الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > في مَهـَبِّ الرِّيـَاح.!
أضْـــوَاء وظِــــلاَل (*):
في مَهـَبِّ الرِّيـَاح.!
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

بقلم: رضا البركاتي
ridhabarkati@gmail.com

في سنة 1945 بدأ العالم يعيش فرحة عارمة اشتركت فيها بصفة عفوية شعوب العالم وأممه. بدأت ساحة القتال تتقلّص والحرب تضع أوزارها في إفريقيا وغربي آسيا والجنود يضعون عن ظهورهم حقائب القتال وبنادقهم الثقيلة. دخلت الحرب مرحلتها النهائية والحاسمة. وانحصرت جبهة القتال في ألمانيا وفي واجهة اليابان. خرجت الصبايا والنساء من أنقاض المدن المدمَّرة يعانقن الرجال المُنْهكين العائدين من خطوط النار التي امتدت، طوال سبع سنوات، على امتداد المعمورة.

لعلّها أكبر فرحة تشترك فيها البشرية وتجتمع حول بهجتها بصدق طويّة وحسن نيّته.

تناقلتْ أخبارَ هذه الفرحة التاريخية وسجّلت أجواءَها وسائلُ الاتصال الجديدةُ كالتلغراف والتي-آس-أف (أي الراديو) إلى جانب الجرائد وما خرج من المطابع... وكذلك الصّورة الفوتوغرافة والأشرطة السينمائية وخاصة الوثائقية.

إنّها الفرحة بعودة السّلام.

غداة الحرب، كان عالم جديد يتشكّل.
انطوت صفحة الحرب والموت والدمار.
وانفتحت صفحة مكتظة بالآمال والأحلام:
السّلم بعد الحرب والحريّة بديلا عن الفاشية والاشتراكية على أنقاض الرأسمالية وموجة الاستقلالات تجرف الاستعمار القديم...

هل ستنجلي المآسي وتنتهي المصائب والكوارث وتمضي الإنسانية على طريق مدنية جديدة؟ كيف سيكون المستقبل؟ ماذا ينتظرنا في النصف الثاني من القرن العشرين؟

عن هذا المُلتَحِف بضباب الغيب، المُطِلِّ من فجوة صباح الغدِ، وقفتْ إحدى المجلاّت تسأل العالِمَ المثقّف "ألبار آينشتاين".

فأخبر أنّ النصف الثاني من القرن العشرين، سيشهد ثلاثة انفجارات كبرى. وقدّم هكذا توضيح:

انفجار اللاّمتناهي في الصّغر

وفعلا لقد اهتزّ العالم وتملّكه الرّعبُ، قُبيْل أن يسعد بنشوة الفرحة بالإعلان الرسمي لنهاية الحرب وتوقّف الأعمال العدوانية، في 2 سبتمبر 1945، لمّا استيقظ على انفجار نواة الهيدروجين بهيروشيما ونكازاكي يوميْ 6 و9 أوت 1945. ولم يكن ذلك إلاّ إعلانا عن فاتحة عصر جديد ستكون فيه للطاقة النووية دور هائل في كلّ المجالات.

الانفجار الديموغرافي

بعد ارتفاع نسبة الوفيات بسبب الحرب والأوبئة وانخفاض نسب الولادات بسبب وجود ملايين الرجال في جبهة القتال ستشهد المجتمعات البشرية، بصفة عامة، نموّا ديموغرافيا مطردا لم تعرف له مثيلا يأخذ شكل الانفجار في عديد البلدان ويعود ذلك لحالة السلم ولتطوّر الخدمات الصحيّة عموما والقضاء على الأوبئة خاصة (مثل الطاعون والكوليرا والتيفيس والجدري...).

انفجار الصورة

بعد أن شهد البثّ الإذاعي انتشارا على مدى واسع منذ العشرينات، درجتْ السينما ثمّ نطقتْ واستوتْ خطوتها وبدأ رواجها يغطي كلّ بقعة في المعمورة، وأثناء الحرب كانت الأبحاث في المخابر تتقدّم بخطى حثيثة من أجل تحقيق فكرة بثّ إذاعي للصوت والصّورة معا أي البثّ التلفيزيوني الذي سيبدأ بالظهور في أواسط الخمسينات. كما كانت مخططات غزو الفضاء ووضع الأقمار الصناعية في مدارات لترشّ سكّان الأرض بوابل الصّور تتقدّم حثيثا أيضا على مصطبة التجارب المخبرية بعد أن وفّر التقدّم العلمي باكتشافاته ما يحتاجه التطوّر التكنولوجي لاختراعاته.

وكان النصف الثاني من القرن العشرين. وكانت الانفجارات الكبرى الثلاث.

ويمكن القول إجمالا أنّ الانفجار الأوّل كان في 45 بهيروشيما، والانفجار الثاني في الستينات ببلاد العالم الثالث خاصة، ومنذ مطلع الثمانينات صار الناس يتحدّثون في كلّ أنحاء المعمورة عن عصر الصّورة.

هذا ما كان. ولم يكن نبوءة وإنّما هو استشراف العالِم-المُثقف للمستقبل وقد انبنى على معرفة موضوعية بما يجري وعلى استقراء علمي للآتي. فالمستقبل ليس إلاّ ثمرة ما زُرِع بالأمس وما يسري اليوم.

كان كلّ شيء يسير حثيثا نحو ما سمّاه العالم-المثقف، ألبار آنشتاين، انفجار الصّورة.

واليوم.؟!

لقد أمطرت السماء قنابل ذريّة ثم أخصبت المضاجعُ ذريّةً واليوم تذرو السّماء والرياح الأربع صورا.

فأين نحن في مهبّ هذا الإعصار؟
وإلى أيِّ قِبلة نولي وجوهنا؟
وبأيّ عين نعاين ما يهبّ؟
وبأيِّ منطق نفكك رموز اللغة الجديدة التي انتشرت وغزتْ المعمورة؟
كيف نتهجّؤها؟ كيف نفكّ رموزها وطلاسمها؟ لماذا نتهافت عليها نلتهمها فتلتهمنا؟ لماذا نسارع نستهلكها فيكون هلاكنا؟
كيف نصف حالنا بالصورة؟ كيف نعبّر بالصورة؟ كيف نلغو بالصّورة؟ كيف نصوّر بالصّورة؟

هل يمكن أن تكون بالصّورة صُرَّةُ خيرٍ وسِرُّ فلاح وسببُ نجاح، أم تراها شرّا في شرّ أم شرّا لابدّ منه أم حراما مستباحا؟

نشر هذا المقال في جريدة "الشعب"، الجمعة 1 أكتوبر 2010

ملاحظة

(*) هذه نافدة نفتَحُها على أعمدة "الشعب" نُطِلُّ من خلالها، أسبوعيا، على عالم الصّورة والسّينما وبها نحاول بعثرة أوراق الملفات المُهمَلة والمُأرشَفة والمُعتّمة والمغلقة والمزيّفة والمطلسمة والمقدّسة والمدنّسة... في مجالات الإبداع (الفنّ) والإنتاج (الصناعة) والفرجة (التجارة)... عسى أنْ نساهم في إعادة ترتيب أوراق سابع الفنون في حياتنا... هو عالم مادته أضواء وظلال ولغته أضواء وظلال ومعانيه من أضواء وظلال وقضاياه بين الأضواء والظلال... ونوافده فُتْحة بين الضوء والظلِّ.!


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني