الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها > مكاسب هامة
بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها
مكاسب هامة

لقد غذى الإضراب الذي كان الشكل النضالي المناسب الذي تمليه موازين القوى، الآمال وحرّك طاقات عديدة في مختلف الجهات والقطاعات وميادين النشاط وأخرجها من انكماشها وسلبيّتها فلم تكتف ببيانات المساندة بل بادرت بتكوين لجان وطنية وجهوية وقطاعية تبنّت مطالب المضربين وعملت على تفعيلها ميدانيا فنظمت التجمعات وإضرابات الجوع ودعت إلى الإضراب عن الدراسة وأدرجت بعض القطاعات المهنية (الأساتذة والمعلمون) مطالب المضربين في تحرّكاتها تنديدا بزيارة الوفد الصهيوني لتونس بمناسبة قمة المعلومات. وفي كلمة فقد تقبّل المتتبعون للشأن العام إضراب الجوع بارتياح كبير ورأوا فيه تضحية من المضربين دفاعا عن كرامة التونسيات والتونسيين المهدورة.

ولعلّ من أهم المكاسب المسجلة في خضم هذه الحركة بداية ردم الهوّة التي كانت قائمة، بفعل ضغوط الدكتاتورية وخيانات البيروقراطية النقابية المتتالية، بين الحركة النقابية من جهة والأحزاب والجمعيات والمنظمات المستقلة من جهة أخرى. فقد هبّ النقابيّون منذ الأيام الأولى للإضراب، بأعداد كبيرة، للتّعبير عن مساندتهم للمضربين وللمطالب المشروعة التي رفعوها. ولا ينتمي هؤلاء النقابيون إلى هياكل قاعدية فحسب بل كذلك إلى هياكل قيادية وطنية وجهوية (نقابات وجامعات عامة، اتحادات جهوية...).

ومن المكاسب المسجّلة أيضا تحرّك الجهات واتخاذها العديد من المبادرات التي تتميز بنوع من الاستقلالية حتى وإن كانت تندرج في النطاق العام لحركة الإضراب من حيث دوافعه وأهدافه. وقد أعطت المبادرات المستقلة في الجهات دفعا للحركة بشكل عامّ.

وإلى ذلك فقد استعادت الحركة الشبابية والطلابية منها بالخصوص حيويتها إذ تحركت معظم الكليات والمؤسسات الجامعية الكبرى في مختلف أنحاء البلاد رافعة شعار الحرية السياسية.

كما سجّل المثقفون والجامعيون والمبدعون من كتّاب وشعراء ومسرحيين وفنانين حضورا هاما في الحركة المساندة للمضربين.

وأخيرا وليس آخرا فقد وثّق الإضراب علاقة الهجرة التونسية في أوروبا وأمريكا الشمالية بالبلاد وقضاياها، إذ تحرّك المهاجرون التونسيون في باريس وليون ولندن وبرلين ومونريال وجينيف وأمستردام وروما لا ليساندوا المضربين فحسب بل ليطالبوا كتونسيين بحق شعبهم في الحرية ويذكّروا أنهم طرف فاعل في النضال من أجل تحقيق هذه الحرية.

وقد كسب الإضراب مساندة قوى ديمقراطية وتقدمية في العديد من البلدان العربية والإفريقية والأمريكية اللاتينية والآسوية والأمريكية الشمالية إضافة إلى مساندة كل المنظمات الدولية الكبيرة التي تعنى بحقوق الإنسان وعديد البرلمانيين والشخصيات الديمقراطية في بلدان عديدة (فرنسا، بلجيكا، سويسرا، إيطاليا، ألمانيا...).

وقد أحرج هذا الإضراب وحركة المساندة التي التفّتْ حوله أصدقاء نظام بن علي في واشنطن وباريس والعديد من العواصم الأوروبية الأخرى فلم يجدوا بدّا، تحت ضغط المنظمات الدولية الحقوقية ووسائل الإعلام والرّأي العام ببلدانهم من مطالبة ديبلوماسييهم المعتمدين في تونس بزيارة المضربين ومن توجيه انتقادات لـ"حليفهم" بن علي ودعوته إلى "احترام الحريات وحقوق الإنسان". وقد زاد بن علي أصدقاءه إحراجا بما ارتكبه من حماقات عشية القمة وأثناءها كالاعتداء على الصحافيين الأجانب والنشطاء الحقوقيين التونسيين ومنع انعقاد قمة موازية لمنظمات المجتمع المدني وصنصرة الخطب التي انتقد أصحابها بشكل مباشر أو غير مباشر أوضاع الحريّات في تونس (خطاب رئيس الكنفدرالية السويسرية، خطاب شيرين عبادي المناضلة الحقوقية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل ...) ومنع بعض المشاركين في القمة من دخول تونس (روبار مينار، رئيس جمعية "صحافيون بلا حدود") وقطع خطوط الهاتف والفاكس والمراسلات الإلكترونية لكل النشطاء الحقوقيين التونسيين وغلق عديد مواقع الأنترنيت التابعة لمنظمات حقوقية أو أحزاب أو وسائل إعلام تتعرّض بالنقد للنظام التونسي.

وفي كلمة وجد نظام بن علي نفسه في عزلة دولية متزايدة. وخلافا لما كان يخطط له، فإن القمة التي أرادها فرصة لتلميع صورته في الخارج شكّلت مناسبة لا تعوّض لفضح طبيعته البوليسية الغاشمة. فقد نجح المضربون عن الطعام وحركة المساندة في الداخل والخارج في طرح "القضية التونسية"، قضية الحرية والديمقراطية، بشكل غير مسبوق. ومن الملاحظ أن معظم رؤساء العالم، وخاصة الأوروبيين منهم، لم يحضروا القمة ولم يرسلوا إليها رؤساء حكوماتهم ولا حتى وزراءهم للخارجية بل أرسلوا وفودا ذات تمثيل أدنى حتى لا يظهروا بمظهر المزكّي لما يمارسه نظام بن علي من قمع سياسي.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني