الصفحة الأساسية > البديل العالمي > الماركسية وأشكال النضال
الماركسية وأشكال النضال
تشرين الأول (أكتوبر) 2008

(مقتطف من نص حرب الأنصار – لينين)

لنبدأ منذ البداية. أية مقتضيات أساسية يترتب على كل ماركسي أن يبديها في ما يتعلق بمسألة أشكال النضال؟ أولا، إن الماركسية تختلف عن جميع الأشكال البدائية للاشتراكية، لأنها لا تربط الحركة بشكل وحيد محدد من أشكال النضال. إنها تقبل بأكثر أشكال النضال تنوعا، ولا "تخترعها" بل تقتصر على تعميم أشكال نضال الطبقات الثورية، الأشكال التي تنبثق بصورة عفوية في مجرى الحركة بالذات، على تنظيم هذه الأشكال، على بث الوعي فيها. إن الماركسية التي تعادي إطلاقا جميع الصيغ المجردة وجميع وصفات المذهبيين الجامدين، تتطلب النظر بانتباه إلى النضال الجماهيري الجاري الذي يولـّد بلا انقطاع أساليب جديدة للدفاع والهجوم تزداد تنوعا يوما بعد يوم، وذلك بقدر ما تتطور الحركة ويتقدم وعي الجماهير وتتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية. ولهذا لا تنبذ الماركسية سلفا وبصورة مطلقة أي شكل من أشكال النضال، وهي لا تقتصر في أي حال من الأحوال على أشكال النضال الممكنة والقائمة في فترة معينة، وهي تقر بأن التغير في الأوضاع الاجتماعية يؤدي حتما إلى ظهور أشكال جديدة للنضال لا يعرفها مناضلو الفترة المعينة. ومن هذه الناحية، تتعلم الماركسية، إذا جاز القول، في مدرسة الجماهير العملية، وهي أبعد من أن تدعي تعليم الجماهير أشكال نضال يخترعها "صانعو المناهج" في زوايا مكاتبهم. قال كاوتسكي مثلا في معرض بحثه أشكال الثورة الاجتماعية: "نحن نعرف أن الأزمة المقبلة ستحمل معها أشكال نضال جديدة لا نستطيع التنبؤ بها الآن".

ثانيا، إن الماركسية تقتضي إطلاقا البحث في مسألة أشكال النضال من ناحيتها التاريخية. إن وضع هذه المسألة خارج الظروف التاريخية الملموسة يعني جهل ألف باء المادية الديالكتيكية. ففي مختلف فترات التطور الاقتصادي، وتبعا لمختلف الظروف السياسية والقومية والثقافية والمعيشية، إلخ... تحتل مختلف أشكال النضال المرتبة الأولى وتغدو الأشكال الرئيسية، وتبعا لذلك تتغير بدورها أشكال النضال الثانوية، التابعة. فإذا حاولنا الإجابة بنعم أو لا بصدد وسيلة محددة للنضال دون أن نبحث بالتفصيل الظروف الملموسة للحركة المعنية، عند درجة التطور التي بلغتها هذه الحركة، فهذا يعني أننا تركنا تماما الميدان الماركسي.

ذانك هما المبدآن النظريان الأساسيان اللذان ينبغي أن نسير على هديها. إن تاريخ الماركسية في أوروبا الغربية يقدم لنا كثرة من الأمثلة تؤيد ما أوردناه أعلاه. فإن الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية تعتبر البرلمانية والحركة النقابية في الوقت الحاضر بمثابة شكليْ النضال الرئيسيين. وكانت في ما مضى تقر بالثورة، وهي مستعدة كل الاستعداد للإقرار بها مرة ثانية في المستقبل عند تغير الأوضاع، خلافا لما يعتقد البرجوازيون الليبيراليون من إضراب الكاديت الروس وجماعة "بززاغلافتنسي". فبين 1870 1880 نبذت الاشتراكية الديمقراطية الإضراب العام بوصفه الدواء الشافي لعموم الأمراض الاجتماعية، بوصفه الوسيلة لإسقاط البرجوازية دفعة واحدة عن طريق غير طريق النضال السياسي، ولكن الاشتراكية الديمقراطية تقبل تماما بالإضراب السياسي الجماهيري (ولا سيما بعد التجربة التي جرت في روسيا عام 1905) بوصفه وسيلة من وسائل النضال لا غنى عنها في بعض الظروف. وقد قبلت الاشتراكية الديمقراطية بمعارك المتاريس في الشوارع بين 1840 و 1850 ونبذت هذه الوسيلة بسبب ظروف معينة في أواخر القرن التاسع عشر، وأعلنت أنها مستعدة كل الاستعداد لإعادة النظر برأيها الأخير وللإقرار بفائدة معارك المتاريس، بعد تجربة موسكو التي أوجدت تكتيكا جديدا للمتاريس كما قال كاوتسكي.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني