الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > محاولة لتأسيس ثقافة بديلة
ملتقى الأدباء الناشئين بجرجيس:
محاولة لتأسيس ثقافة بديلة
10 كانون الثاني (يناير) 2005

عاشت مدينة جرجيس طيلة أيام 17، 18 و19 ديسمبر المنصرم على وقع "ملتقى الأدباء الناشئين". وما ميّز هذا الملتقى هو البرمجة التي أكدت أن الفعل الثقافي كلما كان بإدارة أناس مشغولين بالهم الثقافي الجاد وكلما تخلّص من هيمنة السلطة وبيروقراطيتها الثقافية ترجم عن مشاغل بيئته وعبّر عن هموم جماهير الشعب وانتزع دوره الريادي التأسيسي الذي يمهد للتحولات الإنسانية والحضارية داخل المجتمع.

في البداية كان اللقاء وديا داخل مقهى حيث اجتمع ثلة من الشباب من جرجيس واقترحوا أن يجعلوا من ملتقى الأدباء الناشئين المحلي والخاص بمدينة جرجيس ملتقى وطنيا يؤسس لتظاهرة ثقافية وطنية على شاكلة مهرجان قليبية إشعاعا وأهمية لكنه يختلف عنه توجها وأهدافا.

البرنامج:

1 – المداخلات العلمية:

افتتح اليومان الأول والثاني بمداخلتين: الأولى أعدها وقدمها الأستاذ الباحث عادل مطيمط وهو أستاذ فلسفة، ساءل من خلالها الشعر وجدوى وجود الشعر اليوم وقد وسمها بـ"لماذا الشعر اليوم؟" في زمن طغت فيه الصورة وعالم الرقميات. وقد وصل به خياله إلى أن العالم قد يكون في المستقبل بقيادة "حكومة افتراضية" حيث لا يدري المرء من سيسيّر العالم. هل في ظل هذا الوضع نحن في حاجة إلى الشعر؟ وهل يمثل الشعر حقا حلا أو ملجأ يمكن أن نحتمي به من شر "حمّالة الدهشة"؟ (أي الصورة المرئية)… وقد كانت مداخلته على درجة من الخطورة في جانبين منها على الأقل، الجانب الأول هو التمشي، حيث عاد بنا إلى مغامرة العقل البشري الأولى وكيف تفاعل وتعامل الإنسان مع الكون، منذ الدهشة البكر أمام الظواهر إلى حدود الرجّة أمام الاستنساخ البشري وحل الشفرة الجينية للإنسان… أما الجانب الثاني فهو الاستنساخ الذي مثّل خطورة سلبية (إن صحّ التعبير) على عكس الأولى. فبعد ساعة من التحليل والتجوال في الفكر الإنساني يخلص بنا السيد عادل مطيمط إلى ضرورة العودة إلى الميتافيزيقا كحل لمواجهة تكلس الواقع، وكأن الشعر هو تهويم في عالم "المثل والخيالات".. أو كأن الحل يكمن في مزيد الإغراق في المثالية والميتافيزيقيا وليس في التركيز على تناقضات الواقع لاستجلاء نقطة الضوء التي ستخرج الإنسانية من نفق الوحشية الرأسمالية النائحة اليوم بكلكلها على العالم، موظفة نتائج الثورة العلمية والتكنولوجية لتكثيف وتائر الاستغلال.

أما اليوم الثاني فقد أثثه القاص والكاتب حبيب الحمدوني (رابطة الكتّاب الأحرار) بمداخلة حول "تجربة حركة الطليعة الأدبية وتأثيرها في الساحة الثقافية التونسية"، فانطلق بتنزيل تجربة الطليعة في إطارها التاريخي –الثقافي-الاجتماعي والسياسي. وبيّن عدم التجانس بين أعضاء الحركة وركّز على مفهوم الطليعة وكل المؤثرات التي طبعت فكر الجماعة وخياراتهم الجمالية. وقد نزّل تجربة حركة الطليعة في "مشروع السلطة" التي كانت تدعو إلى أمة تونسية، لغة وثقافة وسلوكا حضاريا، مرتكزا على "احتضان" محمد مزالي والبشير بن سلامة لروّاد الحركة وفتح جريدة "العمل" ومجلة "الفكر" صفحاتهما لإنتاجاتهم. وفي الحقيقة فقد جانب المحاضر الموضوعية إذ أنه ركز على جانب وأهمل الجانب الآخر. فلئن حصل نوع من التقاطع بين رواد حركة الطليعة وبين المهتمين بالشأن الثقافي في السلطة فإن هذا التقاطع مرتبط بالفترة التي أغرق فيها أولئك في الشكلانية مع العلم أنه حتى في هذه الفترة فقد كان يوجد تمايز بينهم، بين من كانوا يعملون مباشرة في الأطر الثقافية الرسمية وبين من كانوا، واغلبهم من الشعراء، مستقلين عن تلك الأطر ولم ينقطع إنتاجهم عن هموم الواقع حتى وهم يركزون على "الثورة الشكلية". ولكن هذا التقاطع تحول إلى قطيعة في الفترة اللاحقة التي وعى فيها أهم رواد الطليعة في الشعر والنقد خاصة أنه لا ثورة جمالية بمعزل عن ثورة في المضمون. فما كان منهم إلا أن طرحوا السؤال: "ثورة شعرية أم شعري ثوري؟" (عنوان محاضرة ألقاها الشاعر الطاهر الهمامي عام 1972 بنادي الطاهر الحداد الثقافي). وأجابوا عنه بأن جعلوا حركة الطليعة جزءا من الحركة التقدمية الناهضة في البلاد ضد الاستغلال والاضطهاد وصححوا أخطاءهم الماضية.

ومهما يكن من أمر فقد كانت المداخلات العلمية منقوصة في مجملها إلا أنها أثارت نقاشات عديدة داخل قاعة دار الثقافة وتواصلت مساء في المقهى "المقهى الثقافي" بين جموع الحاضرين.

2 – القراءات الشعرية:

قسمت القراءات الشعرية إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى ضمت شعراء لهم تجربة ولهم حضور إعلامي ومجموعات شعرية متداولة في الأسواق. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد الصغيّر أولاد أحمد الذي افتتح الدورة، وقد كان على عجل، فألقى بعض القصائد "الاستعراضية" وانسحب وهو يفكر في أيام محمد البقلوطي الشعرية التي تقام في صفاقس وكذلك الشاعر عبد الحفيظ المختومي الذي شارك في اليوم الاختتامي وراوح في قراءاته بين القصيد المسنود بالأسطورة كمعين للنص وقصائد تتكئ على الخطاب التصعيدي في وجه الواقع المتأزم سياسيا وفكريا.

أما المجموعة الثانية فقد شملت الشعراء الضيوف وأغلبهم طلبة وهم صلاح عيّاد ويسرى فراوس وخالد الهداجي وسمير طعم الله. وقد توزعت قراءاتـهم على الأيام الثلاثة للملتقى فقد شارك صلاح بن عيّاد في اليوم الافتتاحي صحبة أولاد أحمد وخالد الهداجي. وفي اليوم الثاني قرأت الشاعرة يسرى فراوس والشاعر سمير طعم الله، في حين كان الاختتام مراوحة بين الشاعر عبد الحفيظ المختومي والشاعر سمير طعم الله للمرة الثانية بطلب من الحضور.

المجموعة الثالثة ضمت "الشعراء الناشئين" داخـل المسابقة الرسمية وهو الأمر الذي يعد نقيصة الملتقى نظرا للعــدد المحدود للهواة، إذ لم يتجاوز عددهم الأربعة (4) مشاركين توزعت قراءاتهم على اليوم الأول والثاني، وقد كانت قصائدهم مطبوعة بمحدودية اطلاعهم على التجارب الشعرية الحديثة. ولم تتوصل بعد إلى امتلاك ذاتها وطابعها الخاص فهي مزيج بين مرجعيات شعرية عديدة اغلبها من الشعر القديم وهذا مفهوم نظرا إلى أن أغلب المشاركين مازالوا من التلاميذ الذين مثّل البرنامج الدراسي وما أدرج فيه من مختارات شعرية العمود الفقري لتكوينهم الشعري.

3 – المقهى الثقافي:

مثّل "المقهى الثقافي" أهم إضافة على مستوى البرمجة فقد اختار معدّو الملتقى مقهى في وسط المدينة لمواصلة نقاشات كانت بدأت سلفا في دار الثقافة. وكانت النقاشات تدور وسط جموع من رواد المقهى، الأمر الذي خلق حركية من الجدل حول العديد من المواضيع أهمها دور الفن والمثقف والفنان في تطوير وعي المواطن/ المتلقي… وعاد السؤال التقليدي لواجهة النقاش: هل الفن للفن أم الفن للتوعية والتثقيف واستشراف الآتي!؟

لقد تجاوزت النقاشات المجال الثقافي لتدارس واقع البلاد والأزمة الثقافية والاجتماعية الخانقة التي تمر بها وأعزى عدد من المتدخلين، وهم على حق، تردي الوضع الثقافي إلى انعدام الحرية… وقد علق كل الحاضرين تعليقا طريفا مفاده أن الملتقى كان يدور في المقهى وهامش الملتقى كان داخـل دار الثقافة… وهو تعليق له ما يبرره إذ أن المقهى استعاد دوره البنّاء والرئيسي كمكان للجدل والنقاش الجاد حول قضايا البلاد ومشاغل العباد.

ملاحظة

في صلب الموضوع

في محاولة من بعض شباب جرجيس لإرساء تقليد "المقهى الثقافي" بعد أيام من المتقى، ثارت ثائرة الجهات الرسمية في الجهة. ولوضع حد لهذه الظاهرة المقلقة جدا للسلطة، عنّف البوليس الطالب والمناضل في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس منير فلاح الذي ساهم بشكل فعّال في البرمجة والإعداد لهذه الأيام. وقد خلّف له الاعتداء آثارا خطيرة على مستوى الوجه والعين.

قراءات شعرية

نظمت رابطة الكتاب الأحرار يوم 15 ديسمبر 2004 أمسية شعرية بمقر "ألتيير" تولى خلالها الشاعر الطاهر الهمامي قراءة مجموعة من القصائد من ديوانه الجديد: "اسكني يا جراح"



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني