الصفحة الأساسية > البديل الوطني > لا تنتظروا تغييرا...فكل شيء على ما يرام!
خطاب 7 نوفمبر:
لا تنتظروا تغييرا...فكل شيء على ما يرام!
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006

خطب بن علي يوم 7 نوفمبر كي يقول للتونسيين: لا تنتظروا تغييرا فكل شيء على ما يرام. تجاهل عزلة نظامه عن القوى الحية بالبلاد وسمعته المتردية بالخارج وراح يغني وجوق المداحين يرد عليه.

خطب خطابا "جميلا" لكن فارغ من أي إصغاء إلى مطالب المجتمع المدني ومنظماته التي تعاني من المحاصرة والإقصاء، وإلى تطلعات الرأي العام الديمقراطي والوطني الذي يواجه قمعا متواصلا. ومرة أخرى يؤكد بن علي إصراره على رفض تحريك الحياة السياسية والخروج بها من المأزق المتردية فيه جراء النهج الاستبدادي المتبع وجراء احتكار الجهاز الأمني لكافة الفضاءات وتسليط الموالين والأعوان الطيعين على كافة الأطر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وإعاقة كل تنظيم يأبى المراقبة البوليسية والتدجين بل ومنعه أصلا من النشاط ومن الوجود القانوني.

لقد تجاهل بن علي الوضع الذي آلت إليه الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسبب تمسكها باستقلاليتها ورفضها التفريط في هويتها ووظيفتها، وأوكل مهماتها إلى "الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية" التي هي صنيعته وإحدى أدواته في تغطية الحقائق والتمويه على الرأي العام الداخلي والخارجي. وتجاهل الواقع المزري لحقوق الإنسان والحريات وتجاهل واقع الإعلام الذي جعل تونس ضمن المراتب الأخيرة عالميا وتجاهل ضحايا القمع من أهل الرأي الذين يعدون بالآلاف سواء السجناء الذين لم يفرج عنهم أو المسرحين الفاقدين حقوقهم المدنية والسياسية أو المنفيين. وتجاهل العفو التشريعي العام الذي ما انفكت ترفعه وتناضل في سبيله الحركة الديمقراطية كشرط أول لأي انفراج، وبدل ذلك تحدث عن قراره "سن عفو تشريعي عام في مجال الصرف" بعد قراره إصدار "عفو جبائي" لقي "الصدى الطيب" والفاهم يفهم!

وتجاهل كون "الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والحساسيات الفكرية" التي يرضى عنها ويدعوها إلى "تعميق التأمل في حاضرنا وتوجهات مستقبل بلادنا" وإلى أن تمده بآرائها ومقترحاتها "ليستأنس بها" في "العيد العشرين للتحول" لا تسمن ولا تغني ولا يعول عليها عاقل، ما دام المطلوب منها السير في الركاب ولعب دور الديكور لتلميع وجه الدكتاتورية وتشريع الاستبداد والفساد.

تجاهل واقع الشباب المهمش والمكمم والعاطل عن العمل والأمل، وقد أضحى حاملو الشهادات المعطلين يعدون بالآلاف وفرص التشغيل القليلة عندما توجد تتحكم فيها المحاباة والتصفيات السياسية رغم ظاهر المناظرات التي يخضع له بعضها (فضائح الكاباس مثلا). ومع ذلك يجد بن علي القوة ليتحدث عن "الاستشارة الشبابية" وعن "خيار التعددية الذي لا رجعة فيه" والجرأة لكي يزعم أن "الحريات في تونس اليوم يضمنها دستور البلاد وقوانينها" وأنها " في مستوى يرقى إلى ما هو معمول به في كثير من البلدان المتقدمة". يجد الجرأة وهو ينصب نفسه رئيسا مدى الحياة ويسد الباب أمام أي مبادرة جدية للمناقشة، بل أي تفكير في مشاركته الحكم أو في الحلول محله ولو كان ذلك عبر انتخابات حرة بواسطة صندوق الاقتراع، ولهذا السبب هو يمنع الانتخابات الحرة ولا يقبل إلا بانتخابات صورية على مقاسه وتحت مراقبة أعوانه. وقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا خبرا مفاده أن "المجلسين" (مجلس النواب ومجلس المستشارين) يناشدان بن علي كي يترشح للرئاسة سنة 2009 وهي رئاسة مدى الحياة على كل حال بعد أن تم ترتيبها بتحوير الدستور شهر ماي 2002، وهو ما لم يخف عنا وعن القوى الديمقراطية وقتها، والرئاسة مدى الحياة تعني تعزيز الحكم الفــردي المطلق للحفاظ على مصالح حفنة من العائلات والشركات والمؤسسات والدول الامبريالية.

أما في المجال الاقتصادي فمزيد من "الانفتاح" وفتح الباب أمام النهب الأجنبي لخيرات البلاد وعرق الشعب الكادح ومزيد من التسهيلات الجبائية والاستثمارية أمام رأس المال الطفيلي التابع ورأس المال الاستعماري ومزيد من رهن مستقبل تونس واجتثاث حلم بناء الاقتصاد الوطني المستقل، ركيزة كل نهضة سياسية واجتماعية وثقافية.

ولم يجد بن علي في مجال السياسة الخارجية أكثر من كلام عام حول مواجهة "أمتنا" لتحديات كبرى وحول "الوضع المتردي" في العراق و"إعادة إعمار لبنان" و"إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وقيام دولة فلسطينية مستقلة" ساكتا عن تسمية الأشياء بأسمائها كتسمية الوجود الأمريكي والبريطاني في العراق احتلالا وكتسمية الدولة العبرية كيانا صهيونيا وإدانة المجازر والمذابح والاغتيالات التي تنفذها ضد الشعب الفلسطيني ومناضليه يوميا.

لم يحصل شيء من هذا لأن بن علي يراهن على القتلة والسفاحين في البيت الأبيض لحماية نظامه وضمان بقائه ولا يريد إغضابهم، ولأن سياسة الولاء للامبريالية والتطبيع مع الصهيونية تفرض عليه غض النظر عن الحقائق الجارية على الأرض والاختباء وراء الجمل الفضفاضة والكلام العام والمستهلك. ومن الحقائق الجارية على الأرض أن محاكم بن علي ما انفكت وراء كل تونسي تحدثه نفسه بالتفكير في التطوع لمؤازرة المقاومة العراقية أو الفلسطينية وعدد الشبان الذين قبض عليهم وسلطت عليهم أحكام ثقيلة بعد أن وضعوا تحت طائلة "قانون الإرهاب" يشهد بذلك.

وما زال بن علي يؤكد الانضواء خلف القاطرة الامبريالية الأمريكية في دعوى "مكافحة الإرهاب" ويتخذ من هذه الدعوى ذريعة لمزيد التضييق على الحريات وحقوق الإنسان ومزيد كتم أنفاس التونسيين الأحرار وعزلهم عن محيطهم العربي والأممي.
لقد جاء خطاب بن علي ليردد كلاما ممجوجا فارغا من كل محتوى. وهو يؤكد مرة أخرى أن أزمة نظام الحكم ما فتئت تتعمق وأنه لا خيار أمام أحرار تونس على اختلاف تنظيماتهم المدنية والسياسية ومشاربهم الإيديولوجية ومشاريعهم البعيدة سوى مواصلة العمل على توحيد صف الصمود والمقاومة والاستفادة من تفاقم أزمة النظام ومن الرياح التي تهب لغير صالح الدكتاتوريات وحماتها الامبرياليين حتى يتحقق هدف النظام الديمقراطي والشعبي وترحل دون رجعة مخلفات عهود الظلم والظلام.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني