الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "حرب كرويّة" أخرى بسبب البثّ التلفزي
"حرب كرويّة" أخرى بسبب البثّ التلفزي
23 كانون الثاني (يناير) 2010

شنت الصحف التونسية الموالية للسلطة حملة على قناة الجزيرة محورها هذه المرة حقوق بثّ مباريات كأس إفريقيا للأمم التي تدور حاليا بأنغولا. فقد فشلت المفاوضات بين التلفزة التونسية وبين قناة الجزيرة الرياضية المالكة الوحيدة لحقوق بث كل مباريات هذه الدورة. وحسب ما ورد في الصحف التونسية فإن قناة الجزيرة قدّمت عرضا تعجيزيا وبيعا مشروطا. فقد طلبت مبلغ 13 مليون دينار تونسي لبث 9 مقابلات واشترطت، حسب المصدر التونسي دائما، القيام بالدعاية لجلب مزيد من المنخرطين التونسيين في قناة الجزيرة الرياضية. وقال نفس المصدر أن تونس رأت في هذا العرض تعجيزا وعدم رغبة في البيع، ورغم ذلك اقترحت على الجزيرة بث 9 مقابلات مقابل 9 ملايين و400 ألف دينار مع تمكين القناة المذكورة من بث بعض مقابلات البطولة التونسية، لكن الجزيرة رفضت وتمسكت بعرضها الأول.

وانطلقت الصحف التونسية المعروفة بعدائها للجزيرة في كيل الشتائم والتشويه لهذه القناة، ووصل بها الأمر إلى حدّ القول بأن الجزيرة مستعدة لتمكين إسرائيل من بث ما تشاء من مقابلات وحرمان الشعب التونسي من ذلك لأنها قناة صهيونية وعدوة لتونس. وقالت نفس الصحف بأن الغاية من حرمان التلفزة التونسية من نقل مباريات كأس إفريقيا ليست تجارية بل هي سياسية وتهدف إلى إحراج النظام التونسي وتقديمه في صورة العاجز عن تمكين شعبه من متابعة مقابلات فريق بلاده، لكن الجزيرة نسيت، والقول دائما لهذه الصحف، "بأن تونس لها مشاكل أخرى أهم من الكرة وهي مشاكل التنمية ومقاومة الفقر وإنجاح البرنامج المستقبلي لرئيس الدولة...".

وقد عرفت مصر نفس المشكل وفشلت مفاوضاتها مع "الجزيرة" في الحصول على حق بث مباريات منتخب مصر. وقام النظام المصري باتهام الجزيرة بنفس الاتهامات التي اتهمها بها النظام التونسي.

وفي خطوة مفاجأة قرّرت الجزيرة الرياضية بث مباريات تونس ومصر والجزائر على قناتها الجزيرة الرياضية 2 المفتوحة، أي مجانا وبدون مقابل. لتترك النظامين المصري والتونسي في التسلل!

خلاصة القول أن هناك حربا أخرى اندلعت بسبب الكرة، لكن هذه المرة ليس حول نتيجة مباراة مثلما حصل بين مصر والجزائر بل بسبب حق البث. وبما أن البيع والشراء لا يمكن أن يحصل بين طرفين لهما مشاكل وضغائن مثلما هو الحال بين تونس وقطر أو بين مصر وقطر فإن عملية البيع عرفت تعثرا ومزايدات لفظية اتخذت أبعادا سياسية وقد تعرف تداعيات أخرى في قادم الأيام.

والغريب في الأمر أن كل هذه الضّوضاء حول حقوق البث تحصل في الوقت الذي يُمْكن للمشاهد العربي متابعة مباريات كأس أمم إفريقيا مباشرة ومجانا عبر الأقمار الصناعية (Eutel w3 و Astra) وبدون الحاجة لشراء بطاقات الجزيرة الرياضية التي تباع بسعر يتراوح بين 150 دينار و180 دينار (وصل سعرها إلى 250 دينار في السوق السوداء). لكن يبدو أن النظام التونسي يريد بث مباريات المنتخب التونسي على قناة تونس 7 أولا لتشجيع الإشهار في هذه القناة وجني بعض الأرباح، وثانيا لإطلاق العنان للدعاية لبن علي وتحويل انتصارات المنتخب التونسي إلى انتصارات لـ"سيادته" ودليلا على "مدى عنايته بالرياضة وبالشباب" وإثباتا لا يقبل الدحض على أن "تونس بخير وشعبها بخير ما دامت كرتها بخير"! أما الجزيرة الرياضية فإنها تسعى إلى توسيع دائرة مشاهديها في الوطن العربي، وحتى إذا ما بثت مباريات المنتخبات العربية مجانا فإنها ستجني الكثير من الأموال من عائدات الإشهار.

ومرة أخرى نتساءل: ما مصلحة الشعوب العربية من هذه المعارك والمشاحنات بين أنظمة مفلسة لم يبق لها سوى لوك الحديث واختلاق الخلافات الوهمية حول مسائل لا صلة لها بمصالح شعوبها؟ وهل أن المنطقة العربية لم يعد لها من مشاكل سوى التلاسن حول الكرة ومشاكلها؟ لماذا لا نرى مثل هذه الخلافات حول ما يعانيه الشعب الفلسطيني من حصار وتجويع وتقتيل يومي، وانخراط النظام المصري بصفة مباشرة في مزيد تضييق الخناق على هذا الشعب من خلال منع قوافل الإغاثة من الوصول إليه وبناء جدار فولاذي تحت الأرض تلبية لمطالب صهيونية وأمريكية؟ وهل أن المواطن العربي الذي يعاني من غلاء المعيشة وقمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان ودوس كرامته الوطنية لم يعد له من همّ سوى متابعة مباريات الكرة والتصفيق والهتاف لهذا الفريق أو ذاك؟ وهل أن الوطنية انحصرت في تشجيع المنتخبات الكروية والسكوت عن جرائم الأنظمة في حق شعوبها وفي حق الشعب الفلسطيني المحاصر؟

إن ما حصل بين مصر والجزائر، وما يحصل حاليا بين تونس ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى بسبب الكرة يؤكد مرة أخرى أن النظام الرسمي العربي يمر بأزمة لم يعرف لها مثيلا في السابق. فقد أصبح الحكام العرب أضحوكة في العالم بسبب التفاهات والمستويات المتدنية التي أضحوا عليها. لقد باتوا يتسابقون نحو كل ما هو هابط ومبتذل ومخدّر لشعوبهم. وكل هذا من أجل الحفاظ على كراسيهم وتوريثها إلى المقربين.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني