الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > جنرال على رأس الحكومة وجلاد مدير للحزب الدستوري وبعد!!
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
جنرال على رأس الحكومة وجلاد مدير للحزب الدستوري وبعد!!

إن تعيين الجنرال الفاشي زين العابدين بن علي عميل وكالة المخابرات الأمريكية، وزيرا أوّل والتحويرات الأخرى التي سبقت ذلك بيومين والتي تمّ التراجع فيها وذهبت "ضحيتها" وجوه بيادق طامعة لا وجوه لها، وما سيأتي من تحويرات منتظرة في الجهاز الحكومي، وتعيين قاطع طريق وجلاّد اليوسفيين والخادم الأمين لبورقيبة محجوب بن علي مديرا للحزب الدستوري وما سبق ذلك من تحويرات وما سيتبعه في الجهاز الحزبي لدليل واضح على صحّة تحاليل حزبنا فيما يتعلّق باتجاه الأزمة نحو التعمق والتفاقم، اقتصاديا حيث تدلّ تنحية صفر فيما تدلّ على فشل ما لبرنامجه "الإصلاحي"، مما جعله قبيل تنحيته بأيام يخطب محاولا اقناع الناس بنجاحه، لكنه "من سوء حظّه" لا يتجاوز هذا النجاح المزعوم القطاعات المرتبطة بالظروف المناخية أو السياسية العابرة وبابتزاز مفلت العقال للشعب الكادح (فلاحة، سياحة، إيداعات العمال المهاجرين) وهو فشل جعل وزير التسوّل –خليل- يقيم على رأس وفد هام يرافقه بورقيبة الابن بأمريكا مدّة طويلة على هامش اجتماع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ليقنع مسؤوليهما ويقنع المؤسسات المالية والبنكية الأمريكية بضرورة المزيد من إقراض تونس لأن القروض السابقة –رغم حجمها المهول- ابتلعتها رمال فساد النظام ونزوات عجوز القصر. أما سياسيا فالتناحر –رغم التماسك والوحدة التي ظهر عليها فريق الطوارىء- الذي تحركه خلفية الخلافة، وتساهم في تفجيره وإذكائه الأحداث الجارية مثل الصراع مع "الإخوان" والممارسات البايوية الفردية الفجّة لبورقيبة التي تسببت مباشرة في إزاحة صفر إلى جانب الخلاف حول الأحكام المتعلقة بـ"الإخوان".

إن الارتباك والاضطراب والارتجال يتفاقم باطراد وسط الطغمة الحاكمة وفريق الطوارئ ما انفكّ يتآكل مثلما توقعنا ذلك منذ عام وما زال مرشحا لمزيد التصفيات والتناحر، ناهيك أنّه في 15 شهرا التي عاشها صفر على رأس الحكومة أجري 13 تحويرا في مستوى الوزارات وكتاب الدولة، هذا دون احتساب التحويرات في مستوى الولاة والرؤساء المديرين العامين…إلخ.

إن هذا التآكل سيزداد ويأخذ مقاييس جديدة كلما احتدت الأزمة وتفاقم عجز الطغمة الحاكمة على تخطيها أو تعكرت صحة الباي الجديد. فما بالك لو نهضت الحركة الجماهيرية ودافعت عن حقها في الخبز والحرية. لكن إلى حدّ الآن ما زالت الصراعات فوقية وصلة الجماهير بها غير مباشرة، فهي تجري وتحسم دون أن يستفيد منها الشعب، بل ما انفكت تفضي إلى مزيد التعفن.

لقد كنّا وضحنا منذ مجيء فريق الطوارىء وعلى رأسه صفر أنّه رغم النزاعات التي تهزّ هذا الفريق فليس بإمكانه أن يقدم للشعب والوطن غير الإمعان في التصعيد الفاشي وفي مزيد التبعية للخارج. وها أن الأحداث تؤكّد من جديد أن بورقيبة –أمام تفاقم الأزمة- لم يعد يهمه السياسة أو الاقتصاد بقدر ما هو حريص على حماية نظامه من "الانهيار" وشدّه باتمام عملية الدسترة الاجبارية وتوفير الطمأنينة والأمن لنفسه وللرأسماليين الأجانب والمحليين. وهو ما يفسّر الخطوة الجديدة التي أقدم عليها والتي تعتبر فاتحة لمرحلة جديدة هو بصدد ترويض الشعب عليها، أي أن يكون محكوما لا عن طريق الساسة البرجوازيين وإنما عن طريق العسكر والبوليس والميليشيا.

ولا يغرّنّ أحدا حديث الصحافة البرجوازية العالمية أو أجهزة إعلامها عن حرص الجنرال "الليبرالي" على دولة القانون وميوله "العقلانية" وارتباطه برابطة حقوق الإنسان، وحتى بـ"اليسار" المعترف به وغير المعترف به (هذا ما تدعيه لوموند الصادرة غداة تنصيبه وزيرا أوّلا) وعن "اعتداله" فهي تريد تبييض وجهه وإظهاره "كبطل منقذ". ومع ذلك فإنها لم تقدر إخفاء أهداف مجيئه "كرجل المرحلة" و"رجل المهمات الصعبة" وأن "تنشيط الاقتصاد" و"الحفز على مزيد العمل والبذل" هو برنامجه. بينما الصحافة وأجهزة الإعلام المحلية المأجورة تجترّ ما تنشره الصحافة العالمية وما تبثّه إذاعة "صوت أمريكا" وتردّد على مسامعنا رسائل التهنئة الواردة على "البطل المغوار من الشرق والغرب" وتزيد عليها ما احترفته من "تبندير" و"تهليل وتكبير" "للقرار الحكيم التي اتخذه المجاهد الكبر" –فكلّ قرارات التنصيب والعزل كانت حكيمة (كذا!!)- بالأمس القريب كان قرار تعيين صفر "النظيف" حكيما، وقرار عزله اليوم حكيم أيضا.

وكان لأمريكا يد طويلة على ما يبدو في تعيين الجنرال وهي الرابحة على حساب فرنسا، إذ شهد منزله قبيل تعيينه وزيرا أولا دخولا وخروجا للسفير الأمريكي ونائبه يكاد يكون يوميا، ومشروعها هو النافذ حاليا وهي تسير بالبلاد –عن طريق عملائها وعملاء وكالة استعلاماتها –إلى وضع يشبه النمط الأمريكي اللاتيني (الدكتاتوريات العسكرية).

لقد بات واضحا اليوم أن البرجوازية الكبيرة العميلة مستعدّة للحكم بأكثر الأشكال قسرية، وهي لم تعد تبحث عن غطاء سياسي "حضاري" لضمان مصالحها، بل أصبحت تبحث عن "النجاعة" التي تجدها عند الجيش والبوليس والميليشيا. مما دعاها إلى التخلّي حتى عن الرموز السياسية في جهاز حزبها ووضعت على رأسها رجلا لا يفهم "كوعه من بوعه" ولا يعرف سوى استعمال الهراوة. ومن دون أدنى شكّ فإنه سيجري التحويرات اللازمة هو أيضا ويحيط نفسه بقطاع الطرق والصعاليك و"الماكروات"...إلخ.

وكلّ هذه التغييرات في جهاز الحكومة والحزب الدستوري لها هدف واحد، حكم البلاد بالحديد والنار. إن مواجهة هذا الكابوس الهمجي يقتضي من كلّ حرّ في هذه البلاد أن يبذل ما في وسعه من أجل مساعدة الشعب على النهوض في وجه حكم الجنرال والميليشيا بهدف الإطاحة بالفاشية على درب التحرر الوطني والاجتماعي ولا بدّ لحزبنا حتى يقوم بالدور الذي يعود له أن يبذل مناضلوه في أي موقع كانوا كلّ الجهد في سبيل تكتيل الطبقة العاملة والشعب الكادح وقواهما الديمقراطية والثورية حول البرنامج المرحلي، برنامج الحرية السياسية. وبدون هذا المجهود فإن أهداف الفاشية تتحقق الواحد تلو الآخر، بدون أن تلاقي مقاومة تذكر أو حتى وإن لاقت مقاومة عفوية، تعرف جيدا أن الأحزاب الإصلاحية بإمكانها تزعمها بسهولة، وهكذا تضمن الحماية والاستمرار لنظامها.

إن الشعب بإمكانه أن يهزم أعتى الدكتاتوريات إذا وجد من يقوده ويتزعم نضاله بتماسك والأمثلة عديدة في التاريخ القريب والبعيد. وعلى الرفاق أن يعوا أن دورنا في العملية الثورية مهما كانت درجة نضجها يبقى محددا في المآل الذي ستسير نحوه الأوضاع فيما بعد، لذلك ندعو كافة الحزب أن يتجند أكثر من ذي قبل ويمضي بكلّ جرأة في تنظيم عملية النهوض بالحركة الشعبية على جميع الواجهات وأن لا يبخل أيّ مناضل بجهد من أجل ذلك. إن النصر لا محالة حليفنا.

افتتاحية العدد 40 من "صوت الشعب"، 15 أكتوبر 1987


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني