الصفحة الأساسية > البديل الوطني > ماذا أعدّت المعارضة لإفشال مخططات بن علي؟
قبل أشْهُرٍ فقط من المهزلة الانتخابية:
ماذا أعدّت المعارضة لإفشال مخططات بن علي؟
22 شباط (فبراير) 2009

ما تزال تفصلنا أشهر فقط عن موعد المهزلة الانتخابية الرئاسية والتشريعية التي ينوي نظام الحكم تنظيمها في الخريف القادم. وما نلاحظه هو أنه كلما اقتربنا من هذا الموعد إلا وزاد نظام بن علي في وتيرة القمع السياسي والاجتماعي وفي تشديد القبضة الأمنية على المجتمع. فمنذ ما يزيد عن الأسبوع صدرت الأحكام النهائية ضد رموز الحركة الاحتجاجية بالحوض المنجمي. وكانت هذه الأحكام مرة أخرى قاسية وجائرة رغم ما روّجه أذناب السلطة قبل المحاكمة وأثناءها من أنهم حصلوا على "وعود بتخفيف الأحكام وإطلاق سراح المعتقلين". وليس خافيا أنه عدا رغبة الانتقام من أهالي الحوض المنجمي وقادة حركتهم المشروعة فإن الهدف من تلك الأحكام هو تخويف الأهالي في المناطق الأخرى وتحذيرهم من مغبة التحرّك.

ومن جهة أخرى ما انفك النظام يشن حملة قمعية (اعتقالات، محاكمات، مجالس تأديب، اعتداءات...) على الحركة الطلابية وعلى الاتحاد العام لطلبة تونس الذي يستعد لعقد مؤتمر توحيدي (مطلع أفريل القادم) يضع حدا لسنوات طويلة من التشتت استفادت منها السلطة لفرض برامجها التربوية المعادية لمصالح الطلاب والشعب. وما يخشاه النظام هو أن يؤدي هذا التوحيد إلى نهوض الحركة الطلابية من جديد دفاعا عن مصالحها المادية والمعنوية التي تضررت كثيرا خلال العقدين الأخيرين من حكم بن علي.

وتتعرّض حرية الإعلام والصحافة لحملة شرسة أيضا. فقد أغلقت السلطة مقر إذاعة "كلمة" المستقلة بالعاصمة أياما بعد بدء بثها عبر القمر الصناعي، وهي تمارس ضغوطا شتى على العاملات والعاملين بها ليتوقفوا عن كل نشاط. كما أنها حذرت فريق "قناة الحوار التونسي" من مغبة الاستمرار في النشاط علما وأن الفريق العامل بهذه القناة كان ويزال عرضة للاعتداء وحجز المعدات كلما حاول القيام بعمله. ويواجه عدد من الصحفيين المستقلين (سليم بوخذير...) نفس الوضع إذ أنهم عرضة للاعتداء والضغط والتهديد. دون أن ننسى الملاحقة القضائية ضد "الموقف" و"مواطنون" وحجز العدد 113 من صحيفة "الطريق الجديد".

ومن بين الظواهر الخطيرة الآخذة في التطور ظاهرة التهديد الإجرامي الذي يستهدف ناشطات وناشطين في الحقلين السياسي والجمعياتي. فقد أشْهَرَ أحد أعوان البوليس السياسي سكينا في وجه عمر المستيري مدير إذاعة كلمة وهدده بالقتل. كما أشهر عون آخر موسى في وجه كل من المحاميتين إيمان الطريفي ونجاة العبيدي على خلفية تحركاتهما لمناصرة أهالي غزة. وفي قفصة تعرّضت المناضلة غزالة المحمدي لاعتداء فظيع يوم محاكمة عدنان الحاجي ورفاقه (3 فيفري 2009). وكان وكيل الجمهورية بقفصة استمع إلى المعنية قبل ذلك بثلاثة أيام في إطار القضية التي رفعتها ضد فاكر فيالة رئيس منطقة الشرطة الذي اعتدى عليها في مرة سابقة بالعنف الشديد. وكانت رسالة المعتدين واضحة وهي أن البوليس هو الذي يحكم البلاد وأن القضاء لا حول ولا قوة له على هذا الجهاز الفالت من المراقبة والمحاسبة. وقائمة الاعتداءات على المناضلات والمناضلين تطول ولا يمكن حصرها.

وأخيرا وليس آخرا فما من يوم يمر دون أن تنشر صحف العار (الحدث، كل الناس، الصريح، الشروق، الملاحظ...) مقالات تهتك أعراض هؤلاء أو تفتري عليهم أو تشوههم. وهذه الصحف "تقتات" مباشرة من دعم السلطة، بل إنها أنشئت خصيصا للقيام بمثل هذه المهمات القذرة واستكمال ما تقوم به عناصر أخرى مأجورة (برهان بسيس، الحبيب بن نصيب، رضا الملولي...) في بعض القنـوات التلفزية في تونس وفي الخارج.

يحصل كل هذا إذن أشهرا فقط قبل موعد انتخابات الخريف القادم. وهو يحصل أيضا في مناخ اجتماعي متوتر بسبب تفاقم البطالة وغلاء المعيشة وتردي الخدمات الاجتماعية من جهة وتفاقم ثروة العائلات المتنفذة (الطرابلسي، بن علي، الماطري...) التي تضع أيديها على كل شيء مربح في البلاد من جهة أخرى. وليس لهذا من معنى سوى أن نظام بن علي يحاول بكل الطرق منع تطور أي حركة احتجاجية سياسية أو اجتماعية تفسد ما يخطط للقيام به وهو تقديم بقائه في الحكم لولاية خامسة عبر انتخابات صورية على أنه دليل على "نجاحاته وإنجازاته العظيمة" وعلى أنه "مرغوب فيه من الشعب التونسي".

وإذا كان ذلك هو مخطط بن علي وطغمته فماذا هيأت المعارضة لهذا الموعد؟ وبماذا ستواجه التصعيد اليومي للقمع والاستبداد والاعتداء المتواصل على لقمة عيش العمال والكادحين في المدن والأرياف والاستحواذ على خيرات البلاد وثرواتها والتفريط فيها للدول والشركات والمؤسسات الأجنبية؟ إن المتابع للأحداث لا يلاحظ مرة أخرى سوى التشتت. فأغلب الأحزاب (ولا نقصد هنا إلا الأحزاب المعارضة المستقلة) منشغل بأجندتها الخاصة وبحساباتها الضيقة (المشاركة في الانتخابات...) على حساب المصلحة العامة للحركة الديمقراطية والشعب التونسي. وما من شك في أن الاستمرار في نهج التشتت هذا لن تستفيد منه مرة أخرى سوى الدكتاتورية النوفمبرية، ولن تكون الفائدة التي ستجنيها تلك الأحزاب والقوى من حساباتها الخاصة والضيقة سوى فائدة جزئية لا معنى لها، ولكنها لن تفكّ عزلتها عن الشعب وقضاياه ولن تمكنها من التأثير في مجرى الأحداث وتغيير موازين القوى.

إننا نعتقد أن الوقت مازال يسمح للمعارضة أن تكتّل صفوفها شريطة أن تعي الأولويات المطروحة اليوم، وهي النضال من أجل الحرية السياسية التي تعني حرية التعبير والتنظيم والاجتماع والترشح والانتخاب دون أن ننسى العفو التشريعي العام وعودة المنفيين. إن عدم ربط أي مقاربة للانتخابات القادمة بهذا المطلب وبالنضال من أجل تحقيقه يجعل من المشاركة فيها مشاركة شكلية بل تشريعا للتزوير. كما أن عدم وعي أهمية الوحدة من شأنه أن يترك الدكتاتورية "تفصّل وتخيّط" على مقاسها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني