الصفحة الأساسية > البديل الوطني > قراءة في قانون المالية لسنة 2007
قراءة في قانون المالية لسنة 2007
17 كانون الثاني (يناير) 2007

صدر قانون المالية لسنة 2007 بالرائد الرسمي للبلاد التونسية يوم 26 ديسمبر 2006 وبدأ تنفيذه يوم غرة جانفي 2007. وحدد هذا القانون الميزانية الجديدة بـ14460 مليون دينار (ما يمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي المقدر بـ12,2 مليار دولار) مقابل 13552 مليون دينار للسنة الفارطة أي بزيادة 908 مليون دينار (5,9%). والملفت للانتباه هو أن واضعي ميزانية 2006 لم "يتوفقوا في تقديراتهم لتلك الميزانية حيث أنها وصلت في حدود 20 ديسمبر 2006 إلى مبلغ 14210 مليون دينار أي بزيادة 658 مليون دينار (مرشحة للارتفاع عند إقفالها النهائي). وجاءت هذه الزيادة الهامة ارتباطا بالزيادات المتتالية لأسعار المحروقات في السوق العالمية، والتي تجاهلها واضعو الميزانية، بسبب سوء التقدير أو بسبب حجز الميزانية. وقد أحدث ذلك اختلالا بالتوازنات المالية للميزانية وإرباكا للحكومة التي سارعت، دون أدنى التفات إلى برلمانها الصوري، إلى إقرار زيادات إضافية في الميزانية محملة الشعب تكلفة تلك الزيادات من خلال الترفيع عدة مرات في أسعار المحروقات وأسعار المواد المتصلة بها بصفة مباشرة أو غير مباشرة وحتى في مواد أخرى مما زاد في تدهور المقدرة الشرائية لعموم الشعب فمثلت ميزانية 2006 نهاية سيئة للمخطط العاشر (2006-2006) الذي راهن على "كسب رهان التشغيل وبناء اقتصاد المعرفة ودعم القدرة التنافسية للمؤسسات" وغيرها من الشعارات الخلابة.

وإذ أرست ميزانية 2006 في بحر 14210 مليون دينار فإن الزيادة الحقيقية المقررة لسنة 2007 لم تتجاوز مبلغ 250 مليون دينار أي 1,8% فقط وهو ما يمثل تراجعا ملحوظا في نسق نمو الميزانية مقارنة بالموازنات السابقة (4,2 بالنسبة لميزانية 2006). وهذا التراجع يشكل عائقا أوليا في وجه الميزانية الجديدة بالنظر لما رسم لها من "أهداف طموحة" واعتبارها "سنة حاسمة" في علاقة بالمخطط الحادي عشر (نقطة البداية) وبإرساء منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي في العام القادم (جسر العبور) كما يحمل هذا التراجع انعكاسات تبدو خطيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي بالخصوص، أي على مستوى التشغيل والاستثمار وإنجاز "المشاريع الكبرى" والرفع من القدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية!!!

فما هي شعارات وأهداف الميزانية الجديدة وما نصيب الطبقة العاملة وعموم الشعب منها؟ وهل سيكون بمقدور الميزانية الجديدة الحفاظ على التوازنات القائمة عليها أم أنها مرشحة لاختلالات على غرار سابقاتها، وكيف ستتصرف الحكومة عند حدوثها؟ وما هي ملامح خطتنا لمواجهة الحيف الذي تقوم عليه ميزانية 2007 تجاه الطبقة العاملة والكادحين والتداعيات التي يمكن أن تنجر عن إجراءات "دعم" الميزانية عند ظهور اختلال في توازناتها؟

1) الشعارات والأهداف المرسومة لميزانية 2007

كان افتتاح المداولات العمومية حول الميزانية الجديدة مناسبة لترديد جملة من الشعارات السياسية "التجمعية" بدءا بخطاب الوزير الأول ومرورا بتدخلات الحزب الحاكم وما رافقها من تصريحات رسمية ومدائح ودعاية صحفية موجهة لم تخل منها حتى الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.

الشعارات السياسية: "تميزت" الشعارات السياسية بالديماغوجيا الفجة والممجوجة، المؤكدة على الطابع الفردي للحكم حيث أنها تقرن جميع الإنجازات وجميع المشاريع المرتقبة بإرادة بن علي ولا أحد سواه كالربط بين نفقات التنمية و"تجسيم أهداف البرنامج الرئاسي لتونس الغد" مع التأكيد على "حرص" بن علي على الترفيع في تلك النفقات بنسبة 8,6% لتصل إلى قيمة 2830 مليون دينار ومثل القول بأن سنة 2007 "تمثل مرحلة حاسمة في المسار التنموي لمنزلتها المحورية في تنفيذ البرنامج الرئاسي" وكذلك القول بكل رياء ووقاحة بأن بن علي حريص على "تدعيم حقوق الإنسان وترسيخ الحوار الوطني وتعزيز أركان المجتمع الحر والديمقراطي" (هكذا!).

هكذا يتبين كيف تسخر ميزانية الدولة لخدمـــة مرشح واحد للرئاسة على حساب أي مترشح آخر. كما تتبين كيفية إدارة الحملة الانتخابية في تونس بصفة مبكرة من خلال أبواب الموازنات السنوية. فلا عزو إذن أن يقدم بن علي على إعلان ترشحه قبل ثلاث سنوات من موعد الانتخابات المقبلة (2009).

الأهداف الاقتصادية والاجتماعية
"النهوض بالتشغيل، دعم المكاسب: النهوض بمناخ الأعمال ومحيط المؤسسة، التحكم في الطاقة، إرساء مقومات التنمية المستديمة، الحفاظ على التوازنات المالية العامة، مواصلة إرساء اقتصاد المعرفة، الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي".

"على ضوء هذه الأهداف، يرمي منوال التنمية للسنة القادمة إلى تحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% مقابل 5,3% سنة 2006" وذلك استنادا إلى المعطيات التالية:

- التطور الهام لقطاع الخدمات المسوقة بنسبة 9% (علما وأن هذا القطاع يساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 54%)
- إنتاج 1100000 طن من زيت الزيتون.
- التطور المطرد للقطاعات الصناعية الميكانيكية والكهربائية بنسبة 8% مرجعها تطور صادرات القطاع.
- تطور نسبة الادخار إلى 20,8% من الدخل القومي المتاح سنة 2007.
- تطور الاستثمار بنسبة 11,5% ليصل إلى 10000 مليون دينار بنسبة 22,6% من الناتج المحلي الإجمالي PIB))
- حصر العجز الجاري لميزان المدفوعات في حدود 2,8% من الناتج المحلي الإجمالي.
- حصر نسبة المديونية الخارجية في حدود 46,1% من الناتج المحلي الإجمالي
- إحداث 80 ألف موطن شغل في القطاعات غير الفلاحية.
- استقطاب الاستثمارات الخارجيةI DE) ( لتبلغ 1315 مليون دينار
- 44 دولار للبرميل بالنسبة لسعر النفط باعتبار الأسعار الحالية في السوق الداخلية.
- حصر عجز ميزانية الدولة في حدود 3,2% من الناتج دون اعتبار موارد التخصيص والهبات.

وهذه المستندات تثير الملاحظات التالية:

- جل العناصر التي استند إليها واضعو الميزانية مرتبطة بعوامل لا تتحكم فيها السلطة بالكامل (الاستثمارات الخارجية، الخدمات المسوقة، نسبة الاستثمار، مدى إقبال الخواص على الاستثمار..) أو هي مرتبطة في الغالب بالعوامل الطبيعية (الإنتاج الفلاحي).

- الرهان على حصر العجز الجاري لميزان الدفوعات في ظل عجز مزمن للميزان التجاري (بقيمة هامة بلغت 2,8 مليار دولار خلال 11 شهرا من سنة 2006) هو رهان صعب المنال خاصة وأن الإنتاج الصناعي ضعيف في جل القطاعات عدى قطاع الميكانيك والكهرباء وسلبي في قطاعين (النسيج والكيمياء مع معدل نسبة نمو لم يتجاوز نسبة 4% مع العلم وأن قطاع الكهرباء والميكانيك هو قطاع يشكو من عجز محسوس في ميزانه التجاري بلغ 3929,6 مليون دينار خلال 11 شهرا من سنة 2006 إذ صدر بما قيمته 3495,9 مليون دينار واستورد بما قيمته 7425,5 مليون دينار. لذلك فإن التركيز على نسبة التطور الذي يشهده هذا القطاع وقصر النظر على تطور صادراته دون الالتفات إلى ما يستورده، يؤديان إلى ارتكاب خطأ فادح في التقدير قد يؤدي إلى الوقوع في اختلال التوازن المالي للميزانية.

- أما الرهان على ارتفاع الاستثمارات الخارجية فهو مرتبط دون شك بإمكانية بيع ما تبقى من المؤسسات العمومية للرأسمال الأجنبي. والحديث يجري حول التفكير في التفويت في جزء آخر من رأس مال "اتصالات تونس". لما لا وقد مكن التفويت الفارط في 35% من رأسمالها إلى إنقاذ الميزانية السابقة من الانهيار بعد الاختلالات التي أصابتها بفعل الارتفاع الكبير في أسعار النفط في السوق العالمية والتراجع الذي سجله أكبر قطاع (النسيج) من حيث الإنتاج والتصدير والتشغيل.

- إن اعتماد 44 دولار كسعر للمحروقات بعيد عن واقع الأسعار في السوق العالمية لبرميل النفط، مما سيؤدي كما أدى في السنة الماضية إلى اختلال التوازنات المالية للميزانية. وهو ما سيدفع الحكومة إلى إقرار اعتمادات جديدة لسد الاختلال وبالتالي اللجوء مجددا إلى الترفيع في الأسعار. فهل هـــي مناورة جديدة من قبل السلطة حتى تتمكن من إيجاد ذريعة مبيتة للترفيع في الأسعار خاصة وأنها لا تتراجع فيما قررته من زيادات متصلة بسعر النفط عندما ينزل سعر البرميل في السوق العالمية؟

- إذا كانت قطاعات الإنتاج ضعيفة، وإذا كان أكبر قطاع فيها (النسيج) مهدد بمنافسة قوية قد تذهب بريحه، وإن كان القطاع الوحيد الواعد (الميكانيك والكهرباء) يشكو من عجز في ميزانه التجاري الخاص، وإذا كان إقبال الرأسمال الخاص، الداخلي والخارجي على الاستثمار في تونس، غير متحكم فيه بالكامل من طرف الحكومة، وإذا كانت صابة زيت الزيتون والحبوب تتحكم فيها الطبيعة بدل الحكومة، فكيف يمكن للحكومة، إزاء جميع هذه الحقائق، الادعاء بأنها تتحكم في عجز ميزانية الدولة وقدرتها على حصره في حدود مضبوطة (3,2%) أو حصر المديونية الخارجية في حدود مضبوطة أيضا (46,1%)؟ والحال أن الاقتراض الخارجي يبقى هو الملجأ الوحيد، إلى جانب "موارد التخصيص والهبات"، لحكومة رهنت البلاد والعباد للرأسمال الأجنبي دولا ومؤسسات مالية وبنكية، وبددت الثروة الوطنية وفككت النسيج الصناعي الذي شيده الشعب من قوته طيلة ثلاثة عقود (1956-1986)؟

وفي الختام نشير إلى أن هذه الشعارات والأهداف العامة الواردة بالتصريحات والخطب الرسمية تخفي وراء عباراتها مصالح طبقية معينة. فالحديث عن "الخدمات المسوقة (التصدير) وعن "الإنتاج" و"الاستثمار" و"الاستثمارات الخارجية" وبصفة صريحة أكثر عن "حصة القطاع الخاص في الاستثمار" يعني طبقة رأس المال. أما عبارة "إحداث 80 ألف موطن شغل في القطاعات غير الفلاحية" فهي تعني الطبقة العاملة وهو الإجراء الوحيد الذي يعنيها كطبقة بصفة مباشرة. وبالرجوع إلى أحكام قانون المالية ذاته نجده معبرا عن تلك المصالح الطبقية بأكثر وضوحا ودقة.

2)المصالح الطبقية وقانون المالية الجديد

إن الموقف الذي يهمش مصالح الطبقة العاملة ويحصرها في نقطة وحيدة "إحداث مواطن شغل" كما رأينا أعلاه ينعكس بأكثر انحيازا لرأس المال في الإجراءات الواردة بقانون المالية الجديدة على الصورة التالية:

- المحافظة على المؤسسات وتعزيز مواطن الشغل
- دعم القدرة التنافسية ودعم الاستثمار
- تقريب الأنظمة المحاسبية من الأنظمة الجبائية
- دعم المصالحة وتخفيف العبء الجبائي
- تيسير الجباية
- تفعيل الاستخلاص ودعم الموارد الجبائية

ليس من العسير ملاحظة مدى التركيز على المؤسسة الاقتصادية، أي على حماية رأس المال وتنميته من خلال "دعم الاستثمار" و"تخفيف العبء الجبائي" وغيرها. وهذا يعني وضع آليات الدعم المالي (مجلة تشجيع الاستثمارات المحينة باستمرار لفائدة رأس المال) والآليات الجبائية المتعددة على ذمة رأس المال، المحلي والأجنبي خاصة، بينما لا يحظى العمل سوى بالتفاتة رمزية في ظاهرها وريائية في مضمونها، ذلك أن القول بـ"تعزيز مواطن الشغل" في ظل مواصلة تنفيذ "برنامج إعادة الهيكلة" وما نتج عنه من تدمير منهجي لعدد كبير من المؤسسات وطرد جماعي بأعداد هائلة، وكذلك في ظل مواصلة سياسة "مرونة التشغيل" التي آلت إلى هشاشة مواطن الشغل وخلقت ووسعت آلية العمل بالمناولة، إن التصريح والادعاء، رغم جميع هذه الحقائق الدامغة والمعيشة منذ سنوات طويلة بـ"تعزيز مواطن الشغل" هو ادعاء مخادع وريائي بامتياز ولا يمكن أن يكون حقيقة واقعة إلا إذا وقع التراجع عن "مرونة التشغيل" وعن "عقود التربص" القائمة بذاتها دون إدماجها كبند من بنود عقد الشغل وتحديد مدتها بصفة دقيقة تقطع دابر التلاعب بحق الانتداب، حق الشغل، وكذلك دون العدول عن "برنامج إعادة الهيكلة" والنزيف البشري الذي أحدثه.

كما أن تخصيص 224 مليون دينار في ميزانية 2007 تحت عنوان "النهوض بالتشغيل" لا يمكنه في ظل الخيارات الاقتصادية الحالية وفي ظل عمق أزمة البطالة أن ينهض فعلا بالتشغيل، فهو يكفي بالكاد لدفع أجور زهيدة لـ"80 ألف موطن شغل" نسبة هامة منها لها شهائد عليا. إن مبلغ 224 مليون دينار أمام ما يتحصل عليه رأس المال من حوافز وتشجيعات وإعفاءات مختلفة وعديدة ما فتئت تتعزز من سنة مالية إلى أخرى على غرار ما تضمنته ميزانية 2007. ولا يمكن أن نختم هذه الفقرة دون الإشارة إلى أن قانون المالية الجديد أبقى على كافة الضرائب والمعاليم الكثيرة التي قررها قانون المالية لسنة 2006، دون حذف أو "تخفيف" على غرار التخفيف الذي حبا به المؤسسة. وإن مقارنة بسيطة بين القانونين تبرز مدى إثقال كاهل الفئات الشعبية من طرف قانون 2006 من ناحية، ومدى "التخفيف" والإعفاءات والتشجيعات الواردة في القانون الجديد وهو أمر يضرب بل ينسف مبدأ "التوزيع العادل للثروة". وقانون المالية، من الناحية النظرية هو قانون لـ"إعادة توزيع الثروة" من المفترض أن تتم بصفة عادلة بين شرائح المجتمع التي شاركت في صنع الثروة الوطنية، لكن أنا لذلك أن يحصل دون ذراع قوية وأداة فعالة منحازة لمصالح الطبقات والفئات الشعبية! فمتى تبزغ تلك الشمس؟ إلى أن يتم ذلك سيتواصل "التسامح" إلى حد الغفران مع مرتكبي جريمة "التهرب الضريبي" وستتواصل العصا تنزل بضراوة على رأس الطبقة العاملة.

3) الظروف العامة المحيطة بتنفيذ ميزانية 2007: التوازنات المالية مهددة بالاختلال:

فضلا عن المناخ السياسي المتسم بالانغلاق ومعاداة الحريات ومحاصرة المنظمات المستقلة وتهميشها وتدبير الانقلابات ضد هياكلها وقياداتها الشرعية، ينطلق تنفيذ الميزانية الجديدة في ظل ظروف اقتصادية تتسم بالعناصر السلبية التالية:

* عجز ميزان المدفوعات بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يمثل 820 مليون دينار.

* عجز الميزان التجاري قيمته 2,8 مليار دولار مرده نمو الصادرات بنسبة 14,27% بينما سجلت الواردات نمو بنسبة 17%.

ويعود نمو الصادرات إلى ارتفاع حجم مبيعات صناعة الميكانيك والكهرباء وتسارع نسق نمو صادرات قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية.

أما نمو الواردات فيعود إلى ارتفاع حجم واردات الطاقة بنسبة تفوق 26% ومواد التجهيز (أكثر من 23%) والمواد الاستهلاكية (بنسبة تقارب 8%) والمواد الأولية ونصف المصنعة (بنسبة تقارب 17%). وبذلك تفاقمت الموازين التجارية بكل قطاع كما يلي:

- عجز الميزان التجاري للطاقة بلغت قيمته843 مليون دينار.
- عجز الميزان التجاري لمواد التجهيز بلغت قيمته 770 مليون دينار.
- عجز الميزان التجاري لمواد الاستهلاك بلغت قيمته 386 مليون دينار.

* ارتفاع الأسعار (4,6%) بـ"مستوى يفوق التقديرات الأولية لسنة 2006"

* ارتفاع المؤشر العام لأسعار البيع الصناعي بـ6,6% أي ارتفاع سعر بيع المنتوجات الصناعية من الوحدات الصناعية إلى شبكة التوزيع بالجملة بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها إثر ارتفاع أسعار الطاقة عند إنتاجها (الماء، المحروقات، الكهرباء).

- فارتفعت أسعار الطاقة بـ19,6% والصناعات المعملية بـ5% ومواد البناء بـ9,4% والنسيج والجلود بـ2,4%.
- تراجع الإنتاج في عديد القطاعات: 3 قطاعات بالنسبة للصناعات المعملية (النسيج والجلود، الكيمياء، صناعات مختلفة). وتراجع الإنتاج أيضا في جل القطاعات الفلاحية (الصيد البحري وتربية الأسماك)، وكذلك بالنسبة لأهم قطاعات الصناعات غير المعملية (المناجم والطاقة)
- تباطؤ/تراجع النمو في قطاع الخدمات: تراجع عدد السياح الأوروبيين إلى النصف (1,6% بدل 14% لسنة 2005) وضعف المردود الوطني لهذا القطاع الذي ابتلع تمويلات ضخمة (والذي ظلت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لا تجاوز 7,6%
- مبادلات مع الخارج غير متنوعة إذ تبقى مركزة على دول الاتحاد الأوروبي (70%)، تصدير (78%) وتوريد (72%). بينما لا تصدر إليها الجزائر سوى بنسبة 55% والمغرب بنسبة 74%، وأن تركيز المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي والحال أن الدينار التونسي يسجل هبوطا متواصلا تجاه الأورو بلغ نسبة 5,6% خلال سنة 2006، يضر بالاقتصاد التونسي و"يؤبد" عجز الميزان التجاري الذي بلغ رقما ضخما سنة 2006 (2,8 مليار دينار).

إن مجمل هذه المعطيات السلبية من شأنها أن تدخل اضطرابا على أبواب الميزانية الجديدة وترجع احتمالات الاختلال بتوازناتها المالية مما قد يدفع الحكومة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات جديدة (ترفيع في الأسعار، سن ضرائب أو الترفيع في بعضها، إحداث معاليم جبائية جديدة على غرار معلوم الهاتف الجوال..) خاصة وأن الوزير الأول قد "حذر" في خطابه عند افتتاح المداولات حول ميزانية 2007 بأن "التوازنات المالية للسنة القادمة تبقى مرتبطة بتطور أسعار الطاقة في الأسواق العالمية" وأن "توازن منظومة المحروقات دون دعم مباشر من الميزانية (لماذا يا ترى؟‍) يفترض نظريا تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى حدود 44 دولار باعتبار الأسعار الحالية في السوق الداخلية وأن كل زيادة فوق هذا الحد بدولار واحد تكلف ميزانية الدولة دعما إضافيا بـ32 مليون دينار" (الصباح 26 نوفمبر 2006).

والسؤال المطروح: هل أن مثل هذا العبء الإضافي تتحمله ميزانية الدولة عبر آلية صندوق التعويض أم تتحمله الميزانية الخاصة لكل مواطن مثلما حدث في العام الماضي، بعد التدمير المنهجي والإيديولوجي لصندوق التعويض؟
الجواب معروف، والخوف، في نهاية الأمر، هو أن تكون من نتائج تحميل مثل ذلك "العبء الإضافي" أن لا يئن "إحداث 80 ألف موطن شغل" المبرمجة حسب الميزانية الجديدة، تحت وطأة ذلك العبء.

4) كيف ستتصرف الحكومة لمواجهة الأوضاع المتفاقمة

يمكننا رسم سلوك السلطة خلال سنة 2007 من خلال مختلف التصريحات الرسمية وبعض المبادرات والإجراءات التي وقع اتخاذها في أواسط وأواخر السنة الماضية، في علاقة بتطور الأوضاع الاقتصادية والمالية خلال السنة الفارطة.

- مزيد التفريط في ما تبقى من المؤسسات العمومية: قسط جديد من "اتصالات تونس" وإعادة هيكلة 300 مؤسسة أخرى.
- مزيد الاقتراض من الخارج: وقد تم في الآونة الأخيرة إبرام قرض أوروبي بـ258 مليون دينار (الصباح 19 ديسمبر 2006) من البنك الأوروبي للاستثمار لإنجاز محطة توليد الكهرباء بغنوش (بعد فضيحة انقطاع التيار الكهربائي خلال كأس العالم بتونس وطلب النجدة من الجزائر، مما يدل على ضعف إنجازات "العهد الجديد").
- مزيد تخلي الدولة عن دورها الاقتصــادي وذلك بمزيد "فرقعة" النسيج الصناعي من خلال إحداث آلية جديدة: "الإفراق"، من شأنها تفتيت ما تبقى من المؤسسات الكبرى مثل الصوناد والستاغ وشركة الإسمنت أم الكليل وغيرها. وهو مشروع جديد يطل من كم المناولة المفضوحة والفاشلة باعتراف مقرريها، لإحداث مؤسسات صغرى بإشراف بعض الإطارات (المحظوظة طبع‍ا!) من داخل المؤسسة وخارجها، لحسابهم الخاص، بتمويل مالي وعيني من المؤسسة الأم.
- التعويل على قطاع الخدمات –المتضخم بعد- وقد أحدث لهذا الغرض "المجلس الوطني للخدمات" (جوان 2006) الذي عهد إليه بمزيد "تطوير" (تضخيم) هذا القطاع ليبلغ 64% من الناتج المحلي الإجمالي (54% حاليا) و30% من جملة الصادرات في "أفق 2016" (أي في نهاية المخطط 12). وبذلك تتحول تونس إلى مستودعات ضخمة من نتائجه مزيد تقليص دور القطاعات المنتجة من صناعة وفلاحة وصيد بحري (وهو قطاع مهدد بالاندثار حيث بدأت الحكومة بعد في الترويج لصناعة الأسماك تحت عنوان "مشاريع تربية الأحياء المائية" وتمكين أصحابها من امتيازات "مجلة التشجيع على الاستثمارات"، أي تعويض "ولد البحر" بسمك الأودية والبحيرات الجبلية وهو ما سينعكس سلبا على صحة المواطنين مستقبلا.
والجدير بالملاحظة هو أن هذه الخطة (الخوصصة والإفراق ومزيد توسيع قطاع الخدمات) ستنعكس سلبا وبصفة درامية على أوضاع الطبقة العاملة وعموم الفئات الشعبية المتدهورة بعد، من خلال مزيد ارتفاع نسب البطالة على عكس ما تروج له السلطة. الشيء الذي سيزيد من حدة الأزمة الاجتماعية وتداعياتها المختلفة. وإن مثل هذه المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، تتطلب منا، رسم ملامح أولية لخطة المواجهة.

5) ملامح خطة الطبقة العاملة في مواجهة تهميشها وإثقال كاهلها:

- المطالبة بتخصيص دعم مالي جدي في مستوى عمق الأزمة الاجتماعية وخاصة مسألة "النهوض بالتشغيل".
- المطالبة بالكشف الرسمي عن النتائج المتعلقة بإعادة الهيكلة والخصخصة ومنها العدد الحقيقـــي للعمال المطرودين وأوضاعهم الحالية (عدد المتقاعدين منهم بصفة مبكرة، عدد العاطلين والمهمشين..).
- إحداث صندوق لمساندة المطرودين من العمل لأسباب "فنية واقتصادية" وسائر المعطلين عن العمل.
- الترفيع في "نفقات التنمية" بواسطة الميزانية العامة للدولة والحد من نفقات التسيير (عدد قوات الأمن وتجهيزاتها...).
- إصدار قانون يحقق الاستقرار في العمل ويضع حدا للأشكال الهشة والمهينة كالمناولة وعقود التربص القائمة بذاتها وإدماجها في إطار عقد الشغل.
- العدول عن برنامج الإفراق والسعي إلى دراسة أسباب التعطل إن وجدت داخل بعض المؤسسات قصد إيجاد الحلول الملائمة لدفع نشاطها وتنويعه.
- التخفيض في نسب الضريبة المباشرة على الدخل ورفع سقف القسط المعفى من الضريبة.
- المطالبة بالحزم في تطبيق قانون الجباية على الجميع ومقاومة التهرب الضريبي بجدية والتراجع عن سياسة الإعفاءات المتتالية لفائدة "أصحاب الأعمال".



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني