الصفحة الأساسية > البديل النقابي > ما ينبغي أن يدركه عمال "ماتس" في علاقة بالطرد والتسريح (1)
ما ينبغي أن يدركه عمال "ماتس" في علاقة بالطرد والتسريح (1)
22 شباط (فبراير) 2009

انعكست الأزمة المالية العالمية على عدة قطاعات إنتاج تونسية من أهمها قطاع النسيج والسياحة والمعادن وبالخصوص المعامل المرتبطة بصناعة السيارات مثل "ماتس" METS التي تعد من أهم شركات المعادن والإلكترونيك وتضم 4600 عامل وعاملة اختصت في سوسة بصناعة وتصدير الكابلات الكهربائية الضرورية لسيارات Audi و BMW.

وعرفت هذه الشركة التي أصبحت تسمى في المدة الأخيرة بـ"شركة الكوابل للسيارات بسوسة" SCAS تطورا كبيرا في مستوى الإنتاج والأرباح وتم ذلك على حساب قوت اليد العاملة من أبناء وبنات الطبقات الشعبية المضطهدة الذين ظلوا يكدحون منذ انتصاب الشركة الألمانية الأصل في سنة 1974 في إطار قانون أفريل 1972 في ظروف مهينة ومتدهورة جدا (نظام 40 ساعة، أجور زهيدة غير قادرة على تأمين أدنى المستوى المعيشي والصحي، عدم الترسيم، الحرمان من زي الشغل، عدم اعتبار حوادث الشغل ومنحة الأمومة والساعات الإضافية كعمل فعلي يحتسب في منحة الإنتاج السنوية، الإهمال الطبي والتحرّش الجنسي وتكثيف وتيرة الاستغلال...).

ورغم هذه الظروف المزرية التي خاض فيها العمال والعاملات نضالات مهنية بفضل نقابتهم المناضلة التي تأسست في 2004 (إضراب ديسمبر 2003، إضراب 2005، إضراب بثلاثة أيام: 22 و23 و24 مارس 2006)، فإن العمال "رضاو بالهمّ والهمّ ما رضا بيهم". فقد حطت الأزمة المالية بأوزارها على هذا القطاع المرتبط بالتصدير ووجد العمال أنفسهم وجها لوجه أمام الموجات المتواترة والمتسارعة للتسريح الجماعي الذي بات يهدد الشركة بصورة جدية، خصوصا وأن فروعا جديدة بجهة سليانة والكاف قد انتصبت منذ مدة وهي حاليا في طور الإنتاج، وهذا الأسلوب هو في الواقع غاية في الخبث والمكر الرأسماليين الذي أضحى يتبعه الأعراف الذين ينزعون إلى نقل فروع الإنتاج من جهة لأخرى ومن مدينة إلى مدينة أخرى أو حتى من بلد إلى بلد آخر وهي سياسة الرأسمال المعولم الباحث دوما عن الربح والربح الأقصى والسريع أين اليد العاملة البخسة والتسهيلات الجبائية الأوفر وليس بغاية التوازن الجهوي الذي تروّج له الشركات المتعددة الجنسيات وعملاؤها المحليّون. وما كان ذلك ليتم لو حرصت السلطة التونسية على استقرار المؤسسة وتأمين العيش الكريم لعمالها وعاملاتها. فالأزمة يجب أن يتحملها المتسببون فيها وليس الطبقة العاملة.

وعلى العمال أن يدركوا مدى الترابط العضوي بين الرأسمالي الامبريالي والبرجوازية العميلة المفتقدة لأبسط معايير البرجوازية التقليدية التي شجعت أصحاب الشركات المتعددة الجنسيات بالإعفاءات الضريبية لمدة 5 سنوات. كما لا بد أن يدركوا أيضا بتجربتهم الملموسة أن المناولة التي تهدد عمال "ماتس" اليوم ما كانت لتتم لو وقفت قيادة اتحاد الشغل بكل قوة واقتدار منذ بداية الخصخصة أمام هذه السياسة الشغلية الهشة والموغلة في الاستغلال الوحشي. وكيف لها أن تقف ضدها وأحد رموزها –على سبيل الذكر لا الحصر- الموغل في الفساد والاستغلال وتطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي وهو عمارة العباسي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بقفصة يدير شركة مناولة على قاعدتها يحتسب النيابات الوهمية للأحياء والأموات سويا تحضيرا للمؤتمر القادم للاتحاد الذي بات على الأبواب. فهل حرّكت البيروقراطية النقابية ساكنا حتى برفع الحصانة عنه؟ إنها طبعا ستزكيه ضد إرادة إخوانهم عمال المناجم بالرديف أم العرايس والمتلوي الذين يقبع بعضهم وبعض ممثليهم الأحرار في غياهب سجون القصرين وسيدي بوزيد وقفصة.

هذا ما كان يسعى إلى إدراكه عمال "ماتس" في اجتماعاتهم الأخيرة بالاتحاد الجهوي للشغل بسوسة والذي ضمّ ما يزيد عن 1000 عامل وعاملة غصّت بهم قاعة الاجتماعات وأشرف عليه المكتب التنفيذي والجامعة العامة للمعادن والذي تدخّلت فيه النقابة الأساسية وعبأت قواعدها للتحرك ضد التسريح والطرد التعسفي الذي تعرّض له 600 عامل وعاملة في دفعة واحدة و لم يقع تجديد عقودهم، ثم تلته دفعة ثانية يوم 2 فيفري الجاري تم بموجبها إعلام 15 عامل بالطرد بداية من الشهر القادم وإيقافهم فوريا عن العمل مع تمكينهم من جراية شهر واحد والحال أن لهم أقدمية بين 10 و13 سنة. كما لا يجب أن يغيب عن عمال "ماتس" في مثل هذه الأيام العصيبة هو أنهم يمثلون قوة كبيرة بوحدتهم النقابية التي ينبغي عليها أن تتمثل بعمق وجرأة مطالبهم الأساسية اليوم أكثر من أي وقت مضى، والمتمثلة في:
- إرجاع المطرودين دون قيد أو شرط
- إيقاف تحويل الإنتاج من سوسة إلى جهات أخرى (دون السقوط في الصراعات الجهوية التي تغذيها السلطة ورأس المال الأجنبي).
- تطبيق الاتفاقيات السابقة (اتفاقية 2006 المتعلقة بالترسيم وعقود الشغل ورفض المناولة).

إنه لمن باب زرع الأوهام أن يواصل اليوم النقابيون الصادقون ترك العمال يتخبطون في الاعتقاد بوقوف الاتحاد العام ضد التسريح والطرد التعسفي والخوصصة وكافة قضايا الشغالين. فقيادة الاتحاد المتمثلة في المكتب التنفيذي الوطني والأغلبية الساحقة من المكاتب التنفيذية الجهوية وجل النقابات والجامعات العامة هي الركيزة الأساسية للبيروقراطية النقابية التي أمضت اتفاقيات السلم الاجتماعية والتأمين على المرض والخوصصة والتفريط في القطاعات العمومية ولم تحرّك ملف الطرد التعسفي وطنيا ولم تجنّد حوله القواعد وتركت الحبل على الغارب وصرفت اهتمام الشغالين عن القضايا المصيرية لتهتم بالمعارك الجانبية والتحضير للانقلاب على مؤتمر المنستير والمناورات الانتخابية الممهدة لذلك، وخرّبت العمل النقابي بعقوبات التجريد والتجميد والطرد (مثال ملف الاتحاد الجهوي بتونس) وإمضاء الاتفاقيات من وراء الهياكل الممثلة وقواعدها (آخر مثال هو قطاع التعليم العالي الذي بات يفكر بجدية في بديل النقابات المستقلة). أين صندوق البطالة الذي أقره مؤتمر المنستير؟ أين الحماية الاجتماعية والأخذ بيد أفواج المسرحين؟

إن قيادة الاتحاد الجهوي بسوسة (النقابة الحالية) هي التي فرّطت في عمال couvertex وAMS وSTIP وهي اليوم أمام امتحان صعب قد تفقد فيه توازنها أمام إصرار رأس المال وسلطة الأعراف وتأثير المكتب التنفيذي الوطني، وهي مدعوة لإدراك خطورة المعركة على حاضرها ومستقبلها ومستقبل العمل النقابي بالجهة. وستجد العمالَ وكل النقابيين الصادقين ومجمل مكونات المجتمع المدني إلى جانبها إن هي سبّقت مصالح العمال على مصالحها الانتخابية المخيمة على الأجواء في مثل هذه الأيام وخاضت نضالا عنيدا ضد جشع رأس المال وتسريح العمال وإرجاع المطرودين.

ما ينبغي أن يدركه عمال "ماتس" بالخصوص وغيرهم من العمال هو أن الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على قدرة العمال والعاملات على إدارة معركتهم ووحدة صفهم النقابي وإرادتهم الفولاذية التي يمكن أن يفرضوا بها مطالبهم المهنية على إدارة الشركة المدعومة من السلطة ومن البيروقراطية النقابية. كما لا ينبغي أن يغتروا بمعسول الكلام ولغة المزايدة والهروب بالعمال بالخطابات الرنانة التي يزدهر سوقها في مثل هذه المناسبات، وعوضا عن ذلك يختبرون أصدقاءهم الحقيقيين الذين لهم مصلحة فعلية في تحررهم والذين حزّ في نفوسهم أن تحرمهم البيروقراطية النقابية من احتفالات ذكرى 26 جانفي في نفس اليوم الذي تجمّعوا فيه للاحتجاج على الطرد والتسريح وما ذلك بخاف على كل ذي بصيرة من رغبة جامحة في منع الاختلاط والاحتكاك بالنقابيين الصادقين والمثقفين الثوريين. كان حريّ بالقيادة التي أشرفت على الاجتماع بهم في الصباح وعبأتهم للنضال والتصعيد أن تواصل المشوار في المساء فتطلعهم على تجارب شهداء جانفي المجيد ودروس الصمود البطولي الذي خاضه أسلافهم في جهتهم بالذات ولكنها فضلت التعتيم والتجهيل والمسخ الفعلي للتاريخ النقابي الأصيل.

إن الاتحاد ليس القيادة النقابية فقط ولكنه السواد الأعظم من القواعد التي تربطنا إليه والخط النضالي النير للسبعينات والثمانينات الذي نعمل على استعادته رغم الداء والأعداء، وعمال "ماتس" أولى الناس الذين يجب أن يعرفوا اليوم طبيعة هذا الإطار الذي يختلط فيه الغث بالسمين مع الأسف: فقواعده وهياكله الأساسية والوسطى وأحيانا قياداته من القطاعات المناضلة عموما سليمة، أما أغلبية قياداته المركزية والجهوية فهي بيروقراطية متعفنة أكلها الجهاز الذي يدرّ عليها الامتيازات الخيالية، وكثيرا ما تضطرّ لمسايرة الأحداث تحت الضغط القاعدي وهي الخادم لسلطة الاستبداد. لهذا يطلق النقابيون شعار "اتحاد مستقل والشغيلة هي الكل" كتعبير منهم على الرغبة الجامحــة في الاستقلالية عن سلطة رأس المال والأعراف -وليس على حملة الفكر التحرري والتقدمي- من جهة، والامتثال لقرارات القواعد وتطبيق الديمقراطية الداخلية من جهة ثانية. كما يترجم شعارهم الخصوصي "شغل، حرية، كرامة وطنية" الأبعاد الحقيقية التي تتمحور حولها في "ماتس" كل النضالات الاجتماعية والسياسية الراهنة. فلا كرامة بدون شغل قار ولا شغل بدون حرية!

إن القيام بتحركات ميدانية (اعتصامات، إضرابات...) سوف تبعث الأمل في نفوس المطرودين وتطور وعيهم وتقوي ثقتهم في النضال الذي يجب أن تتنوّع أشكاله وتتصاعد وتيرته من أجل إحراز نتائج ملموسة على الأرض: إعادة المطرودين دون قيد أو شرط وليس تحسين شروط الطرد كما تذهب إلى ذلك السلطة والبيروقراطية، فالطرد واحد في جوهره وإن اختلفت أشكاله إذ هو جرح ينزف، ينام العمال على ألمه ويستفيقون. وما ينتظره عمال "ماتس" اليوم ليس تصنيف المطرودين وعدد جرايات التسبقة على الطرد التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بل وقف نزيف الطرد بحد ذاته والحفاظ على الشغل القار الذي يصون الكرامة ويؤمن الاستقرار الاجتماعي للأسرة، وبصفة عاجلة بعث صندوق للعاطلين عن العمل وبطاقات علاج ونقل مجانيين.. فهل نقدر جميعا، قيادة وقواعد، نقابات ومنخرطين ونشطاء المجتمع المدني، من داخل الاتحاد وخارجه، على رفع التحدي؟



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني