الصفحة الأساسية > البديل العربي > الشعب الفلسطيني يعـاقـب الفسـاد والتخـاذل
الانتخابات الفلسطينية:
الشعب الفلسطيني يعـاقـب الفسـاد والتخـاذل
18 شباط (فبراير) 2006

فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التي جرت يوم 25 جانفي 2006. ورغم أن هذه الانتخابات جرت في ظل الاحتلال فإنها عكست إلى حد كبير إرادة الشعب الفلسطيني في انتخاب حكومة جديدة تقطع مع الحكومة القديمة التي كانت تسيطر عليها حركة فتح والتي نخرها الفساد وشقتها الانقسامات وعجزت عن السير قدما بالقضية الوطنية في وجه الغاصب الصهيوني. وقد فاجأت هذه النتائج كل الأطراف بدءا بحكومة الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية ووصولا إلى حركة حماس ذاتها ومرورا بالسلطة الفلسطينية. ومن المؤكد أن الحكومة الجديدة ستواجه مصاعب كبيرة لأن الكيان الصهيوني، المدعوم من الإدارة الأمريكية والدول الامبريالية الأوروبية وبعض الرجعيات العربية، سيحاول بكل ما في وسعه استغلال نتائج هذه الانتخابات لمزيد عزل الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم وهو ما يستدعي تكتيلا للقوى الوطنية الفلسطينية حتى تجابه هذا التحدي الجديد.


1 - انتصار الإرادة الفلسطينية:

إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال الصهيوني يعتبر في حد ذاته انتصارا آخر ينضاف إلى انتصارات الشعب الفلسطيني، باعتبار وأن هذه الانتخابات كرّست إلى حد ما إرادة هذا الشعب في اختيار ممثليه بكل حرية ولم يتمكن الاحتلال رغم كل الضغوط التي مارسها من فرض إرادته والتأثير في سيرها وفي نتائجها. فقد عمل الكيان الصهيوني كل ما في وسعه لمنع فصائل المقاومة المسلحة وخاصة حماس من المشاركة فيها لكنه فشل. كما فشل في منع سكان القدس الشرقية من المشاركة. وقد شاركت كل القوى الفلسطينية في هذه الانتخابات باستثناء حركة "الجهاد الإسلامي" التي قاطعت الانتخابات ودعت أنصارها إلى عدم تعطيلها. وكانت انتخابات ديمقراطية بشهادة العديد من الملاحظين وبشهادة أعداء الشعب الفلسطينــي أنفسهم من "أولمريت" إلى بوش. وهذا في حد ذاته مكسب ثمين لأن إجراء انتخابات في ظل احتلال صهيوني استيطاني ومشاركة أطراف فيها معروفة بتاريخها النضالي وبمقاومتها المسلحة للاحتلال رغم رفض هذا الاحتلال لذلك يعدّ تحديا ويؤكد مدى قدرة الشعب الفلسطيني على فرض إرادته.


2 – حرمان ثلثي الشعب الفلسطيني من حقه في المشاركة في الانتخابات:

لكن لا بد من الإشارة إلى أن هذه الانتخابات ورغم خروجها عن نطاق ما يريد الاحتلال الصهيوني رسمه فإنها جاءت في جانب منها وفق اتفاقات أوسلو التي فرضت على الشعب الفلسطيني من خلال مفاوضات فوقية. فقد وقع استثناء الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني من المشاركة في الانتخابات ونقصد بذلك "فلسطيني الشتات" و"فلسطينيي عام 1948"، والذين يمثلون حوالي ثلثي الشعب الفلسطيني ويعيشون في المنافي والمخيمات ويحملون صفة "لاجئين" ويتطلعون إلى الرجوع إلى وطنهم. ولا يخفى على أحد أن استثناء حوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني من المشاركة في الانتخابات الذي جاء وفق اتفاقات أوسلو إنما كرس رغبة الاحتلال الصهيوني في إنهاء قضية اللاجئين ومصادرة حقهم في العودة.


3 – نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة:

أنهت هذه الانتخابات سياسة الحزب أو الفصيل الواحد وأسست لتعددية سياسية فعلية وكرست التداول الديمقراطي على السلطة، ووضعت حدا لسياسة احتكار القرار الرسمي الفلسطيني من حركة "فتح" و"السلطة"، على مدى ما يزيد على عشر سنوات. ويمكن لهذه الانتخابات وما أفرزته من نتائج أن تكون بداية حقيقية لإرساء مؤسسات وطنية ممثلة تعكس إرادة أغلبية الشعب الفلسطيني، وهذا سيساهم في وضع حد للفساد وسيفتح ملفاته القديمة ويحاسب المسؤولين عنه، من أجل استعادة أموال الشعب الفلسطيني المنهوبة، وبذلك توضع اللبنـات الأولى لدولة القانون التي تحاسب المخطئ مهما كان مركزه. والمجلس التشريعي الفلسطيني، المنتخب ديمقراطيا، سيراقب تنفيذ ذلك لأن أعضاءه يدركون أن الناخب الذي وضع ثقته فيهم سيراقب أداءهم ويحاسبهم على ذلك ويعيد انتخابهم إن وفوا بوعودهم الانتخابية وبالمقابل لن يعطيهم ثقته في صورة إخلالهم بواجباتهم الوطنية.

إن الناخب الفلسطيني الذي اختار "حماس" لتكون لها الأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني، إنما أراد أن يوجه رسالتين في نفس الوقت: الرسالة الأولى مفادها أن حركة فتح، المنافس الرئيسي لحماس دفعت ثمن الانحرافات العديدة التي تشقها. فهذه الحركة التي سيطرت على منظمة التحرير أولا وعلى السلطة ثانيا، نخرها الفساد والمحسوبية وسيطرت عليها عقلية الولاءات وتسبيق المصالح الشخصية على مصلحة الوطن. وحتى المحاولات الجدية التي قامت بها عناصر من داخلها في محاولة لمحاربة الفساد وتصحيح الأوضاع قوبلت بالتصلب مما دفع بها إلى الانقسام وهو ما أضعفها وجعلها تخسر خسارة مدوية. أما الرسالة الثانية فهي أن الناخب الفلسطيني اختار المقاومة على الاستسلام، باعتبار وأن حركة فتح بزعامة الشق الأكثر يمينية تخلت عن خيار المقاومة وغرقت في مستنقع المفاوضات التي لم تجن منها سوى تقديم المزيد من التنازلات للكيان الصهيوني بقيادة شارون الرافض للتفاوض والماضي قدما في سياساته القمعية والاستيطانية. أما "حماس" فقد بدت للشعب الفلسطيني الأكثر التزاما بخيار المقاومة ورفض الاحتلال رغم كل عيوبها وأخطائها، فحازت بذلك على ثقة الناخب الفلسطيني وفازت بالأغلبية المطلقة.


4 – ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات الجديدة.

إن الشعب الفلسطيني الذي اختار المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد يتطلع من خلال ذلك إلى وضع حد لعقد من احتكار السلطة ومقاومة وتفشي الفساد والمحسوبية وإلى فرض استقلالية القضاء وتطبيق القانون وبناء أجهزة أمنية وطنية وغير فئوية والاستمرار في الكفاح الوطني وإنهاء عقلية المفاوضات السرية والاتفاقات المشبوهة والكـارثية

مثل اتفاقات أوسلو... كما يتطلع الشعب الفلسطيني إلى تحسين وضعه الاجتماعي ومقاومة البطالة والفقر وتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل. وهو يتوق إلى رؤية نواب جدد يختلفون عن سابقيهم الذين يملكون سيارات فاخرة ويتقاضون مرتبات شهرية تفوق نظراءهم في البرلمانين السويسري والسويدي في وقت يعيش فيه تسعون بالمائة من الشعب الفلسطيني على أقل من دولارين في اليوم!

ومن البديهي أن تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني لن تكون سهلة ونجاح الانتخابات الأخيرة هو خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية ويجب أن تتبعها خطوات أخرى، أولها ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تعبر بالفعل عن تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والعدالة الاجتماعية وتعمل على احترام حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال لأن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وستواجه هذه الحكومة الجديدة مصاعب جمة لأن الكيان الصهيوني المدعوم من القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية سيعمل كل ما في وسعه على محاصرتها وتضييق الخناق عليها وجعل المواطن الفلسطيني "يندم" على اختياره الحر والنزيه. وقد بدأت بالفعل عمليات المحاصرة من خلال تجميد الأرصدة عن السلطة الفلسطينية ومنع المعونات عنها وحشد حكومات العالم من أجل مقاطعتها وعدم التعامل معها، وهو ما يبين، مرة أخرى، حقيقة "احترام" الإدارة الأمريكية والحكومات البورجوازية الغربية لإرادة الشعب الفلسطيني وللديمقراطية التي يتغنون بها. وهذا الوضع يضع اليوم "حماس" وبقية الفصائل الفلسطينية أمام امتحان عسير: مدى التزامها بشعاراتها وبقواعد العمل الديمقراطي والحكم الصالح وحنكتها في التعامل مع الوضع الشائك فلا تتخلى عن الثوابت الوطنية ولا تعطي ذرائع للكيان الصهيوني ولأعداء الشعب الفلسطيني. أما بالنسبة إلى الفصائل الأخرى فإنها ساعة الحقيقة أيضا ليختبر الشعب الفلسطيني مدى احترامها لإرادته وتمسكها بوحدة الصف الوطني وممارستها لدور المعارضة في نطاق هذه الوحدة. أما إذا التجأت إلى الضغوط الصهيونية والامبريالية والرجعية المسلطة على "حماس" لابتزازها أو لشق الصف الوطني فلن يغفر لها الشعب الفلسطيني ذلك.

إن الحل الحقيقي يكمن في تكوين حكومة وحدة وطنية تضع نصب عينيها استكمال مهمة التحرير الوطني من جهة وتحسين أحوال الشعب الفلسطيني الاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، وهو ما يستدعي درجة كبيرة من الوعي والمسؤولية. ومهما يكن من أمر فإن الشعب الفلسطيني مدرك لكل هذه المخاطر والصعوبات وسيتمكن من التغلب عليها مثلما تغلب على العديد من المصاعب الأخرى.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني