديات الاجتماعية". ففي شهر جانفي 2001 انعقدت الدورة الأولى للمنتدى الاجتماعي العالمي بالبرازيل بموازاة مع منتدى دافوس (سويسرا) للاحتكارات العالمية. ودأبت الحركة الاجتماعية منذ ذلك التاريخ على عقد دورات المنتدى الاجتماعي المتتالية كل شهر جانفي (البرازيل، الهند إلخ..).

دورة هذه السنة انعقدت متفرقة على قارتين، اجتماع بالعاصمة المالية باماكو وآخر بعاصمة فينزويلا (كاراكاس) فيما ينتظر أن ينعقد الاجتماع الثالث بكراتشي (الباكستان) موفى شهر مارس القادم.

وقد أصبح المنتدى الاجتماعي ورشة ضخمة للتفكير والحوار ولتبادل الآراء والتجارب وصياغة المطالب والتصورات والبدائل ومناسبة بارزة للتعبير ولكنه وللأسف ما يزال حبيس هذه النظرة غير العملية التي لا تشكل خطرا مباشرا على الاحتكارات والدول الامبريالية وعلى نظام الليبرالية المتوحشة/الجديدة. هذه الحقيقة ليست بخافية على الكثير ممّن شاركوا ونشطوا وأثّروا في مســـار المنتدى الاجتماعي العالمي والمنتديات المتفرعة عنه قاريا وإقليميا ووطنيا وحتى محليا. وما تزال الظاهرة تتمخض كما لا تزال كثير من الصراعات والتفاعلات تعتمل داخلها. وكما برزت هي من قبل كشكل نضال جديد وقف في وجه قمم ومؤتمرات الدول العظمى والاحتكارات العالمية ستتولد عنها بالتأكيد أشكال أخرى أنضج وأكثر نضالية وفاعلية. وإذا كانت المنتديات الاجتماعية في كثير من البلدان قد بدأت تفكر في مراحل تطوّر جديدة فإنها ما تزال في بلداننا العربية وفي تونس في مراحل نشوئها الأولى.

ففي مستهل شهر جانفي الماضي بدأت فكرة بعث منتدى اجتماعي تونسي تأخذ طريقها إلى الإنجاز والتحقق بعد أن التحق الاتحاد العام التونسي للشغل بمسار الإعداد والتحضير وبذلك تعزّز جانب المنظمات والجمعيات والمناضلين المتحمسين لذلك وصار الأمل في انبعاث المنتدى الاجتماعي قابلا للتجسيد.

وفي موفى شهر جانفي الماضي أيضا انعقدت الجلسة التحضيرية الأخيرة من أجل بعث المنتدى الاجتماعي المغاربي، واحتضنت مدينة بوزنيفة بالمغرب الشقيق هذا الاجتماع الذي جمع مناضلين مغاربيين مجسمين بذلك مغرب الشعوب الذي عجزت الأنظمة عن تحقيقه.

وانبعاث المنتدى الاجتماعي في تونس وفي المغرب سيكون بلا شك رافد نضال إضافيا لشعوب بلداننا المغاربية، ولكن أيضا رابطة للتقارب والاندماج في النضال والمطامح والأهداف.