الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > العدد الذهبي
أضْـــوَاء وظِــــلاَل*:
العدد الذهبي
26 كانون الأول (ديسمبر) 2010

بقلـم: رضا البركاتي
ridhabarkati@gmail.com

"هل للجمال علم يحدُّه أي يضبط حدودَه ومجاله ويعرّفه ويُمَكِّنُ من قيسه؟"

لمّا طَرَح الموضوعَ على الجماعة في النادي [1]، مادَتِ الأرضُ. وضاعت الجهات. وتعطّلتْ البوْصلة. وسقطتْ القِيَمُ. وانهار العالمُ.

كان للسؤال وقع انفجار نووي.

وبانَت الدهشة على بعض الجماعة. وزاغَت الرَّيْبةُ في عيونهم. ونطقت الألسنة بالاستنكار والرفض. كان رفضا صمّا صخرا واستنكارا صارخا.

وتساءلوا مَنْ وراءَ مثل هذا الكلام؟ وتباحثوا لمن تُوجَّهُ التهمة؟
أهم الماديون، الشيوعيون أم الملحدون أم الليبراليون؟ لعلّها شلّة ضالة دوّختها ثقافة العولمة الاستهلاكية أو عصابة بعثها العدو الإمبريالي ليخرجنا عن ديننا الحنيف أم هي ملّة جديدة أم نِحْلَةٌ جاءت ببدعة ما بعدها بدعة؟

وهناك من رأى أنّ وراء مثل هذا الكلام نظام السّوق وكِبارُ التجّار الذين استباحوا كلّ حاجة وجعلوا الحبّ والصدق والحقّ... بضاعة تُعلّب بالمكاييل: باللتر والرطل والمتر والقيراط ثمّ تُعرض للبيع والشراء فتكون مصدرا للربح والإثراء.

وكان الرأي السائد أنّ الجمال لا تسعه مكاييلُ ولا تطولُه أطوالُ. الجمال لا يخضع لنظام قيس.
هو سِحرُ الوجود وسِرُّه المنشود. يُطْلبُ ضبطُه وحصرُه فلا يُدرَكُ.

وقيل أنّ الجمال مبثوث في الوجود. ندركه عبر الحواس. نراه، نسمعه، نشمّه، نلمسه، نتذوّقه. وندركه أيضا بالعقل المحض في فكرة مجرّدة.

ومن قال أنّ عالمًا في الرياضيات (من العيار الثقيل) روى أنّه وزملاءه قد يتحدّثون عن جمال معادلة رياضية موغلة في عالم التجريد ويروْن في بنائها بهاء وانسجاما ورونقا وإيقاعا وحركة. والسبب في ذلك بسيط. في المعادلة الرياضية انسجام وتوازن ما ونظام علاقات بين العناصر. أوليست الرياضيات علم التجريد؟ هي علم ينفصل عن الموضوعات المحسوسة لينظر في قوانينها ونظامها الداخلي بصفة عامة مجردة.

وهناك من ذكّر أنّ الفرابي، مثلا، عالم في الرياضيات ولكنّه في نفس الوقت وبفضل علمه ذاك كان مبدعا في فنّ الموسيقى. درس إيقاع الأوتار وقاس الأزمنة: وقت ونصف وقت وصمت، إلخ. فوضع الموازين وضبط العود وعدّله تعديلا...

أمّا روّاد فنون الرسم والنحت والمعمار... سواء في التاريخ القديم (في بابل ومصر واليونان وقرطاج وروما...) أو في عصر النهضة وما تلاها، كانوا جميعا، أوّلا وقبل كلّ شيء، مهندسين ورياضيين. ذلك أنّ الجمال، على تنوّع مجالاته وتعدّدها، يظلّ سرّه، في نهاية الأمر، واحدا ويحكمه قانون واحد وتضبطه معادلة واحدة: التناسب.
ذلك كنه الجمال: النظام، الانسجام، التوافق، التوازن... الكامن بين العناصر في الظواهر، كلّ الظواهر.

ولقد اكتشف المبدعون منذ بدايات التاريخ ذلك السرّ، الكنه، القانون، الميزان وحدّدوه حسابيا وأطلقوا عليه اسم العدد الذهبي ويساوي: ... 1,61803399.

ولأنّ المجال هنا لا يتسع للحديث عن العدد الذهبي وتطبيقاته نشير على كلّ من يريد مزيد الإطلاع بالبحث في شبكة الأنتارنات تحت طلب: العدد الذهبي أو بالفرنسية بطلب: le nombre d’or. نكتفي بالإشارة إلى أنّه استعمل في بناء المعابد والمسارح والإهرامات... وقد سمّي بالعدد الذهبي نسبة للمستطيل الذهبي، المستطيل الذي طوله x وعرضه واحد، لو اقتطعنا منه مربع طول ضلعه واحد لبقي مستطيل يتناسب بعداه مع بعديْ المستطيل الأصلي...

بعبارة أخرى وسعيا للتبسيط – والأمر في الواقع بسيط [2]- وللعودة إلى عالم الصورة وإطارها وفضائها نذكّر أنّ الشاشة الجديدة للتلفزيون التي بدأت بالانتشار والمعروفة باسم الشاشة 16/9 هي الشاشة المثلى من ناحية مقاييسها لأنها تماثل أبعاد المستطيل الذهبي فـ 16/9 تعادل تقريبا العدد الذهبي أي ...1,61803399.

والمبدع الأوّل للجمال المبثوث في الوجود هو الطبيعة. وسرّ الجمال وقوانينه كامنة في التناسب ولقد اكتشف النحّاتون في بلاد الإغريق أنّ جسم الإنسان أيضا محكوم بذلك التناسب أو ليس جسم الإنسان أجمل ما في الوجود؟

وقال حسّان: "العمل الفنّي صورةٌ، أيّا كان في السينما، في المسرح، في الشعر، في الرسم، في الموسيقى، في الرقص... وهذه الصورة حاملة لرسالة في قالب جميل. تلك هي وظيفة الفنّ: التعبير عن المعاني والأفكار والقيم والمبادئ في قالب جميل".

قال بلال: "ليس لي ما أضيف على ما قلت هذه بدعة ما بعدها بدعة".

قال حسّان: "يبدو أنّ الجواب على السؤال بدأ يتوضّح. الجمال له علم خاص به ويبدو أنّ هذا العلم اسمه "الإستيتيقا" واعلم يا صديقي أنّ زوجتك وابنتك تتعاملان مع هذا العلم وأهلِه بصفة مباشرة وبوتيرة أسبوعية تقريبا".

قال بلال: "الزَمْ حُدودك. ما قصدُك؟ وما دخل ابنتي وزوجتي؟"
قال حسان: "أوليس في الحيّ حجامة يدعوها بناتنا ونساؤنا "أستيتسيان"؟ وحانوتها تعلوه يافطة "استيتيقا الجميلات"؟

هوامش

[1تفهم عبارة النادي هنا بالمعنى المعجمي الأصلي القديم أي المكان الذي، يتنادى الناس، فيجلسون به مثل الحانوت أو ما شابه كظلّ شجرة ويمكن أن تفهم اليوم بمعنى المقهى... وننصح بعدم فهمها بالمعنى الشائع، بالأمس القريب، كقولك نادي السينما أو النادي الثقافي أو نادي دار الشباب لأنّ ذلك لا يجوز وهذه الفضاءات "العمومية" لا تُفتح لمثل هذه النقاشات التي تُعلِّم الناس الكلام والاستماع وتذوّق الفنّ وحبّ الجمال والتعلّق بالحياة وربّما التفكير والعياذ بالله، وهذا جميعُه قد يُؤدي إلى الكفر بالسلطان.

[2نعم الأمر في متناول مئات الآلاف من التلاميذ، ومئات الآلاف من الطلبة ومئات الآلاف من المعلمين والأساتذة والمدرسين بالجامعة والمتخرجين من الجامعة في مختلف ميادين العلوم والمعارف... وبالمناسبة لماذا لا يرد ذكر العدد الذهبي في البرامج المدرسية؟ فهو وارد في درس التاريخ القديم... والهندسة... والرياضيات... والفلسفة... والدين أيضا لأنّ له توظيفات منذ القديم وها أنّ بعض الإسلاميين قد تفطنوا اليوم لـ: "معجزات الكعبة الشريفة و العدد الذهبي" تحت هذا العنوان تجد بالأنتارنات الرسالة التالية: هذا الفيديو عبارة عن عرض لمعجزات و براهين ربانية في خلق البشر و العالم و حقيقة العدد الذهبي ...


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني