الصفحة الأساسية > البديل الوطني > جحيم مراكز النداء
جحيم مراكز النداء
كانون الأول (ديسمبر) 2009

تشهد منذ مدة شركة الاتصالات الفرنسية France télécom سلسلة أليمة من الانتحارات في صفوف موظفيها الذين يقارب عددهم 100 ألف موظف. وقد بلغ عدد هذه الانتحارات حوالي 26 منذ فيفري 2008 شملت إطارات ومسيرين وعمال بمراكز النداء التابعة للشركة بفرنسا. وقد كانت هذه العمليات الميؤوسة على خلفية الوضع المتردي الذي يشهده العمال داخل هذه الشركة من ضغط المردودية والإنتاجية وتشديد وتائر الاستغلال التي تشهدها الشركة في ظل التحوّل الذي بدأ تظهر معالمه بعد الدخول في تجربة خوصصة الشركة من جهة والعلاقات المتردية بين الإطارات وأرباب العمل والعمال (تنكيل ببعض النقابيين، نقل تعسفيّة، قرارات مسقطة) من جهة ثانية.

وبخصوص هذه الظاهرة استدعى كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير الداخلية الرئيس المدير العام للشركة باتريس لمبارد، لاستيضاح الأمر والعمل على وضع حد لهذا النوع من لاحتجاجات الأليمة داخل عملاق الاتصالات الفرنسية. وفي نفس السياق التأمت بباريس هيئة تتألف من ممثلي النقابات العامة في الاتصالات الفرنسية من جهة وممثلي إدارة الشركة للتباحث حول مخطط عملي لوضع حد لهذه الظاهرة. وقد تم الاتفاق مبدئيا على تعيين 900 مدير موارد بشرية و30 طبيب شغل نفسي موزعين على كافة فروع الشركة بالتراب الفرنسي في انتظار مباحثات أخرى.

ولكن وفي الوقت نفسه يوجد ما يوازي عدد عمال الشركة الفرنسية أو أكثر يعملون في مراكز نداء في تونس والمغرب أساسا. يعملون لصالح حرفاء الشركة الفرنسية ويرزحون تحت ضـِعْفِ الضغط الذي يعيشه نظراؤهم الفرنسيون. بالإضافة إلى خطر الطرد والتسريح الجماعي والأجور المتدنية. مثال: أجرة تقني بمصلحة حرفاء في فرنسا هي 10 أورو/ساعة، في حين يتقاضى التونسي في نفس الخطة 1،38 أورو/ساعة. وفي حين يعمل العامل الفرنسي 6 ساعات في اليوم يقضي التونسي أكثر من 8 ساعات. ونظرا إلى تشديد وتائر الاستغلال في تونس بالمقارنة مع فرنسا فإن مردودية مراكز النداء المناولة توازي ضِعفَ ما تنتجه مراكز النداء بالشركة في فرنسا.

في المقابل فإن الاتفاقيات المبرمة أخيرا بين النقابات الفرنسية وأصحاب رأس المال لا تشمل إلا 100 ألف عامل التابعين للشركة دون سواهم.

إن المطروح الآن هو تفعيل دور النقابات التونسية العاملة في هذا المجال والناشطة في إطار الجامعة العامة للبريد لافتكاك حقوق منظوريها وتحقيق المكاسب التي سبق وحققها نظراؤهم الفرنسيون وإن كانت ضئيلة ولا تخدم مصالح الزملاء في مراكز النداء في تونس. فالمطلوب الآن هو الرفع في الأجور وتقنين القطاع بطريقة يصعب على أصحاب المراكز استغلال الشابات والشبان لفترات وجيزة وتحقيق ربح أقصى ومن ثمة تسريحهم سواء بغلق المركز أو الطرد بتعلات واهية مستغلين جهل الشريحة العمرية العاملة بحقوقها أو ما تبقى مما تكفله مجلة الشغل الرديئة المنقحة مؤخرا.

إن هذا القطاع في تنامي مطرد بحيث يوجد حوالي 260 مركز نداء في تراب الوطن ويقدر عدد العاملين فيها حوالي 60 ألف بين قارين وموسميين مما يجعل تحسين تواجد نقابات مراكز النداء (وإن كان من الصعب تشكيلها في الوقت الراهن) مهمة راهنة على كل مقتنع بحقيقة الوضع في شركات استنزاف الشابات والشبان الذي يقدر فيها معدل فترات العمل بين سنتين وأربع سنوات لما فيها من جهد عصبي قد يوازي أحيانا مهنة التعليم وأين تنتفي القيم الإنسانية برقم لكل عامل.

عامل رقم 6930


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني