الصفحة الأساسية > البديل النقابي > تفاقم الأزمة بين نقابات التعليم ووزارتي القطاع... وآفاق الحسم !
تفاقم الأزمة بين نقابات التعليم ووزارتي القطاع... وآفاق الحسم !
25 تشرين الأول (أكتوبر) 2007

الأمور ما انفكت تراوح مكانها بين نقابات التعليم ووزارتي التربية والتعليم العالي، بسبب تعنت الطرف الوزاري وعدم التزامه بتطبيق الاتقفاقيات وتنفيذ التعهدات في ما يتعلق بالملفات المطروحة على مائدة التفاوض سواء منها ملف الحق النقابي وحرية النشاط النقابي والثقافي والأكاديمي داخل مؤسسات التعليم أو ملف المطالب المادية والمهنية المتراكمة منذ سنوات. فما يكاد يجف حبر الاتفاقية ويتبخر صدى البلاغ الذي بموجبه يتم إلغاء أو تأجيل تحرك احتجاجي حتى يتبين أن سلط الإشراف أرادت أن تربح الوقت وتشل ذلك التحرك لا أكثر، وأنها متمادية في إرهاب النشطاء النقابيين والتخويف من الانتماء النقابي وتجريم حق الإضراب وتجاهل مطالب السلك، وكأنها لم تجلس إلى التفاوض ولم توقّع ولم تلتزم. مما أفقد الاتفاقيات مصداقيتها، رغم كونها لا تكفل التحسين الفعلي لظروف مباشرة المهنة والنهوض بالتعليم العمومي وفتح آفاق الترقي المادي والمعنوي لجمهور المعلمين والأساتذة.

وحينئذ فإن الدرس الذي لا شك في كون الكثيرين قد استوعبوه هو ضرورة الإقلاع عن الانخداع وتطوير السبل الكفيلة بالإبقاء على النّفَس النضالي وبمحاصرة ميول اليأس الناجمة عن طول الطريق وعن سياسة سد الباب والتسويف التي تنتهجها السلطة، وتطوير تجربة العمل المنسّق والموحد بين نقابات القطاع ما دام نهج الغطرسة والاستخفاف قد فرض عليها أن تواجه مجتمعة. إن الاستخفاف الذي يتعامل به الفريق الحاكم مع قطاع من طراز قطاع التعليم والبحث العلمي ويجسده سلوك أعوان التنفيذ على رأس الوزارتين، لا يمكن كبحه وإعادة هؤلاء إلى حجمهم ووعيهم –إن كان لديهم وعي- إلا بإحداث نقلة في المواجهة يمكن تحقيقها عبر تجميع القوى وحشدها (أساسي، ثانوي، عالي) والتجربة الأخيرة، رغم محدوديتها، برهنت على أن تركيز القوة ضد بؤرة الغطرسة والصد هو الطريق إلى رفع التحدي وإنصاف ضحايا عدم الإنصاف. والسنة الجارية إطار مناسب لجعل قضية التعليم قضية مركزية داخل المركزية النقابية وفي المجتمع.

إن الاتحاد العام التونسي للشغل يجد نفسه اليوم أمام امتحان يراد منه اختبار تجنـّده وقوته، بما أن الأمر وصل حدّ عدم الاعتراف بتمثيله لقطاع من الشغيلة، هو قطاع أساتذة التعليم العالي. وسلطة الإشراف رافضة حاليا التفاوض مع الهيكل النقابي (الجامعة) الذي يمثله، فهو مطالب بالدفاع عن وجوده، وعن قراره المستقل، وعن مصداقية شعاراته، وإذا لم يفعل ذلك فسيُمْنـَى بخسارتين: الأولى مع القطاع، والثانية مع السلطة لأن هذه لن ترحمه، ولن ترحم حتى قيادته وأمينه العام الحاليين رغم كل التنازلات التي يقدمانها، والمديح الذي ما انفك يحظى به القصر والذي تجسّده البلاغات الصادرة إثر كل مقابلة يجريها عبد السلام جراد، والخالية، إلا من عبارات الولاء والتأييد المخجل، بما يزيد ضحايا التعسف والتجاهل الذين ينتظرون إثر كل وقفة نضالية يقفونها بارقة تجاوب قيادي، يأسا من النقابة والتنقب والاتحاد. وتبرز وزارة التعليم العالي من بين الوزارتين كمثال غير مسبوق في تجاهل مطالب القطاع. وفي التعدي على الحقوق المكتسبة وخرق القوانين المعمول بها وتسليط الإجراءات التعسفية والانفراد بالقرارات المصيرية وتصفية دور المجالس العلمية للكليات وسائر الهياكل المنتخبة على صعيد الجامعة أو الجزء، وقبل هذا وبعده رفض التعامل مع جامعة التعليم العالي الممثل النقابي المنتخب، ومن ثمة تجميد التفاوض حول الملفات المتراكمة، العاجلة والآجلة، كملف الحريات الأكاديمية وسياسة الانتداب والنقل والتقاعد والبرمجة والعطل والامتحانات، ونظام ما يسمى بالـ"إمد" الذي بدأت طلائع فشله تبرز للعيان منذ تجاربه الأولى في بعض الكليات، وكالملف المادي والمهني المتعلق بتحسين أوضاع جمهور الأساتذة، خاصة بعد تطبيق هذا النظام ومضاعفاته على وتائر العمل. فقد زادت الأمور سوء جراء الارتجال وعدم التشريك وتنفيذ إملاءات دوائر التمويل الخارجي التي أصبحت هي المتحكمة في تصميم عقل التونسي، تلميذا أو طالبا، وفي صياغتها حسبما تفرضه مصالح القرار الأجنبي، المتمركزة بواشنطن وباريس. ورغم الإضراب الإداري والإضرابات العادية ورفع الشارة الحمراء أكثر من مرة ورغم مساعي المكتب التنفيذي للاتحاد وأمينه العام نفسه لدى الوزارة ولدى القصر أيضا، وما صحبها من وعود بفتح التفاوض وسماع ممثلي القطاع، فقد تبين أن شيئا لم يتحقق وأن قرار غلق الباب غير قابل للمراجعة، وأن هذا القرار، وتلك السياسة، نازلان رأسا من أعلى قمة الهرم، حيث تجتهد "حكومة الظل" بتوجيه وزارة الداخلية في ضرب قطاع التعليم العمومي ومعاقبة نسائه ورجاله على الجهد الذي يبذلونه، والتضحية التي يقدمونها، والانتقام من نشطائه النقابيين ومن نخبه المفكّرة، وشل دوره في تأمين مستقبل الأجيال ذهنيا وثقافيا، وتكوين المكونين، والإطارات، وتنوير العقول. ويسعى المحيطون بوزير التعليم العالي، أو بعضهم، إلى ترويج كونه براء مما يجري، وأن الأمور تتجاوزه، فما الذي أبقاه حينئذ على كف العفريت حتى يتحمل تبعات الفساد والإفساد والاستبداد لو كان فيه ذرة من ماء وجه وزراء التعليم العالي والبحث العلمي في العالم؟ إن القطاع بصدد مواجهة سلطة إشراف مسؤولة عن كل ما يحصل، والحساب معها أولا طالما باسمها تـُشن وتـُنفذ وتـُفرض سياسة تخريب التعليم والإجهاز على ما تبقى منه، فهل تكون هذه السنة سنة المنعرج، سنة الحسم، وهل سنعيش ساعة سعيدة من ساعات سقوط الطراطير مرة أخرى!



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني