الصفحة الأساسية > البديل العربي > النظام المصري يخنق أهل غزّة من تحت الأرض..!
النظام المصري يخنق أهل غزّة من تحت الأرض..!
25 كانون الثاني (يناير) 2010

رغم صيحات الاستنكار التي تعالت في جميع أنحاء العالم ضد الجدار "التـّحت أرضي" الذي شرع النظام المصري في بنائه مفتتح السنة الجديدة، فإن نظام حسني مبارك مضى قدما في بنائه ضاربا عرض الحائط بكل هذه الصيحات المستنكرة، فهي صيحات لا تقلقه ما دامت صادرة عن شعوب عربية تحكمها أنظمة استبدادية بالحديد والنار وتمنعها حتى من مجرد التعبير اللفظي عن الرفض، أو من شعوب تحكمها حكومات إمبريالية لا تهمّها سوى مصالحها الضيقة. المهمّ بالنسبة لحسني مبارك هو أن ما يقوم به يحظى برضاء أسياده في واشنطن وأوروبا والذين سيكافئونه بحماية نظامه اللاشرعي ومساندته ماديّا وسياسيّا حتى يبقى في الحكم مدى الحياة ويورّثه بعد مماته لأولاده! وقد يتساءل البعض ما الذي يجعل نظام حسني مبارك يتحوّل إلى مجرد خادم ذليل للصهيونية وحارس أمين لحدودها؟ الجواب هو أنّ هذا النظام فاقدٌ للشرعية ويعرف أنّ الشّعب المصري يكرهه وأنه سيكنسه في أول فرصة تطاح له سواء عبر انتخابات حرة ونزيهة أو عبر انتفاضة شعبية. كما أن هذا النظام يدرك تمام الإدراك أنه لو تمّ إسقاطه بواسطة القوّة سواء عن طريق انقلاب عسكري داخلي أو بغزو خارجي فإنّ الشّعب المصري لن يهبّ للدّفاع عنه. لذلك فإن الوسيلة الوحيدة لضمان بقائه في الكرسي هي الموالاة التامّة للإمبريالية والصهيونية وإثبات الولاء. فموقف الشعب المصري لا يهمّ حسني مبارك لأنـّه يعرف أنّ إخضاعه وقمعه ممكنان بواسطة ما يمتلكه من جهاز قمعي رهيب، كما أن إمكانية إسقاط نظامه عن طريق انقلاب عسكري مستبعدة وقد تكون مستحيلة لأنّه قرأ حسابا لكلّ كبيرة وصغيرة و"طهّر" المؤسّسة العسكرية حتى تحوّلت إلى مجرد خليّة من خلايا المخابرات. إذن فالإمكانية الوحيدة لإسقاطه، حسب رأيه، هي الغزو الخارجي مثلما حصل في العراق مثلا. ولتجنب ذلك لا بد من الرّكوع ومزيد الرّكوع.

إذن فمن أجل الكرسيّ يبني حسني مبارك هذا الجدار الذي سيبقى وصمة عار ليس على جبينه هو فحسب بل على جبين كل الحكام العرب الذين يشاركون في هذه الجريمة سواء بصمتهم أو بإعلان عدم رفضهم واعتبار ذلك شأنا داخليّا مصريّا.
إن بناء هذا الجدار هو جريمة ضد الإنسانية جمعاء وليس ضد سكان غزة فحسب. فأي إنسان في أي مكان من الأرض سيصاب بالصدمة عندما يرى شعبا محاصرا جوّا وبحرا وأرضا وتعرّض ويتعرّض لحرب عنصرية مدمّرة أتت على كل مظاهر الحياة من صحة وماء وكهرباء وتعليم وطرقات... ومع ذلك يقع التضييق عليه أكثر بمحاصرته تحت الأرض أيضا وسدّ كل المعابر في وجهه ومنع قوافل الإغاثة من المرور إليه. والمواطن العربي ستكون صدمته مضاعفة بالنظر إلى الرّوابط القوميّة التي تجمعه بالشعب الفلسطيني وبالنظر أيضا إلى أن تشديد الحصار على هذا الشعب ومزيد خنقه ينفـّذ بواسطة نظام عربي كان من المفروض أن يكون سندا وليس عدوّا.

أما المواطن التونسي فإن هذه الصدمة تحولت إلى ألم دفين وغصة في القلب وهو يرى ما يحصل لأشقائه في غزة دون أن يقدر حتى على رفع صوته بالرفض لا في الشارع ولا حتى داخل مقرات الأحزاب المعارضة المعترف بها. فالشوارع تحكمها قوات القمع، ومقرّات الأحزاب والجمعيات محاصرة بميليشيات البوليس السياسي الذي لا يكتفي بمنع المواطنين من الوصول إليها بل وحتى أعضاء هذه الأحزاب والجمعيات. وليس هذا فقط! فالمواطن التونسي ممنوع حتى من المشاركة في البرامج الحوارية في القنوات الأجنبية بعد أن اشتدت وتيرة القمع وأصبح كل من يظهر في هذه القنوات في مرمى عصابات بن علي تختطفه وتعتدي عليه وتلفـّق له القضايا وترمي به في السّجن. وحتى مقرات اتحاد الشغل التي كانت تمثل متنفسا للنقابيين والمواطنين فإن ماكينة القمع شددت "عنايتها" بها وشملتها بـ"رعايتها" وأصبحت تحت عيون البوليس يحاصرها ويمنع الناس من الوصول إليها كلما استشعر خطرا. وتواجه الجامعات والمعاهد الثانوية حصارا غير مسبوق وسلسلة من الاعتقالات لفرض الصّمت على الجميع.

كان من المفروض أن تخرج الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج تنديدا بهذا الجدار/الجريمة. وهذا الصمت الشعبي الذي نراه اليوم لا يمكن تبريره بشدة سطوة الأنظمة فحسب بل وكذلك بدخول المواطن العربي في ما يشبه التسليم بالأمر الواقع وضياعه بين فتاوي الأيمّة والفقهاء وكأنّ هذا الجدار شأن دينيّ يكفي البتّ فيه بالتحريم أو بالعكس!

وفي اعتقادنا فإن أهم درس يمكن استخلاصه من بناء هذا الجدار هو أن الأنظمة العربية قد تحوّلت بصفة كليّة إلى معسكر الصهيونية والإمبريالية ولم تعد تكتفي بالصمت والتواطؤ بل أصبحت تنفذ وتبادر ضمن هذا المعسكر. ولا غرابة أن نرى في يوم من الأيام النظام المصري، أو أيّ نظام عربي آخر، يشنّ هجوما عسكريا على الشعب الفلسطيني تنفيذا لتعليمات أسياده أو حتى كمبادرة منه لإثبات الولاء. لذلك فإن كل مراهنة على هذه الأنظمة هي من قبيل زرع الأوهام ولا بد على أي حركة تحرر وطني في المنطقة العربية أن تعتبر الأنظمة العربية عدوا وحليفا للإمبريالية والصهيونية وليست مجرّد أنظمة متواطئة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني