الصفحة الأساسية > البديل العربي > تأبيد احتلال العراق وتشريعه
"الاتفاقية الأمنية" الأمريكية:
تأبيد احتلال العراق وتشريعه
تشرين الأول (أكتوبر) 2008

عندما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على غزو العراق واحتلاله لم يكن في نيتها تركيز نظام عسكري أمريكي فيه إلى ما لا نهاية لأنها تدرك أن ذلك سيكلفها أرواحا عديدة في صفوف جنودها وأموالا طائلة. وازداد هذا الطرح إلحاحا مع تنامي المقاومة واتساعها وفشل القوة العسكرية في إخمادها. لقد كان صقور البيت الأبيض يخططون منذ البداية لإقامة نظام عميل في العراق يؤمّن لهم نهب نفط البلاد وثرواتها ويرعى مصالحهم. لكن تحقيق هذا الهدف لا يمكن أن يتم دون تركيز قواعد عسكرية كبرى دائمة تكون مهمتها الرئيسية حماية هذه الحكومة العميلة والتصدي لكل ما من شأنه أن يهدد وجودها، وتحويل العراق إلى قاعدة عسكرية كبرى تنطلق منها عمليات مراقبة وتهديد ومهاجمة كل بلد لا يقبل بالخضوع.

وهذا بالضبط ما تسعى إليه واشنطن من خلال الإسراع في فرض "الاتفاقية الأمنية" على حكومة المالكي العميلة التي تضم في صفوفها كل الأحزاب الرجعية والطائفية التي تواطأت مع المحتل وارتهن وجودها بوجوده، لذلك نراها ترتعد خوفا كلما سمعت عن انسحاب مفترض للقوات المسلحة الأمريكية، وترفع عقيرتها بالصياح متوسلة له كي يبقى لاقتناعها بأن الشعب العراقي سيمزقها إربا إذا ما رفع بوش وعصابته الحماية عنها. وما الضجيج الذي نسمعه داخل ما يسمى بـ"البرلمان العراقي" إلا لإثارة الغبار وطمس الحقائق وإيهام الرأي العام العراقي بأن هذا البرلمان المزعوم بإمكانه رفض أو قبول إملاءات المحتل، في حين أنه مؤسسة صورية ركزها الاحتلال بغاية تشريع احتلاله ونهبه للعراق، لا حول ولا قوة له أمام ما يقرره ساسة البيت الأبيض.

إن واشنطن تريد من خلال فرض هذه الاتفاقية تأبيد وتشريع احتلال العراق والادعاء بأن "العراقيين" هم الذين "اختاروا" هذا النهج. فالمحتل وعملاؤه يدّعيان أنه بموجب هذه الاتفاقية سوف "تنسحب" القوات الأمريكية من العراق وسيتم نقل "السيادة كاملة" إلى "العراقيين"، لكن الحقيقة هي أن هذه الاتفاقية ستؤدي إلى انسحاب جزئي للقوات المسلحة الأمريكية من المدن العراقية ليقع تعويضها بقوات من الشرطة والجيش العراقيين الخاضعين بالكامل لسلطة الاحتلال. وهذه القوات الأمريكية "المنسحبة" سوف لن تعود إلى ديارها بالطبع وتترك العراقيين ينعمون بـ"استقلالهم" بل إنها سوف تتمركز في قواعد ضخمة ودائمة منتشرة في كامل تراب العراق تكون مهمتها الأولى مراقبة أداء الحكومة العميلة حتى لا تحيد عن الخط المرسوم لها وتوفير الحماية لها والتصدي لكل من يهدد وجودها. وسوف تتحول "القوات العراقية" إلى قوة رئيسية، مسنودة من الاحتلال، في قمع المقاومة، بعد أن كان دورها في ما مضى يقتصر على "تقديم العون". إن هذا الإجراء الشكلي في اقتسام المهام بين المحتل من جهة وعملائه من جهة أخرى، هو الذي تسميه الدعاية الامبريالية المظللة بـ"التحول التاريخي" في القضية العراقية، بحيث سيتم "نقل السيادة كاملة للعراقيين" و"انسحاب القوات الأمريكية مع نهاية 2009" ! وإذا ما تمت المصادقة على هذه الاتفاقية المهينة من قبل "البرلمان العراقي" ، فإن البيت الأبيض سيهلل لهذا "النصر العظيم" ويقول بأن القوات الأمريكية جاءت إلى العراق من أجل "هدف نبيل" وهو "إسقاط الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي" وعندما تحقق هذا الهدف "انسحبت" هذه القوات !

وفي الحقيقة فإن رغبة واشنطن في تمرير هذه الاتفاقية بسرعة يعود أساسا إلى أنها تبحث عن مخرج "مشرف" من المستنقع العراقي خاصة وأنها تئن تحت وطأة أزمة رأسمالية حادة لم يقدر جبروتها واحتلالها للبلدان ونهبها لثروات الشعوب على حلها بل زادها ذلك عمقا، في أجواء انتخابية يحاول من خلالها الجمهوريون ربح بعض النقاط من خلال الإيهام بتحقيق "تقدم" في العراق على حساب مرشح الديمقراطيين "أوباما" الذي يقدّم نفسه بمثابة المنقذ لأمريكا من المستنقع الذي وضعه فيها الجمهوريون.

وبطبيعة الحال فإن الشعب العراقي بقيادة مقاومته الوطنية الباسلة غير معني بحسابات الامبريالية الأمريكية بـ"جمهورييها" وبـ"ديمقراطييها" وغير مستعد لتحمّل تبعات الأزمة الاقتصادية الامبريالية. ما يهمه هو الالتفاف حول مقاومته المسلحة بعيدا عن كل النزعات الطائفية وعن كل الحسابات الفئوية الضيقة، لطرد المحتل وكنس عملائه وإقامة دولته المستقلة على أرضه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني