الصفحة الأساسية > البديل الوطني > عدم ثقة في السياسي أو في القائم على الشأن الانتخابي؟
ضعف الإقبال على التسجيل في القائمات الانتخابية:
عدم ثقة في السياسي أو في القائم على الشأن الانتخابي؟
18 آب (أغسطس) 2011

لِمَاذا يثور شعب ما؟ سؤال يترك حيرة فعلية لما أتاه الشعب التونسي! فبعد أن ضحى بالغالي والنفيس ـ وكان مستعدا لتقديم المزيد ـ من أجل القطع مع الماضي بسياسته ورموز فساده ونبذ كل ما كان له علاقة بنظام الديكتاتور الفار، نجده اليوم غير حريص على متابعة ذلك.

فقد شهد الإقبال على التسجيل في القائمات الانتخابية شحا ملحوظا في عدد الوافدين الراغبين في المشاركة في العملية الانتخابية رغم كل الحملات التحسيسية التي أنفقت عليها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أموالا طائلة علاوة على بعض المبادرات الإعلامية والوطنية وغيرها.. ورغم التمديد في الآجال لتمكين أكبر عدد ممكن من المواطنين من التسجيل.

ولمعرفة أسباب هذا العزوف الشعبي ورصد تصور لإمكانية تجاوزه وتفاديه من وجهة نظر سياسية واجتماعية، اتصلت «صوت الشعب» ببعض الأطراف فكان معها اللقاء التالي.

السلطــــة تتحمــل المسؤولية

أكدت ريم الصغروني عضو الهيئة السياسية لحزب العمال الشيوعي التونسي أن غياب التغيير في الإدارات (محسوبية، سيطرة بقايا التجمع على الإدارة، عدم استقلالية القضاء، تبعية الإعلام..) عمّق غياب ثقة التونسي في الانتخابات. إذ أن عدم وضوح الرؤية وتخلف الوعي السياسي بصفة عامة اللذين عرفتهما تونس في عهد الديكتاتور الفار إضافة إلى المهازل الانتخابية التي جرت على مدى أكثر من نصف قرن، خلقت لدى المواطن انطباعا بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات.

وتضيف: «عملت القوى المضادة للثورة منذ هروب بن علي على إبعاد الناس عن الاهتمام بالشأن العام وشن حملة ضد الأحزاب بصفة عامة والمناضلة منها بالخصوص تحت شعارات رجعية من قبيل «الأحزاب للأحباب» و «كل الأحزاب تكذب» و «الأحزاب تبحث عن الكراسي» .. طبعا هذا دون أن ننسى أن الإجراءات الإدارية وبعد مراكز التسجيل عن مقرات سكنى المواطنين ساهمت بشكل واضح في ضعف الإقبال» .

كما أفــــاد السيـــد عبـــــد الرزاق الهمامي عضو الهيئة السياسية لحزب العمل الوطني الديمقراطي أن ضعف الإقبال على التسجيل بالانتخابات يرجع بالأساس إلى سببين رئيسيين. فعلى المستوى الأول يرتبط ذلك بالضرورة بعدم إلمام التونسي بالعملية الانتخابية وهو ما يعدّ من آثار غياب تقاليد تعاطي التونسيين مع مؤسسات انتخابية ديمقراطية وشفافة...

ورغم الجهود التي بذلتها القوى التقدمية والديمقراطية من أجل تجاوز ذلك، فإن هذه العملية مازالت غير مألوفة ومستجدة بالنسبة إليه.

وأما على المستوى الثاني، فإن ذلك يعود إلى عدم وضوح الرؤية السياسية إضافة إلى ما خلـّفه غياب الشفافية في علاقة بهذه المسألة طيلة عقود.

وقد أدى ذلك إلى غياب التحفز والثقة لديه في ما لا يعرف. طبعا هذا دون أن ننسى عدم فهم المواطن إن كان التسجيل شرطا للانتخاب أو إجراء للتثبت فحسب ـ على حد قوله.

لا يختلف السيد عبد العزيز المسعودي عضو الهيئة السياسية لحركة التجديد كثيرا عما تقدم، إذ يقول إن غموض الوضع السياسي ووجود مشاكل ملحة اقتصادية واجتماعية خلقت تشكك الناس في إمكانية تحسن الأمور من خلال تأثير مشاركته في الانتخابات. أضف إلى ذلك أن الحملة التحسيسية لم تمس بما فيه الكفاية المناطق الريفية. كما أن الوعي بأهمية المشاركة السياسية لم يبلغ بعد درجة الإقبال بصفة تلقائية على التسجيل.

ولعلم الاجتماع رأي

اتصلــــت «صوت الشعـــــب» بجميلة السملالي ـ أستاذة في علم الاجتماع ـ لمعرفة رؤية علم الاجتماع لهذا الموضوع، فشدّدت على أنّ علاقة السلطة بالمواطن شهدت توترا على مدى أكثر من ربع قرن، إذ تنوعت ممارساتها بين قمع وتدجين وترهيب.. مما ترك إحساسا لدى المواطن بأنه مجرد وسيلة لا يتمتع بمواطنته.

وعن التعامل مع الانتخابات، أكدت الأستاذة أن التونسي كان يشارك في الانتخابات بانتهازية سياسية وخوفا من سحب بعض الامتيازات التي لا يحصل عليها إلا بفضل تقديم بعض الخدمات. كما تعتبر بالنسبة إلى المواطن العادي بعدا من أبعاد الانتخابات التي كانت تحصل زمن الديكتاتور الفار وذلك ما خلق عدم الثقة لديه وربما القطع معها تخوفا من عودة القمع.

وتواصل قائلة: «إلا أن التونسي يبالغ كثيرا في تخوفه من الأحزاب وعزوفه عن المشاركة في الحياة السياسية بدعوى أنها استغلالية وانتهازية وتريد الوصول إلى السلطة!! فهل ينكر أصحاب هذا الرأي أن ذلك طبيعي فالحزب السياسي يعرّف بكونه مجموعة تحمل برنامجا معينا وتريد الوصول إلى السلطة» .

إن كثرة الأحزاب وتجاوزها المائة يعكس رغبة السلطة في تنفير المواطن من الحياة السياسية، إذ يترك له ذلك انطباعا سلبيا عن الأحزاب بأنها مستهانة ومستهجنة.. والحال أنه من المفروض قانونيا ألا تعطى التأشيرة لحزبين يحملان نفس التوجه ونفس الطرح...

صوت الشعب - العدد 12 الخميس 18 أوت 2011

الأحزاب مطالبـــــة بالتحرّك...

آراء ثريــــــة بالتقييمــــــات الموضوعية لهذه الظاهرة لا تختلف في مجملها في أن السلطة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية.

ولأن التحليل هو الخطوة الأولى في طريق الفهم وإيجاد الحلول والبدائل، فقد كان لكل طرف رأيه في هذا الصدد.

يؤكد عبد الرزاق الهمامي (حزب العمل) أنّ القوى الديمقراطية والتقدمية المؤمنة بأنّ الاحتكام للإرادة الشعبية لا يتمّ إلاّ عبر ممارسة فعل المواطنة (اقتراع...) عليها تكثيف جهودها في اتجاه توعية التونسيين بممارسة حقّهم في الوجود عبر التسجيل ثمّ الاختيار بين الاقتراع أو الامتناع عن طواعية وعن وعي بذلك.

وأما عبد العزيز المسعودي (حركة التجديد) فيرى أن «على الأحزاب القيام بحملة تحسيسية وحث المواطنين على التسجيل وشرح أهمية ذلك لهم. فالتمكن من اختيار مكتب الاقتراع يعني قطع خطوة نحو التصويت.

ثم إن التصويت الآلي مقابل الاستظهار ببطاقة التعريف يؤدي إلى حرمان نسبة هامة من المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي يوم 23 أكتوبر لعدم سهولة التنقل لمكاتب الاقتراع. ولذلك فإننا نطالب بفرق متنقلة بالمناطق الريفية البعيدة مثلا وتمديد عملية التسجيل لما بعد رمضان نظرا لتغير نمط الحياة ونقص الحركية خلال هذا الشهر» .

وفي المقابل، تعتبر ريم الصغروني (حزب العمال) أنّ التسجيل ليس ضروريا، «إذ يمكن اعتماد صيغة أخرى (مثل التسجيل الآلي) نظرا للمنظومة المعلوماتية المتقدّمة التي لا تتطلب التنقل إلى أماكن بعيدة. على الأحزاب الثورية أيضا إقناع المواطنين بأن المشاركة في الانتخابات تدخل في إطار استكمال مهام الثورة التي لا تعتبر بمعزل عن العمل الميداني، فلا يمكن استكمالها بالانتخابات وحدها لأن ذلك يتطلب بالضرورة سيرورة ثورية كاملة.

وتبقى المشاركــــــــــة في الانتخابات في اعتقادها رهينة الحملة الانتخابية التي تعتقد ريم أن من المفروض خوضها وفق تكتلات حزبية حتى يتمكن التونسيون من الفرز والاختيار بين عدد أقل من التوجهات والبرامج».

وإلى ذلك، ترى الأستاذة جميلة السملالي أن على المثقفين الابتعاد عن النخبوية مثلما يتوجب على السياسيين الارتقاء بالأخلاقيات عبر الابتعاد عن التخوين والمزايدات والمهاترات.. فالحياة السياسية لا تبنى إلا على مواقف الأغلبية من المواطنين والحال أن البعض يتعالى عليهم..

لئن كانت ثقة المواطن في السياسة والسياسيين مهزوزة وأحيانا مفقودة لما غرسته فيه السلطة من كره لكل ما أحاط بهذا الفلك، فإن الانتخابات القادمة لا يمكن أن تكون شأن الساسة أو شأن بقايا الديكتاتورية النوفمبرية أو البورقيبية.. إن على الشعب أن يعي اليوم أن استكمال مهام الثورة متوقف على إرادته وعلى تمسكه بحقه في تقرير مصيره وفرض قراره مثلما فرضه على الديكتاتور الفار..

سارة بن الغول



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني