الصفحة الأساسية > البديل العربي > أي مستقبل لحركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي(2)
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان:
أي مستقبل لحركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي(2)
تموز (يوليو) 2007

تناولنا في العدد الماضي من "صوت الشعب" تجربة بعض بلدان أوروبا الشرقية والتجربة التونسية (هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات) اللتين أدرجتا في جدول أعمال ندوة القاهرة التي نظمها "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" حول مستقبل حركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي (19-20 ماي 202). ونتناول في هذه الحلقة الثانية تجربة "إعلان دمشق" السورية.

منع النظام السوري ثلاث شخصيات كان من المقرر أن تشارك في ندوة القاهرة من مغادرة البلاد لذلك اقتصرت المشاركة السورية على شخصيات من المهجر قدمت الورقات التي كان من المفروض أن يقدمها الممنوعون من السفر. كما تولى التعقيب على هذه الورقات التقييمية المثقف السوري المعروف برهان غليون.

"إعلان دمشق" (وهو ليس "ربيع دمشق" 2000-2001، ولا "إعلان دمشق بيروت 2005") هو تجمع ضمّ لأول مرة أوسع "ائتلاف"، عرب، وأكراد، علمانيون، إسلاميون، يساريون، قوميون، ليبراليون، منتظمين وغير منتظمين، كلهم تجمعوا حول "ضرورة التغيير الجذري بالبلاد ورفض كل أشكال الإصلاحات الترقيعية أو الجزئية أو الالتفافية"، وقد وقعت ترجمة ذلك في مطالب "الديمقراطية" و"الدولة الحديثة" و"إلغاء كل أشكال الاستثناء" و"إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين" و"عودة جميع الملاحقين والمنفيين قسرا وطوعا عودة كريمة آمنة بضمانات قانونية" و"إطلاق الحريات العامة". كما تجمّع الموقعون حول "العناية بمسألة الأقليات" وحقوقها المشروعة على "قاعدة وحدة سورية أرضا وشعبا" وحول "رفض التغيير الذي يأتي محمولا من الخارج".

وقد صدر هذا الإعلان يوم 16 أكتوبر 2005 أي ثلاثة أيام قبل صدور تقرير "ميليس" رئيس لجنة التحقيق الدولية الأول في قضية اغتيال رفيق الحريري، وبرر الموقعون اختيار هذا التاريخ برغبتهم في اجتناب اتهامهم بالتواطؤ مع الخارج لو أنهم أصدروا البيان بعد صدور التقرير الذي كان من المتوقع أن يدان فيه النظام السوري الذيكان موضوع "ضغوط دولية شديدة"، وهو ما خلق شعورا لدى أصحاب "إعلان دمشق" أن عمر النظام ربما يقدّر بالأسابيع والشهور، لذلك تحدث الإعلان عن "مهمة إنقاذية". وبعبارة أخرى فإن المعنيين كانوا يتصورون أن النظام البعثي في سوريا على وشك السقوط وأن ذلك سيترك فراغا كبيرا ينبغي ملؤه اجتنابا للفوضى التي يمكن أن تحدث.

لقي البيان تأييدا من جماعة "الإخوان المسلمين" و"حزب العمل الشيوعي" و"المنظمة الآشورية الديمقراطية"، وقد أرفق التنظيمان الأخيران تأييدهما للإعلان بتحفظات. وقوبل الإعلان بالنقد من بعض القوى السياسية التي رأت فيه إعلانا ليبراليا وغير واضح في علاقة بالهيمنة الأمريكية. كما اعتبره بعض المثقفين "إعلانا طائفيا" بناء على فقرة تقول "الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب". والحال أنه لا مجال للحديث عن أكثرية وأقلية في مجال العقيدة وفي وثيقة سياسية، فالجميع في العقيدة متساوون ولا تفضيل لأغلبية على حساب أقلية. أما السلطة فقد قابلت الإعلان بالرفض وسعت مباشرة إلى الضغط على الموقعين والمؤيدين وتفكيك صفوفهم.

تلك هي على العموم الخطوط الأساسية للإعلان. أما التطورات التي لحقته فلم تكن لصالح أصحابه. وأكدت الورقات التقييمية المقدمة كما أكد برهان غليون في تعليقه أن جملة من العوامل حكمت على إعلان دمشق بالتعثر وجعلته يُضعف عمل المعارضة عوض أن يقوّيه. ويمكن حوصلة هذه العوامل في ثلاثة، أولا: توقيت المبادرة، فإصدار الإعلان ثلاثة أيام قبل تقديم تقرير ميليس سهّل ربطه بالمشاريع الأمريكية في المنطقة واتهام أصحـــابه بـ"التواطؤ مع الخارج" رغم تأكيدهم "رفض التغيير القادم من الخارج حتى وإن كان تعويلهم على "الأجنة الأجنبية" أمام الصعوبات الداخلية ليس خافيا. ثانيا: الاعتقاد بأن نظام الحكم على وشك السقوط، وهو اعتقاد خاطئ خصوصا وأن الظروف الإقليمية سرعان ما تغيرت لفائدة هذا النظام (تفاقم صعوبات المحتل الأمريكي في العراق وصعود احمدي نجاد في إيران والأزمة "النووية" مع الولايات المتحدة) الذي أصبحت مساعدته مرجوة لمساعدة الأمريكيين على الخروج من المستنقع العراقي. لذلك فما أن خف الضغط على النظام السوري حتى عاد من جديد لتشديد قبضته على الوضع في البلاد. ثالثا: افتقاد أصحاب الإعلان لقاعدة اجتماعية واسعة. فالملتفون حوله، هم في الأساس نخبة مثقفة ليست لها جذور شعبية قوية وخبرة في العمل السياسي. أضف إلى ذلك أن صفوفهم سرعان ما دبّ فيها الخلاف خصوصا بعد إعلان "الإخوان المسلمين" تكوين "جبهة إنقاذ" مع أحد رموز النظام الذي انشق عنه بعد 30 سنة من خدمته وهو عبد الحليم خدام.

هذه العوامل الثلاثة أضعفت "الإعلان" وحولته من "إطار للتغيير" إلى إطار لـ"التنسيق" لم يتعد نشاطه بعض الاعتصامات التي لم تجمع سوى نفر قليل من النشطاء ولم تسترع اهتمام عموم الشعب السوري. وتختم إحدى الورقات تقييمها لـ"الإعلان" بالقول:" كان إعلان دمشق دفقة حيوية وحرية في بلد تعرض مجتمعه لقسوة رهيبة طوال عقود. مثـّل الإعلان أفضل ما لدى السوريين من إرادة تحرر وإبداع وحب لبلدهم. ووقفت في وجهه وأعاقت تطوره أسوأ مصاعبهم وأشد أمراضهم استعصاء على المعالجة. فإذا كانت قطاعات مهمة منهم قد توافقت على الائتلاف حول تلك الوثيقة، فإن لا شيء يمنع أن يطوروا في أيام مقبلة أفكارا أصيلة وأشكال تعاون مبتكرة لمستقبل ديمقراطي لسورية". (ياسين الحاج صالح. كاتب وباحث سوري). أما برهان غليون فقد استخلص أن الديمقراطية ليست مسألة "ضربة حظ" أو "انقلاب سياسي" بل هي بناء يومي يقتضي مقرطة الفكر والإنسان والمجتمع، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه لا تغيير ديمقراطيا من الخارج، بل لا يكون إلا من الداخل إذ أن التغيير الديمقراطي في حاجة إلى قوى اجتماعية داخلية تحمله، حتى وإن كان للعامل الجيوستراتيجي تأثير، والمقصود هنا، أن العدوانات الامبريالية في المنطقة تمثل أهم معرقل للتحولات الديمقراطية وهو ما يستوجب مقاومتها لفتح الطريق أمام هذه التحولات.

وعلى إثر عرض الورقات والتعقيبات أعطيت الكلمة للحاضرين، فتعلقت مداخلاتهم وأسئلتهم حول علاقة المسألة الديمقراطية بالمسألة الوطنية والنضال المحلي بالظروف الإقليمية والدولية وخلص الجميع إلى أنه لا تعويل على القوى الأجنبية لإحلال الديمقراطية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني