الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > ثقافة الترجي زمن التسرّع
إطلالة:
ثقافة الترجي زمن التسرّع
17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
سمير طعم الله Samir.taamallah@gmail.com

التروي، أو الانتظار، وإعمال العقل والتبصر والواقعية... الظروف والملابسات والإمكانيات وعدم القفز على الواقع والأخذ بالأسباب والصبر والنوم على الخواء والتحمل الجماعي والمسؤولية الوطنية تجاه الأزمة.... معجم لا حد له ومصطلحات لا حصر لها تروّج لثقافة الخنوع وقبول الأمر الواقع والرضوخ والانتظارية المقيتة التي تؤدي مع الزمن إلى التسليم بالقضاء والقدر وتجريم ثقافة المقاومة...

إن الوضع الذي تمرّ به البلاد لا يقبل الارتباك والأيادي المرتعشة لا تصنع التاريخ كما يقال، فثمة مسائل لا جدال فيها ولا تروي ولا انتظارية كالمسألة الثقافية مثلا، هل يستوجب النهوض بقطاع الثقافة وفسح المجال أمام المبدعين وتحرير الفضاءات العامة أمام العامة، حرية التعبير والإبداع إلى تروي؟

إن المسألة لا تنتظر قرارات ولا مراسيم إنها بيد المبدع وهو الوحيد المخول له فتح الثنايا والمسارب التي تجعل من الإبداع فعل تاريخي وإنساني وحضاري يدفع بعجلة التاريخ إلى الأمام، فلا الشاعر يكتب بقرار وزاري ولا السينمائي يهندس مشاهد فيلمه بقرار إداري ولا الرسام يمزج كيمياء ألوانه بحبر المسؤولين...

فقط الجرأة والتحدي وشق عصا الطاعة وحدها تصنع الإبداع الحقيقي المنحاز إلى الشعب وقواه التائقة للحرية، وما نلحظه اليوم من حالة الخنوع والانتظارية التي تغطي المشهد الثقافي يبعث على القلق والحيرة... أين الجمعيات التي ناضلت زمن القمع وفرضت خطها وثقافتها رغم عصف الألم كـ «الجامعة التونسية لنوادي السينما» و «الجامعة التونسية للسنمائيين الهواة» ونوادي الأدب والشعر والمسرح..؟ أين كل هذا في زمن انكسر فيه حاجز الخوف وتوارت المحاضير ولو لحين أمام المبدع..؟

إن حالة الاستقالة المقيتة أو اللامبالاة وعزوف المبدعين عن تنظيم أنفسهم وصفوفهم للدفاع عن سبب وجودهم وهو الفعل الإبداعي وحريتهم سيجعلهم يستفيقون على ما لا يحمد عقباه إذا استمر بهم الحال على ما هم عليه... ماذا ينتظرون؟؟ وممن ينتظرون؟؟ لا شيء ولا أحد... لهم وحدهم سلطة القرار الإبداعي وتنظيم صفوفهم وإعادة الروح لمنظماتهم العتيدة وابتكار أشكال تنظيمية جديدة مرنة تجعل التفاعل بين أجناس الإبداع وأصناف المبدعين حصنا حصينا أمام أي ارتداد بالمشهد الثقافي إلى الوراء أو إلى سياسة التصحر والانغلاق...

ليكتب المبدعون دستورهم الثقافي الذي لا حق ولا صلاحية لأي سلطة المساس به وخرق بنوده الإبداعية المقدسة وأول بنوده حرية التعبير وإرساء ثقافة وطنية تقدمية منفتحة على الإبداع الإنساني فكريا وفنيّا ويبقى المتلقي هو الفيصل والحكم، لتجتمع القوى الثقافية وتكتب ميثاقها الذي يجب فرضه على من سيصوغ الدستور رغم مراوغة المراوغين... المثقف ضمير الشعب فليكن في مستوى الحرية التي بكل يد مضرّجة تُدقّ...



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني