الصفحة الأساسية > البديل العربي > العراق يدخل مرحلة جديدة وحاسمة
العراق يدخل مرحلة جديدة وحاسمة
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006

مرّ العراق منذ احتلاله بثلاث مراحل. المرحلة الأولى بدأت بإعلان العدوان الغاشم عليه من طرف الامبريالية الأمريكية المدعومة من جميع امبرياليات العالم ومن الكيان الصهيوني ومن الرجعيات العربية. وقد انتهت هذه المرحلة بإسقاط النظام العراقي بعد أن تم تحطيم البلاد تحطيما كليا لم يستثن شيئا بما في ذلك المكتبات والمتاحف... لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية التي كان الهدف منها استكمال العدوان بالقضاء على جيوب المقاومة والانطلاق في تركيز حكومة جديدة على أنقاض النظام المطاح به، حكومة عميلة تكون بمثابة الأداة التي يحكم بها الاحتلال البلاد لتوفير مناخ ملائم لنهب ثرواتها واستعباد شعبها. وقد ركز الاحتلال خلال هذه المرحلة على إحياء النعرات الطائفية والتخفي وراء شعارات "الديمقراطية" و"الحرية" وغيرها من الوعود الكاذبة معتمدا على المحاصصة الطائفية في توزيع المهام والفتات على المتمسحين على أقدامه والمتخفين وراء الدين والطائفية. وكما هو معلوم فقد وصلت هذه السياسة إلى طريق مسدود وفشلت كل محاولات الغزاة في تركيع الشعب العراقي، ولم تتمكن كل الكيانات التي عملوا كل ما في وسعهم على فرضها في تحقيق ولو هدف واحد من الأهداف المرسومة لها. وقد تأكد ذلك بعد اعتراف قادة العدوان البربري بفشل سياستهم في العراق وعدم قدرتهم على حسم المعركة عسكريا ليتحول العراق بذلك إلى فيتنام جديد ليس من السهل الخروج منه. وقد انتهت هذه المرحلة بعد خسارة الجمهوريين في انتخابات الكنغرس واستقالة أحد أهم رموز العدوان ألا وهو مجرم الحرب رامسفيلد. وبذلك يدخل العراق مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها اسم "مرحلة الإعداد لهروب الغزاة".

وما يجري الآن في العراق يؤكد أن هذا البلد دخل بالفعل مرحلة جديدة وحاسمة من مراحل احتلاله. فتصاعد عمليات القتل على الهوية هو دليل على أن عملاء الاحتلال بدأوا بالفعل يشعرون بقرب نهايتهم، ولم يبق أمامهم سوى تأجيج الاقتتال الطائفي علهم بذلك يضمنون "حماية طائفية". فهم يدركون أن الشعب العراقي يكرهم وينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض عليهم بعد أن يتخلى عنهم المحتل الذي لم يعد قادرا على حماية نفسه. وعلى هذا الأساس فإن الذين يقتلون "السنة" (فرق الموت) هم أنفسهم الذين يفجرون السيارات المفخخة في تجمعات الشيعة. فهؤلاء لا يدافعون عن طائفة ضد أخرى بل هم يدافعون عن أنفسهم بالاحتماء بالطائفية من خلال خلق واقع موضوعي يدفع باتجاه ترسيخ عقلية تقول بأن هذه الطائفة أو تلك مستهدفة من طرف الطائفة الأخرى. كما أن الاحتلال من مصلحته أن يتقاتل العراقيون فيما بينهم للتغطية على فشله وهزيمته وإيجاد سبب "يحفظ ماء الوجه" للخروج من العراق كالقول مثلا" نحن نريد تحقيق الديمقراطية في العراق لكن العراقيين ليسوا في المستوى!" فعندما يتحول الصراع إلى صراع سياسي حقيقي، أي بين الاحتلال وعملائه من جهة وبين عموم الشعب العراقي بجميع طوائفه وعلى اختلاف توجهاته المذهبية والعقائدية والإيديولوجية من جهة أخرى، فإن المجرمين المتخفين وراء الطائفة سيخسرون مواقعهم ويندثرون. كما أن المحتل لن يتمكن من تسويق خطابه المفلس حول ديمقراطيته المزعومة وتزداد مشاكله بما يعجل برحيله. وهذا ما يفسر ارتفاع وتيرة "القتل الطائفي" كلما اشتدت المقاومة على المحتل وارتفع عدد قتلاه وخسائره وتعالت الأصوات بضرورة الاعتراف بالمقاومة والتفاوض معها والإسراع بالخروج من المستنقع العراقي.

ورغم أن بوش جدد ثقته في حكومة المالكي في اللقاء الذي جمعهما في الأردن نهاية هذا الشهر (نوفمبر)، فإنه كان أقل حماسة حيث لم يتهم كعادته سوريا وإيران بـ"دعم الإرهاب في العراق" بل عبّر عن استعداده للتعاون مع "دول الجوار" لتحقيق الاستقرار في العراق مشددا على أن انتصار "الإرهابيين" هناك سيؤدي إلى زعزعة "الديمقراطيات الناشئة" و"الأنظمة العصرية" في المنطقة، وهو بذلك يعبّر عن التوجه الجديد لإدارته في المنطقة. فالكل يتذكر كيف أن صقور البيت الأبيض وعدوا شعـوب المنطقة، عشية سقوط بغداد، بالديمقراطية على أنقاض الدكتاتوريات التي تحكمهم، مؤكدين أنهم سيحولون العراق إلى مثال يحتذى به، مهددين إيران وسوريا خصوصا بنفس مصير نظام صدام حسين. وجاءت بعد ذلك مشاريع تحت مسميات عديدة أهمها "مشروع الشرق الأوسط الكبير" و"الشرق الأوسط الجديد. لكن، وبعد أن منيت بهزيمة نكراء في العراق وأصبح هذا البلد أنموذجا لأبشع أنواع القتل والجريمة والفساد.. تغير خطاب واشنطن نحو دعم "الأنظمة العصرية" و"الديمقراطيات الناشئة" والمقصود بها الأنظمة العربية العميلة لها وفي مقدمتها مصر والأردن والسعودية ودول الخليج عامة. وأمام تفاقم مشاكلها وجدت إدارة بوش نفسها مجبرة على تجاوز خلافاتها مع سوريا وإيران والعمل على احتوائهما علهما يخرجانها من ورطتها في العراق. وفي هذا الإطار سمحت لحكومة المالكي بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري وبتنشيط التشاور مع إيران حول الملف العراقي. وقد عبرت هذه الأخيرة عن استعدادها لتقديم العون إذا ما تخلت واشنطن عن سياستها العدوانية تجاهها. وهذا التوجه الجديد عبرت عنه الأخبار المتسربة من تقرير "بيكر هيملتون" حول العراق والذي سيصدر في الأسبوع الأول من الشهر القادم (5 ديسمبر 2006). حيث من المنتظر أن يؤكد على ضرورة التخلي عن الخيار العسكري وإتباع أسلوب التفاوض والتعاون وإشراك دول الجوار في حل المعضلة العراقية.

إن الأشهر القليلة القادمة ستشهد تغيرات جوهرية في الملف العراقي، فالأمريكان لم يعد لهم من خيار سوى الهروب وما يقومون به الآن من تحركات يصب في هذا الاتجاه. وحكومة المالكي فشلت فشلا ذريعا وهي في الرمق الأخير، ومن غير المستبعد أن تتخلى عنها الإدارة الأمريكية وتبحث عن عملاء جدد في العراق أكثر قدرة على تحقيق أهدافها بالتعاون مع دول الجوار، أو الاعتراف بالهزيمة والتفاوض مع المقاومة بالشروط التي تضبطها هذه الأخيرة.

وبالطبع فإن الشعوب العربية وخاصة شعوب البلدان المجاورة للعراق مدعوة إلى التحرك لإفشال المخططات الأمريكية التي عبرت بكل وضوح عن وقوفها الكامل إلى جانب أنظمة الفساد والعمالة. و أول المطالب في هذا الاتجاه هو الضغط على هذه الأنظمة من أجل سحب اعترافها بحكومة المالكي وعدم التعامل معها بوصفها حكومة عميلة للاحتلال ومتورطة في جرائم حرب تسببت في مقتل مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي الذي أصبح أكثر من ربع سكانه (5ملايين) يعيش في فقر مدقع وقرابة نصفه عاطل عن العمل (نسبة البطالة وصلت إلى 40% حسب الإحصائيات الرسمية).

أما الشعب التونسي فإنه مدعو بدوره إلى تحمل مسؤولياته القومية والتاريخية والإنسانية تجاه شقيقه في العراق. وفي هذا الإطار لا بد من التنديد بالسياسة الرجعية التي يتبعها نظام بن علي في علاقة بالعراق. فهذا النظام لا يترك أي فرصة تمر دون تجديد الولاء للبيت الأبيض والتأكيد على أنه على استعداد دائم لتقديم الخدمات وتنفيذ التعليمات. وهو لا يتردد في فتح السجون وإصدار أحكام قاسية على كل من يفكر (مجر تفكير) في الالتحاق بالمقاومة العراقية. ويقبع الآن في سجون العهد الجديد عشرات الشبان بتهم تتعلق بـ"الإرهاب" لا لشيء إلا لأنهم أبدوا تعاطفهم مع قضية الشعب العراقي الصامد.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني