الصفحة الأساسية > البديل العالمي > حول استئناف الحرب الأهلية في الكوت ديفوار والمجازر المرتكبة من قبل القوات (...)
حول استئناف الحرب الأهلية في الكوت ديفوار والمجازر المرتكبة من قبل القوات الفرنسية
كانون الأول (ديسمبر) 2004

تشهد الكوت ديفوار منذ مدة استئناف المواجهات المسلحة. وقد تساءل العديد من قراء الجريدة عن أسباب ذلك وعن حقيقة الصراع في هذا البلد الإفريقي والدور الفرنسي فيه. وسعيا منا على مساعدة القراء على فهم ذلك ننشر في هذا العدد رسالة وجهها الرفيق أ. أكيسي الأمين العام للحزب الشيوعي الثوري بالكوت ديفوار إلى حزب العمال الشيوعي التونسي يشرح فيها الوضع ببلاده.

تعرف الأزمة التي تعيشها بلادنا منذ ما يزيد عن العامين مرحلة خاصة خلال الشهرين الأخيرين تتميز باستئناف نظام باغبو الحرب الأهلية بقصف السكان المدنيين بالقنابل. كما تتميز بالمجازر التي ترتكبها الامبريالية الفرنسية على حساب أهالي البلد. (…) فمباشرة بعد اتفاقات أكرا III المبرمة خلال هذه الصائفة، بدأ نظام "الجبهة الشعبية الإيفوارية" (حزب باغبو: FPI) الإعداد لعرقلة مسار المصالحة الوطنية. فقد رفض نواب هذا الحزب في البرلمان المصادقة على الإصلاحات التشريعية التي تضمنتها اتفاقات أكرا III وحددت موفى شهر سبتمبر 2004 آخر أجل لتحقيقها. وفي يوم 15 أكتوبر 2004 رفض المتمردون بدورهم تسليم أسلحتهم مبررين موقفهم هذا بعدم احترام الجبهة الشعبية الإيفوارية للأجل المذكور. ومرة أخرى اكتفت المجموعة الدولية والقوى الامبريالية بالتعبير عن الاستنكار ودعوة الأطراف الإيفوارية إلى التعقل.

وفي تاريخ 30 أكتوبر أعلن رئيس الجبهة الشعبية الإيفوارية، باسكال آفي نغيسان، أن حزبه قرر نزع أسلحة المتمردين بالقوة أي عن طريق الحرب ما داموا لم يفعلوا ذلك بمحض إرادتهم. وقد اعتبر أن اتفاقات ماركوسي المبرمة سنة 2003 تجاوزها الزمن. كما طالب حكومة سايدو ديارا بالاستقالة ودعا الجيش إلى تحمل مسؤوليته لنزع أسلحة المتمردين. فرد عليه هؤلاء بأن سحبوا وزراءهم من الحكومة الوطنية وأكدوا أنهم لن يلقوا سلاحهم طالما أن الإصلاحات التشريعية لم تنجز وفقا للرزنامة المحددة في اتفاقيات أكرا III وحسب لفظها وروحها. وأضافوا أنه إذا كانت الجبهة الشعبية الإيفوارية تريد الحرب وإذا ما عنّ لهم أن يهاجموهم فإنهم على استعداد لرفع هذا التحدي. وقد كانت الجبهة الشعبية الإيفوارية دعت مناضليها إلى الذهاب يوم 12 نوفمبر 2004 إلى بواكيي التي يسيطر عليها المتمردون للاحتفال بـ"التحرير" وهكذا توفرت كافة العناصر لاستئناف وشيك للحرب.

وبالفعل فقد استؤنفت هذه الحرب يوم 4 نوفمبر 2004 عن طريق عمليات قصف جوي قامت بها القوات الموالية للحكومة مستهدفة المناطق الواقعة تحت نفوذ المتمردين. وقد نتج عن ذلك حسب ما أعلنه هؤلاء سقوط 85 قتيلا وتدمير مساكن وجسور وبنى تحتية اقتصادية واجتماعية وقطع التزويد بالماء والكهرباء والهاتف على سكان المدن وإجبارهم على الهجرة القسرية. وفي كلمة فقد اشتدت عذابات الجماهير الشعبية التي تعاني من وطأة هذه الحرب الرجعية المستمرة منذ ما يزيد عن العامين. وفي محاولة من القوات الأممية والقوات الامبريالية الفرنسية التي تضم حوالي 11 ألف جنديا، للتهرب من مسؤوليتها في حماية السكان المدنيين حسب القرار الأممي رقم 1528، أعلنت أن ما حصل من عمليات قصف يمثل عمليات عسكرية "محدودة".

وتجدر الملاحظة أنه قبل استئناف المعارك كانت ميليشيات الجبهة الشعبية الإيفوارية قد ارتكبت أعمالا بربرية في المناطق الواقعة تحت نفوذ الحكومة: تخريب المحطات الإذاعية الأجنبية (بي بي سي، آر آف إي، أفريكا رقم 1) وتدمير وحرق صحف قريبة من أحزاب المعارضة (24 ساعة، لو ليبيرال الجديد، لو لوفو ريفاي، الباتريوت…) وتخريب صحف المعارضة لتعطيل صدورها وتدمير مقرات حزبي "تجمع الجمهوريين" RDR والحزب الديمقراطي للكوت ديفوار PDCI، الاعتداء على ممتلكات مسؤوليين سياسيين اضطروا إلى الدخول في السرية وسرقتها إلخ… وفي يوم 6 نوفمبر 2004 وحوالي الساعة الثالثة بعد الزوال علمنا عن طريق الإذاعات الأجنبية أن عمليات القصف التي قامت بها القوات الموالية للحكومة طالت تجمعا للقوات الفرنسية رابضا بـ"بواكيي" مما أدى إلى مقتل 9 جنود وجرح 20 آخرين. وقد ردت القوات الفرنسية الفعل على هذا الهجوم بأن حطمت 5 طائرات حربية ومعدات عسكرية أخرى ومحطة العمليات العسكرية بـ"ياموسوكرو".

وما أن تم الإعلان عن تحطيم الطائرات الخمس سارعت المنظمات "الوطنية" (ميليشيات الجبهة الشعبية الإيفوارية) بدعوة السكان إلى "المقاومة" وقد أقام أتباع هذه المنظمات حواجز في الشوارع الرئيسية لـ"أبيدجان" وحاصروا القاعدة العسكرية الفرنسية بالكوت ديفوار 43 BIMA وحاولوا محاصرة مطار أبيدجان لتعطيل حركة الطيران ذهابا وإيابا وعمدوا إلى تفتيش السيارات بحثا عن "البيض" وأحرقوا مدرستين فرنسيتين: معهد مرموز ومعهد بلاز باسكال. كما نكلوا بشخصين أوروبيين ونهبوا ممتلكاتهما. فما كان من القوات الفرنسية إلا أن مرت إلى الهجوم فاحتلت مطار أبيدجان لتأمين حركة الطيران ودمرت ما تبقى من طائرات القوات الإيفوارية الموالية للحكومة.

وفي النشرة التلفزية للثامنة ليلا يوم السبت 6 نوفمبر 2004 أخبر الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية السكان بما جرى من أحداث منذ ظهر هذا اليوم وذكر أن الرئاسة تنتظر نتائج التحقيق في الهجوم المفترض على تجمع القوات الفرنسية بـ"بواكيي" وأدان موقف فرنسا التي استغلت حسب رأيه هذه الحادثة لمهاجمة الكوت ديفوار. كما دعا المواطنين إلى ملازمة الهدوء مضيفا أن المسألة ستحل بالطرق الديبلوماسية. إلا أنه بعد هذا الإعلان الرسمي بحوالي 30 دقيقة حصلت مفاجأة إذ ظهر على شاشة التلفزة زعيم حركة "الشباب الوطني" (Les Jeunes Patriotes) وإلى جانبه هيئة أركـان هذه الحركة ليرفع شعار "المقاومة الشعبية" ضد القوات الفرنسية إلى ساعة رحيلها نهائيا عن الكوت ديفوار ويدعو الإيفواريين إلى التوجه نحو القاعدة الفرنسية بمطار أبيدجان وإلى مقر إقامة الرئيس "لوران باغبو" ليقوموا بدور الدروع البشرية لحمايته متهما فرنسا بأنها تريد استغلال حادثة بواكيي لتدبير انقلاب ضده. وأوضح أن 100 دبابة فرنسية تربض الآن بنزل إيفوار القريب من إقامة الرئيس لوران باغبو وأن جسري أبيدجان ومطارها تم احتلالهما من قبل القوات الفرنسية. كما قام قادة آخرون لميليشيات "الشباب الوطني" بتصريحات مماثلة مطالبين المواطنين بتعطيل كل تحرك تقوم به القوات الفرنسية في التراب الإيفواري. وعلى إثر هذه التصريحات تدفق الشبان من كافة أحياء أبيدجان في اتجاه الأماكن المحددة لهم فحاصروا المطار ونزل إيفوار وإقامة رئيس الدولة ومقر الإذاعة والتلفزة ومركز البث أبوبو. وقد استعملت قوات الاحتلال الفرنسي الذخيرة الحية انطلاقا من طائرات الهيليكبتر والدبابات لمواجهة هذه المظاهرات فنتج عن ذلك أموات ومفقودون وجرحى في حالة خطيرة واحتلال لمطار أبيدجان ومطارها. وحسب أخبار صادرة عن هيئة أركان القوات المسلحة الإيفوارية فإن أشخاصا عديدين قتلوا أو جرحوا في داخل الكوت ديفوار أثناء مرور الدبابات الفرنسية بالمناطق الغربية للبلاد وخصوصا بـ"دييكواي".

وأخيرا وفي يوم الأحد 7 نوفمبر 2004 وحوالي الساعة العاشرة ليلا وجّه رئيس الجمهورية "لوران باغبو" خطابا إلى الأمة أكد فيه مجددا عزمه على نزع سلاح المتمردين ووصف الهجوم على تجمع القوات الفرنسية بـ"بواكيي" بـ"الحادثة البسيطة" وحث المتظاهرين على العودة إلى ديارهم، غير أن المظاهرات استمرت بتعليمات من "الوطنيين" ومعها استمرت عمليات القتل إلى حدود يوم الثلاثاء 9 نوفمبر على الساعة الخامسة مساء وهي الساعة التي عادت فيها الدبابات الفرنسية إلى قاعدتها. وقد بلغ عدد القتلى 150 قتيلا كما تجاوز عدد الجرحى الألف حسب الدكتور كاديو ريشار المسؤول بالجبهة الشعبية الإيفوارية.

إن الحزب الشيوعي الثوري بالكوت ديفـوار يدين استئناف الجبهة الشعبية الإيفوارية للحرب التي أدت إلى نتائج قاسية على شعب الكوت ديفوار (85 قتيلا مدنيا على الأقل) كما أنه يستنكر الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقمع المسلط على الصحف وأحزاب المعارضة من قبل ميليشيات هذا الحزب الماسك بالسلطة. ومن جهة أخرى فهو يدين هجمات القوات الامبريالية الفرنسية والمجازر التي ارتكبتها في حق أشخاص عزل من السلاح. إنه لمن غير المقبول إطلاقا أن تهاجم قوات مسلحة مدنيين عزل. إن مسؤولية ذلك تتحملها الحكومة الفرنسية. كما يتحملها نظام الجبهة الشعبية الإيفوارية على حد السواء باعتباره حافظ على اتفاقية الدفاع المبرمة مع فرنسا وطالب بدعم قوات الاحتلال الفرنسي بالكوت ديفوار أملا في أن تساعده على نزع سلاح المتمردين. إن الحزب الشيوعي الإيفواري يدين السلوك اللامسؤول لنظام الجبهة الشعبية الإيفوارية الذي دفع بسكان عزل لمواجهة الدبابات الفرنسية بينما هو يملك جيشا.

لقد بينت هذه الحرب الرجعية لشعب الكوت ديفوار الوجه الحقيقي للامبريالية الفرنسية وهو وجه استغلالي وإجرامي. ومن هذا المنطلق يطالب الحزب الشيوعي الثوري الإيفواري برحيل قوات الاحتلال الفرنسي حالا ودون شروط وهو يعتبر أن هذا الرحيل يمثل جزءا لا يتجزأ من أي حل حقيقي للأزمة الحالية التي تقتضي أيضا الوقف المباشر للحرب وضمان الحريات وإقامة ديمقراطية حقيقية والتصدي للإفلات من العقاب عما ارتكب من جرائم سياسية. وإذا كان الحزب الشيوعي الثوري الإيفواري يعتبر النضال ضد الهيمنة الامبريالية والفرنسية منها بالخصوص المسألة الأساسية المطروحة اليوم في جدول الأعمال بالكوت ديفوار فإنه يؤكد في الآن نفسه أن النضال ضد الامبريالية الفرنسية لحساب الامبرياليين الآخرين هو بمثابة الاختيار بين السرطان والسيدا. كما أن الدعوة إلى مقاومة الامبريالية ورفض النضال ضد عملائها المحليين هو ديماغوجيا صرفة. وإلى ذلك فإن النضال ضد الامبريالية دون إدراج الدفاع عن الديمقراطية والحريات والنهوض بها ومقاومة الجرائم السياسية والاقتصادية ضمن هذا النضال هو مجرد خديعة. كما أن الخلط بين النضال ضد الامبريالية وتمجيد الشوفينية (التعصب) هو موقف إجرامي. وعلى هذا الأساس فإن نظام الجبهة الشعبية الإيفوارية الشوفيني لا يناضل في الواقع ضد الامبريالية الفرنسية بل إنه يحاول أن يحصل على مساندة أقوى ضد الفصائل البورجوازية الأخرى بالضغط عليها عن طريق تعبئة الجماهير.

إن الحزب الشيوعي الثوري الإيفواري يعبر عن ابتهاجه بالتعبئة الجماهيرية الكبيرة ضد الهجمات التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي لكنه يرى ضرورة أن تتعمق هذه التعبئة وتتوسع حتى الوصول إلى إلغاء كامل لكافة الاتفاقيات التي تخضع الكوت ديفوار للهيمنة الامبريالية لأن الامبريالية ليست القوات الرابضة بالكوت ديفوار فحسب ولكنها أيضا هيمنة اقتصادية وسياسية وثقافية. إن الحزب الشيوعي الثوري يدعو الطبقة العاملة والفلاحين والشباب وجميع الثوريين والديمقراطيين إلى الانخراط معه بجرأة وشجاعة في النضال ضد الامبريالية العالمية وخصوصا الامبريالية الفرنسية وعملاءها المحليين من أجل الحرية والديمقراطية والسيادة الشعبية والوطنية.

إن الحزب الشيوعي الثوري وأمام الوضع الحالي الناجم عن استئناف الحرب الأهلية من قبل الجبهة الشعبية الإيفوارية يطالب مباشرة بوقف المعارك وتحقيق الإصلاحات التشريعية ونزع سلاح الأطراف المتقاتلة وحل الميليشيات ضمان الحماية الفعلية للسكان المدنيين في كامل أنحاء البلاد وملاحقة المجرمين السياسيين ورحيل القوات الفرنسية وكافة القوات الأجنبية. إن هذه الشروط هي التي تمثل وحدها الضمانات الدنيا للخروج من الأزمة بما فيه مصلحة لجماهير الشعب.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني