الصفحة الأساسية > البديل العربي > لبنان بين حكومة عميلة ومعارضة طائفية
لبنان بين حكومة عميلة ومعارضة طائفية
25 أيار (مايو) 2008

تسارعت الأحداث في لبنان خلال شهر ماي. فبعد أسبوع من المواجهات الدامية بين أنصار المعارضة والفريق الحاكم، توصل فرقاء الأزمة إلى اتفاق في الدوحة وتم انتخاب رئيس للجمهورية تولى مهامه رسميا يوم الاثنين 26 ماي.

بدأت الأزمة يوم 11 نوفمبر عندما استقال 6 وزراء (5 لحزب الله وأمل وواحد مقرب من الرئيس السابق إيميل لحود) من الحكومة بعد خلاف سياسي حاد. وبعد حوالي 20 يوما على هذه الاستقالة دخل أنصار حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر في اعتصام قرب مقر الحكومة في بيروت لإجبار رئيسها فؤاد السنيورة على الاستقالة. وتواصل هذا الاعتصام أكثر من 5 أشهر. وخلال هذه المدة شهد لبنان أحداثا مأساوية ودامية خلفت العشرات من القتلى والجرحى، أهمها أحداث نهر البارد واغتيال العديد من الشخصيات اللبنانية البارزة في الجيش والحكومة والمعارضة (بيار أمين الجميل، وليد عيدو، أنطوان غانم، فرانسوا الحاج، وسيم عيد، عماد مغنية...). وكانت كل المؤشرات تؤكد أن الوضع يتجه نحو مزيد من التوتر وينبئ باندلاع حرب أهلية في لبنان خاصة بعد فشل المساعي العربية والدولية في تقريب وجهات النظر. وهذا ما حصل فعلا، إذ اتخذت الأمور منعرجا خطيرا يوم 6 ماي الجاري بعد إقدام حكومة فؤاد السنيورة على عزل رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير وملاحقة المسؤولين عن شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله، وهو ما اعتبره هذا الأخير بمثابة إعلان حرب. وفي اليوم الموالي اندلعت المواجهات المسلحة بين المعارضة والحكومة وأصبحت الساحة اللبنانية مفتوحة على كل الاحتمالات خاصة بعد الخطاب "الناري" الذي ألقاه أمين عام حزب الله حسن نصر الله وإحكام مسلحي هذا الحزب سيطرتهم على بيروت بما في ذلك الطرقات والمطار ووسائل الإعلام ومقرات الأحزاب والكتل السياسية الموالية للحكومة. وتواصل الاقتتال الداخلي على امتداد أسبوع كامل مخلفا ما بين 63 و81 قتيلا وعديد الجرحــــى بالإضافة إلى التخريب الذي طال مؤسسات عمومية وخاصة. وقد اتضح خلال هذه الاشتباكات المسلحة أن موازين القوى كانت مختلة جدا لصالح المعارضة بقيادة حزب الله الذي تمكن مقاتلوه من السيطرة على كامل بيروت في وقت قياسي ثم انسحبوا لصالح الجيش. وهذا ما دفع بأنصار الحكومة إلى التعامل مع الوضع بكثير من المرونة وقبولهم التخلي عن مواقعهم وتسليمها للجيش الذي لعب دورا محوريا في الحد من اتساع دائرة المواجهات.

وبعد أن هدأت المواجهات وسيطر الجيش على الوضع، توصل وفد من الجامعة العربية إلى اتفاق ينص على سحب مقاتلي حزب الله وفتح طريق المطار واستئناف الحوار اللبناني على أساس المبادرة العربية التي تنص على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية واعتماد قانون انتخابات جديد. وانطلق الحوار اللبناني بالدوحة يوم 16 ماي ليتوج باتفاق ينص على القبول بالمبادرة العربية لحل الأزمة. ومن أول نتائج هذا الاتفاق انتخاب ميشال سليمان رئيسا الذي تولى مهامه رسميا يوم 26 ماي.

وقد رحب الجميع بهذا الاتفاق لأنه على الأقل يضع حدا، ولو مؤقتا، لأزمة كان يمكن أن تدخل لبنان في أتون الحرب الطائفية التي يعرف اللبنانيون فظاعتها بعد أن عانوا منها الويلات.

ورغم هذا الإنجاز الذي يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن المخاوف تبقى قائمة ومشروعة من عودة الاشتباكات من جديد، ذلك أن قطبي الصراع في لبنان، أي المعارضة والحكومة، يعانيان من مشاكل حقيقية لا تبشر بخير. فالحكومة تراهن على الغرب وتعمل جاهدة على تنفيذ مخططات الامبريالية والصهيونية والمتمثلة أساسا في إضعاف المقاومة ونزع سلاحها والضغط على سوريا وإيران، والمعارضة بقيادة حزب الله تحكمها النزعة الطائفية التي تفرّق ولا توحّد، وهو ما يضعف المقاومة ويحرمها من سند كبير ألا وهو الشعب اللبناني بجميع طوائفه وأعراقه. هذا العامل إلى جانب ضعف القوى السياسية القادرة بالفعل على إخراج لبنان من محنته وقيادته إلى بر الأمان (الحزب الشيوعي اللبناني...) يجعلنا لا نذهب بعيدا في التفاؤل. فسيظل لبنان يعاني التمزق الداخلي والتهديدات الصهيونية والامبريالية ما دامت حكومته تابعة وعميلة ومعارضته طائفية ورجعية. وتشكيل حكومة "وحدة وطنية" بين العميل والطائفي لن تحل المشكل.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني