الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > تداعيات أبـو ذرّ من المنفى
تداعيات أبـو ذرّ من المنفى
12 آذار (مارس) 2008

من هناك مــرّ الرّجــال..

الرّحـلـة مُضنية وشـاقـة كـي نصل للكـرامة والحــريّة، طريق الكرامة يمـرّ عبر القــوّاد والمخبر والعسس.. الحريّـة تمرّ عبر الهراوات الغليظة والأيادي الخشنة.. كي نصل علينا أن نمر بنفق الخوف بقسوة التحدّي.. صغُـر حصاركم أمام إرادتنا، كبـُر عاركم أمام أعيننا..

طريقنا يمتدّ أمامنا، ومصيركم يـرتدّ إلى خلفكم.. انزعوا ما شئتم عن مكانـه أشجارا.. أحجارا.. لكنّكم لن تستطيعوا أن تقتلعوا رجــالا... وأفكــارا...

هــل يتمّ تأميم شركـة الفسفاط؟؟؟

لماذا لا نرفع شعار تأميم شركة فسفاط قفصة؟

هـي آخــر نكتة راجت بالرديف، ولأنّ الشعوب المكلومة بالظلم والقهـر تُفـرّج عن نفسها بالنكات فقد تكاثرت النكت بالرديف في المدّة الأخيرة، كيف لا وهـم محاصرون بجيش عرمرم بلغ أكثر من أربعة ألاف، جيش مدعّم بأحدث أدوات القمع والبطش يتوعّد الجائعين المحرومين، هذا الضّغط النفس جعلهم يضحكون منهم ومن أنفسهم وكما يُقال "كُـثـر الهـمّ يضـحّك"...

المهم أنّ النكتة هي تعبير سياسي يحمل أبعاد دلاليّة عميقة، فمثل هذه الدّعــوة تُعبّـر عن فرضيّتين: الفرضيّة الأولى قوامها أنّ هذه الشركـة مملوكة من أطراف خارجيّة استعمارية ونحن مجـرّد عبيد واقعون تحت رحمتها، أما الفرضيّة الثانية فقوامها أنّ هذه الدولـة هي دولـة لا وطنيّـة تحرم شعبها من ريع هذه الشركـة.

كلا الفرضيتين صحيح.. فمن جهة الطرف الخارجي موجود بالفعل والقوّة وهو صندوق النقد الدولي الذي يفرض على هذا النّظام شروطه في الخوصصة والتسيير ويتدخّل في التشغيل بالشركة، ومن جهة أخـرى هذا النظام لا يحتاج إلى أدلّـة لإثبات لا وطنيته في الفساد والسرقات ونهب المال العام لفائدة عصابة يعرفها القاصي والدّاني، وما كانوا يسرقونه سـرّا أصبحوا يفتكّونه جهرة وعلنا.. فنحن في دولة السّطو المنظّم..

سيمضي النظام لا ريب.. ربّما تُأمّم تلك الشركة.. ويبقى أبـو ذرّ ينثر أفكاره...

إنّهم يخافُـــون الكلمــة...

على مدى الأسبوع الأخير من معركة الشغل والكرامة انحصرت معركة المُحتجّين في الإتحاد المحلّي للشغل بالرديف حــول مُضخّم الصوت الذي يُخاطب به المناضـل عدنان حاجّي جماهير الشعب، وأصبح مطلب السّلط الأمنية هو نــزع هذا المضخّم، وهو نفس المطلب الذي رفعته البيروقراطيّة النقابيّة في الإتحاد المحلّي..

يبـدو أنّ المعركــة ذات أهميّة ليصبح هذا المطلب رهـان تلك المعركـة: إنّّـهم يخافون الكلـمة الحُـرّة.. يخشون التفكير بصـوت عال.. يحرموننا من أبسط أدوات التّبليــغ، لم يكفهم ما استحوذوا عليه من وسائل الإعـلام يُمجمجون بها عقولنا ويُرهقون بصراخهم مشاعرنا، لم تكفهم القنوات المملوكة والمأجورة، والإذاعات المهدورة والمشبوهة.. والتي يقتطعون أموالها من فواتيرنا الكهربائيّة.. لم يكفهم كل هذا حتى يحرموننا حقّ الكلام..

في الرديف يملكون الإرادة حتّى يُحافظوا على مُكتسباتهم: المسيرة.. مُضخّم الصوت.. اللاّفتات.. المُعلّقات.. جريدة البديل.. قناة الحوار.. مقر الإتحاد.. وخطبـة القائد عدنان التي ما كان ليرغب فيها لولا مطلب الجماهير..

في الرديف لا يسمعُون إلاّ فيما يرغبُـــون.. ويفعلون ما يُريدون...

معركة الكرامة في الرديف: الدرس الغائب عن المعارضـة..

منذ ما يزيـد عن الشّهرين، والحوض المنجمي يعيش حالة مخاض نادرة في تاريخ تونس الحديثة، ولئن خفتت في مناطق معينة من الحوض فإنّهـا ظلت مشتعلة في الرديف لما تميّزت به من تنظيم محكم وقدرة على توجيه التحرّكات نحو مطالب ذات مشروعيّة مطلقة، ولكن السؤال المطروح: كيف تعاملت المعارضة مع هذه التحركات؟

يمكن أن نجيب عن هذه السؤال بما يلي:

1- لم ترتق جلّ أحزاب المعارضة في تعاطيها إلى مستوى الحدث وجسامته ورهاناته، فقد اكتفت هذه الأحزاب بتغطية محدودة جـدّا وأحيانا مشوّهــة لواقع الحال، ولم تسع إلى مساندتها عمليّا..

2- إنّ موقف أهـالي الرديف من الزيارة التي أدّتها مي الجريبي الأمينة العام للحزب الديمقراطي التقدّمي للرديف يُعبّـر عن سخطهم من جامعة الحزب في قفصة ومن رئيسها، هذه الجامعة التي نأت بنفسها عن الأحداث، بل أنّها وجّهت رسالة إلى الوالي تتحدّث عن المصاعب التي تمـرّ بها شركة الفسفاط لتُنصّب نفسها مدافعا عن الشركــة لا عن المُحتجّين والمُعطّلين.. وهو موقف مُبرّر موضوعيّا من حزب كان يعُدّه أهالي الرديف من الأحزاب المناوئة لسياسة النظام..

3- بالنسبة لحركة التجديد فقد وجّـهت رسالة إلى رئيس الجمهورية نُشرت في صحيفة الحركة عبّرت فيها بصدق عن عُمق الأزمـة التي يعيشها الحوض المنجمي، ونبّهت إلى مخاطـر المستقبل الذي ينتظر المنطقة، ورغم ذلك تبقى هذه الخطوة غير كافية باعتبار أنّ الأزمــة لم تنفرج بل تفاقمت، وكأنّ الحركـة رفعت عن نفسها العتب بتلك الرسالة لتنسب عن مسرح الأحداث.

4- لن نتحدّث كثيرا عن أحزاب الدّيكـور التي بدأت حُـمّى 2009 تأخـذ كل تفكيرها وأصلا هي وُلدت في رحـم الحسابات الضيّقة، وهـي بعيدة كـل البُعد عن مشاغل النّاس وهمومهم اليوميّة.. بل لم يصدر لهم الإذن بعد للكلام والكتابة..

في الرديف مثلا يحتفلون بحركات مساندة كانت قويّـة في مضمونها وفي شكلها:

- التغطية الصحفية التي أنجزتها صحيفة "البديل" و"البديل عاجـل".
- التغطية التلفزية التي أعـــدّتها قناة الحوار على مدى الشهرين.
- برقيّـة المسانـدة التي صدرت عن الناطق الرّسمي لحزب العمال الشيوعي التونسي.
- لجنة المسانـدة التي أسّست في باريس، والمناشير التي قامت بتوزيعها بـ"بال فيل".
- زيـارة فرع القيروان للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
- إضراب جوع بيوم مساندة أنجزه حقوقيون ومناضلون...

في الرديف لا يحتفلون كثيرا بفاجعة 2009، لا يناشدون، لا يخافون، يُراهنون على مقدرتهم أوّلا، وعلــى المناضلين الصادقين ثانيا...

...يقول المثل الجزائري: " ما يبقى في الـواد كــان حـجــــرُ"

أبو ذرّ الغفاري


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني