الصفحة الأساسية > البديل الوطني > رمضان الثورة
رمضان الثورة
18 آب (أغسطس) 2011
صوت الشعب - العدد 12 الخميس 18 أوت 2011

رغم الصعوبات المادية التي يواجهها التونسيون في شهر رمضان فإنهم يبتهجون بحلوله ليس فقط لأنه طقس من طقوس الدين بل لأنه ظاهرة اجتماعية وثقافية واحتفالية. كما أنه يساهم في تكوين الذاكرة والشخصية لكل تونسي وأنه - وإلى الآن على الأقلّ- عامل توحد في غياب نزاع الطوائف والمذاهب.

في هذا السّياق نودّ إبداء بعض الملاحظات الخاصة برمضان هذه السنة، رمضان الثورة.

1 - وصل البؤس الاقتصادي والحيف الاجتماعي لغالبية الشعب التونسي إلى حدود غير مسبوقة وإن كان وضع الثورة وارتفاع معدل البطالة والصعوبات المالية للعديد من المؤسسات والعديد من القطاعات تفسر جزئيا هذه الحالة فإن المضاربات في المواد الغذائية وغيرها من السلع التي يمتهنها سماسرة مستغلين الوضع الأمني ومعمقين حالة الفقر والخصاصة وضيق ذات اليد للطبقات الكادحة في تونس ومستغلين كذلك وبصورة بشعة مآسي وعذابات الشعب الليبي الشقيق.

وإن كان أعوان الداخلية قد استأسدوا على معتصمي القصبة(3) وعلى الإعلاميين فقمعوهم بشدة، فإن شاحنات المضاربين تمر من أمام أعينهم وتحت أنوفهم ولا يحركون ساكنا. وفي نفس الإطار كان حري بالوزير الأول في حكومة تصريف الأعمال أن يدّعم المواد الأساسية ويخفـّض من أسعارها ويوفرها ويقلص الأداءات غير المباشرة المسلطة على الطبقات الشعبية عوض الهرولة لدفع أكثر من ألف مليار من عرق الشعب التونسي لبنوك النهب العالمية كفاتورة ديون اقترضها بن علي وأزلامه وأصهاره.

2 - وقع تمديد حالة الطوارئ مع بداية شهر رمضان وما يعنيه ذلك من إعطاء صلوحيات واسعة لوزير الداخلية ولرئيس الجمهورية للتضييق على الحريات وخرق القانون باسم الطوارئ في إطار تنفيذ مخطط الالتفاف على الثورة وبث التفرقة في صفوف الشعب التونسي وبغاية نشر الفوضى وتبرير القمع ومقايضة المواطنين بأمنهم مقابل الحرية ولأجل الانحراف بجوهر الصراع الحقيقي بين الطبقات الكادحة والشعبية والمهمشة من جهة وبين السماسرة التابعين للامبريالية محترفي النهب والفساد من جهة ثانية عمد أعداء الثورة إلى افتعال صراعات جــهوية وعشائرية أحرزوا في بعضها انتصارات جزئية ( المتلوي، قصر هلال...).

وهُم الآن أمام فرصة سانحة لإشعال نار الفتنة بين أبناء الشعب التونسي مستغلين الشباب المتدين والجماعات السلفية وكل من ينصب نفسه مدافعا عن الإسلام وناطقا باسمه وحاملا مشروع تطبيق «الشريعة الإسلامية» اقتداء ببلدان موغلة في الرجعية ليُكَفّروا غيرهم ويقسموا الشعب التونسي إلى كفار ومؤمنين و يشعلونها نارًا لا تُبقى ولا تذر وتأكل الأخضر واليابس. وكل ذلك باسم الدفاع عن الدين واحترام مشاعر الصائمين و «الأمر بالــمعروف والنهي عن المنكر» .

يجب أن نكون متفطنين ومنتبهين لكل دعاة الفتنة ومن يقف وراءهم فالدين في جوهره يدعو إلى احترام الآخر في كرامته وحريته وحقوقه وليس مصدر انتهاك أو صدام أو عدوان. فالتونسيون صائمين ومفطرين عاشوا بسلام واحترام ولم يثوروا أو ينتفضوا إلا ضد مستغليهم وظُلاّمِهم.

3 - في الحقيقة فإن تسييس المساجد لم يبدأ مع جماعة النهضة أو السلفيين أو حزب التحرير، فالرئيس المخلوع استغل المساجد كأحسن ما يكون للدعاية له ولحكمه كما عمل أصهاره والمقربون منه على استغلال الدين ببعث «إذاعة الزيتونة» و «فردوس حنّبعل» وتأسيس أول «بنك إسلامي» في تونس.

ولكننا وبعد ثورة الشعب التونسي وإسقاط الدكتاتور لن نسمح باستغلال بيوت العبادة لتمرير أفكار سياسية أو للدعاية الانتخابية أو لتكفير أشخاص أو أحزاب. فحين كان تجار الدين في قاعة الانتظار كان الشعب التونسي يخوض معاركه ضدّ بن علي ويقدم الشهيدات والشهداء فداء للوطن، وحين قمعت الفنانات والفنانين أمام المسرح البلدي، وحين تظاهر المحامون والمعطلون عن العمل لم تخرج مظاهرة من جامع أو مسيرة من مسجد.

فلا تبتزوا عواطف الشعب ولا تتاجروا بمعتقداته ولا تستغلوا المساجد والجوامع لتمرير أفكاركم فقد أهداكم الشهداء فضاءات حرة للعمل السياسي.

خلاصة القول فليكن رمضان الثورة شهر الذود عن عيش الكادحين والدفاع عن حرية الجماهير وشهر التآزر والتوافق واحترام الآخر والتعايش السلمي ولنقف صفا واحدا ضد دعاة الفرقة والفتنة... وكل عام وأنتم بخير.

مـاهـر الزعـق



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني