الصفحة الأساسية > بديل الشباب > التلاميذ يصنعون الملاحم
جبنيانة:
التلاميذ يصنعون الملاحم
23 كانون الثاني (يناير) 2010

مثلت مدينة جبنيانة في المدة الأخيرة مسرحا لمواجهات عنيفة مع البوليس، حيث كانت الحركة التلمذية في الصفوف الأمامية لمقاومة الحملة الأمنية التي أرادت وأد حركة نضالية سلمية ومنعها من الانتشار خارج المعاهد، لذلك قام البوليس منذ البداية بضرب الحركة بقوة شديدة، فلم يتوان عن انتهاك حرمة المعهد الثانوي بجبنيانة والاعتداء بالعنف ضد كل من يعترضه: أساتذة، قيمون، تلاميذ، عملة... حتى تجهيزات المعهد لم تسلم من بطشه وجبروته، فتم تهشيم القاعات وتكسير معداتها مستعملا القنابل المسيلة للدموع والهراوات والحجارة الأمر الذي أدى إلى خسائر مادية كبيرة وتسجيل إصابات وجروح في صفوف الأسرة التربوية والتلاميذ استوجبت نقلهم إلى مستشفى الجهة والذي رفضت إدارته مدّ المصابين بشهادات طبية من أجل رفع قضايا عدلية ضد الجناة...

كل هذه الأحداث كانت نتيجة عدم تقبّل الجهاز الأمني والحزب الحاكم في الجهة حركة تضامنية قام بها التلاميذ من أجل التعبير عن مساندتهم المبدئية واللامشروطة مع مساجين الحركة الطلابية الذين يقبعون إلى حدود اللحظة في سجن المرناقية بتونس العاصمة. هذا الرفض وهذا التعامل الأمني مع حركة سلمية كانت أسبابه واضحة وهي رعب الجهاز الأمني لبن علي من تطور هذه الحركة واتخاذها أشكالا تصعيدية وانتشارها خارج معاهد الجهة لتمس أكثر المتساكنين تضررا من الفقر والتهميش والبطالة والفساد الذي يعانونه مثلهم مثل كل التونسيات والتونسيين.

وجدير بالذكر أن الأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة لقيت تضامنا منقطع النظير لدى الأحزاب والمنظمات والنقابات المهنية وصحافة المعارضة نظرا للطابع السلمي للحركة الاحتجاجية ولوضوح أهدافها. فقد أبدع تلاميذ جبنيانة في التعبير عن آرائهم ومواقفهم المتضامنة مع الحركة الطلابية التونسية ونقابتها الاتحاد العام لطلبة تونس وما يعانيه المناضلات والمناضلين من سجن وملاحقات وطرد من الدراسة ومنع المنظمة الطلابية من عقد مؤتمرها في ظروف طبيعية، فرفعوا اللافتات وأنشدوا الأغاني الملتزمة ونفذوا الاعتصامات وأبدعوا شعارات عادت بنا إلى زمن كانت فيه الحركة التلمذية مرتبطة عضويا بالحركة الطلابية وساهمت في منظمتها الاتحاد العام لطلبة وتلامذة تونس في النضال ضد الدكتاتورية ومن أجل المساواة ونصرة حركات التحرر في العالم.

نضالات تلاميذ جبنيانة، أرعبت الحزب الحاكم والبوليس اللذين تأكدا من جدية هذه الحركة وإمكاناتها الكبيرة والتي كسبت تعاطف الأساتذة والعملة والقيمين وهو ما جعل النظام يستدعي ما تيسّر من قوات حفظ الأمن والبوليس السياسي المدججين بكل أنواع أدوات القمع لضربها والتخلص منها.

ورغم الضربات المتكررة التي تلقاها التلاميذ وأساتذتهم إلا أن الحركة تواصلت، فقد نظم الأساتذة ونقاباتهم إضرابا جهويا في كافة المعاهد (104 معهد) ثم سرعان ما التحقت بها نقابات قطاعية أخرى لتساهم بدورها في صدّ بطش الحملة الأمنية وتدافع عن حرمة أماكن الدراسة وقدسيتها، لتدخل بذلك كل الجهة في حالة من الاحتقان والغضب بسبب التعامل الأمني للسلطة واعتمادها على جهاز البوليس في فض مشاكلها المتراكمة، حتى عادت بنا الذاكرة إلى الوراء قليلا نحو انتفاضة الحوض المنجمي (التي احتفلنا في الأيام الفارطة بذكرى اندلاعها) وكيف واجهت السلطة مطالب الآلاف في حياة كريمة وظروف ملائمة للعيش، بالحديد والنار والاغتيال...

ومن البديهي أن مدينة جبنيانة تعيش بدورها التهميش الذي ضرب الآلاف من شبابها والخصاصة والفقر الذي تعيشه مئات العائلات في خضم انعدام تنمية عادلة وفساد يمارسه أشخاص متنفذون سواء في الحزب الحاكم أو في الإدارات ومراكز الأمن وتصحر ثقافي أضحى محل تندّر، وما زاد الطين بلّة تفاقم الكحولية وتجارة المخدرات والآثار المسروقة، والتي تورط فيها في أحيان كثيرة أناس مرتبطون بالأجهزة الأمنية... صحيح أن الحركة التلمذية في احتجاجها الأخير، نادت برفع اليد عن الحركة الطلابية والاتحاد العام لطلبة تونس، لكن القمع الذي لقيته أظهر هو الآخر ما تعيشه المدينة من انغلاق وضرب للحريات وفساد، وهو كذلك أمر لا تغفل عنه الحركة التلمذية عندما ردّدت شعار "يا بوليس يا حقير يا عدو الجماهير"، بما أنه منعهم من التعبير عن آرائهم وانتهك حرمة الدرس والعلم وحاصر المدينة وأرعب أهاليها، لذلك فإن الحركة واعية تمام الوعي بشعاراتها وبقدرتها على تنظيم صفوفها ومواصلة طرح مطالبها سواء إطلاق سراح الطلبة المساجين أو البطالة والتهميش التي تعانيه المدينة أو كذلك المشاكل المباشرة التي يتخبط فيها التلاميذ مثل الاكتظاظ في القاعات وقلة التجهيزات ونقص الإطار التربوي ومشاكل المبيت والنقل والعنف وندرة النشاط الثقافي الهادف، وهي مشاكل تعاني منها الأغلبية الساحقة للتلاميذ في كل معاهد المنطقة، الشيء الذي يبرز أن عملا جبارا ينتظر التلاميذ في نضالهم من أجل حقوقهم المشروعة ونضالهم ضد الدكتاتورية لذلك فإن مطلبا مركزيا مثل عودة اللجان التلمذية للعمل والتأطير والتوجيه والتفاوض مع الإدارات يُعدّ مطلبا ملحا في هذه المرحلة.

من جهة أخرى، وحتى لا يتم الاستفراد بهذه الحركة وعزلها والقضاء عليها من قبل الدكتاتورية، يتوجب على مكونات الإطار التربوي من أساتذة وقيمين أن يساعدوا التلاميذ لتدعيم تلك العلاقة الراقية والقائمة بينهم. فالأستاذ يجب أن يصغي إلى مشاكل تلاميذه وأن يخلق ثقة معهم، فذلك من أهم الدعائم التي بإمكانها أن تقضي على ظاهرة العنف المسلط ضد الإطار التربوي، هذه الظاهرة تستفيد منها السلطة كثيرا إن لم نقل أنها تغذيها حتى توجد علاقة مشوشة بين التلاميذ والإطار التربوي وحتى تمنع أيّ إمكانية لظهور حركات احتجاج تلمذية بل تسعى إلى ظهور جيل تلمذي سطحي ومهمّش وهو ما على الجميع الوعي به ومقاومته.

لقد أقامت الأحداث الأخيرة في جبنيانة الدليل على إمكانية بروز احتجاج تلمذي واع ومنظم يرسم أهدافه بكل وضوح، كما أقامت الدليل على إمكانية عودة العلاقة المتينة بين الحركة التلمذية والحركة الطلابية وأيضا العلاقة الراقية بين التلاميذ وأساتذتهم والمرشدين التربويين والقيمين والذين خاضوا نضالا مشتركا ضد الدكتاتورية وجهازها البوليسي.

إن دروسا جوهرية من تجربة تلاميذ جبنيانة وإطارهم التربوي وجب أخذها في بقية المعاهد الأخرى التي تئن وطأة المشاكل والحصار البوليسي والانحراف وعديد الأمراض، وإمكانية عودة ظهور حركة تلمذية وطنية، بنفس عنفوان انجازات انتفاضة الخبز وحرب الخليج الأولى والثانية وانتفاضة الحوض المنجمي، واردة جدا.

فألف قبلة لتلاميذ جبنيانة وإلى الأمام.

- صف واحد في النضال تلامذة وطلبة وعمال
- شادين شادين في سراح المعتقلين



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني