الصفحة الأساسية > البديل الوطني > وحدة العمال هي الضامن الوحيد لقوتهم
تدهور الوضع الاجتماعي في سوسة:
وحدة العمال هي الضامن الوحيد لقوتهم
تموز (يوليو) 2007

تشهد جهة سوسة منذ مدة حراكا اجتماعيا مرده التدهور الحاصل في أوضاع عديد المؤسسات العمالية التي أتت عليها الخوصصة كليا أو جزئيا أو هي مهددة في مستقبلها المنظور بهذه "الآفة" الزاحفة على الأخضر واليابس.

ويشمل هذا التدهور مؤسسة "ستيب" (الشركة التونسية لصناعة العجلات المطاطية) التي تعرضنا لأوضاعها في العدد الفارط من "صوت الشعب"، فقد وقفنا على الطرد الجماعي الذي شمل 206 من خيرة عمالها منذ غرة ماي الفارط وشهّرنا بتواطؤ النقابة الأساسية وأحد أعضاء المكتب التنفيذي الجهوي وجامعة المواد الكيماوية وساندنا الاعتصامات وإضرابات الجوع التي شنها العمال المطرودون في سوسة وتونس، علما وأنه إلى حد الآن لم يقع التوصل إلى حل معضلة المطرودين.

كما يشمل التدهور المذكور مؤسسة "ﭭـودان" للنسيج التي أطرد عضو نقابتها الأساسية ثم وقع إرجاعه تحت ضغط الاحتجاجات والإضرابات. يضاف إلى ذلك التحركات التي عرفتها مؤسسة "ماتس" METS للكهرباء والتقنية التي استفحل فيها الاستغلال الجشع لرأس المال في شكل الساعات الإضافية (12 ساعة) أرهقت العمال والعاملات وامتصت دماءهم مما أدى إلى وفاة العاملة كريمة الغضباني تحت ضغط العمل المضني والمتسبب في الانهيار الصحي فوقعت ضحية حادث مرور وهي في طريقها إلى منزلها.

وعلاوة على الاستغلال الفاحش لقوة العمل تراجعت ظروف الشغل إلى درجة كبيرة جدا (زي الشغل، ترسيم، تصنيف، مناولة، ترقيات...) مما حدا بالنقابة الأساسية للتلويح بإضراب بـ3 أيام ابتداء من يوم 25 جوان.

وأخيرا وليس آخرا يشمل التدهور الاجتماعي للمؤسسات معامل النسيج بالقلعة الكبرى "صوتيفاكو" وبالقلعة الصغرى "إي. تي. سي"UTC إذ بلغ الاستغلال حد الحرمان من أبسط الحقــوق كعدم التصريح على الأجر والحرمان من ساعة الرضاعة للنساء المرضعات وعدم التمتع بمنحة الإنتاج وعدم وجود حتى اللجان الاستشارية ناهيك عن ضرب العمل النقابي وعدم تطبيق الاتفاقيات المبرمة.

وإذا كنا لا نستغرب ما يقوم به الأعراف ومديرو هذه المؤسسات من تعدّ سافر على حق الشغل ودهورة ظروف العمل والرفع من وتيرة الاستغلال على حساب قوة وصحة العمال والعاملات فالشيء من مأتى رأس المال لا يستغرب، فإن ما نستغربه بالفعل هو دور الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد الجهوي في إيقاف أو فرض التراجع على قطار الخوصصة. إذ لا يكفي أن يطلق القادة النقابيون الخطابات الحماسية ضد الخوصصة بل المطلوب هو الأعمال الملموسة والإجراءات الفعلية على الأرض.

إن الاحتماء بالتبريرات الواهية، كالقول بأن الخوصصة ظاهرة عالمية لا مفر منها، أو ما نقدر على فعله هو تحسين شروط التسريح أو إعادة النظر في مقاييس الطرد أو "لا للخوصصة العشوائية"... كلها تسويقات للقبول بـ"التفويت" والطرد الجماعي للعمال، فمتى كان مطلب العمال هو تحسين شروط الطرد؟ إن مطلب العمال والإطارات النقابية الصادقة هو الدفاع بكل قوة عن الحق غير القابل للتصرف في الشغل ومن ثمة البحث عن الوسائل والآليات الكفيلة بذلك ولا نظن أن الوسائل والآليات تخون الاتحاد العام أو حتى الاتحاد الجهوي في قضية الحال.

إن أفواجا من العمال والعاملات يشتركون في "كسكروتات" وعلب سجائر، يطوفون الشوارع تلفظهم الإدارات ليبيتوا على "الكرادن" في بطحاء محمد علي هي إهانة للذات البشرية وللنقابيين عموما وللاتحاد العام وهو ما حصل فعلا لعمال "ستيب" الذين قاربوا الشهرين من الطرد التعسفي، والاتحاد العام يراوح مكانه ليسلمهم مصاريف تنقلهم ليغربوا عن وجوه قيادييه الممتطين للسيارات الفخمة والذين يستعدون للمصيف.

إن سلوك الأعراف وأصحاب رأس المـــال وسلطة الاستغلال والاضطهاد الطبقي ليس مستغربا في مثل هذه الأوضاع ذات الموازين المختلة، وما هو مستغرب فعلا هو الكيل بمكيالين تجاه القطاعات والمؤسسات والنقابات وهو ضرب من ضروب الانتهازية النقابية التي تقدّم المساندة لعمال هذه الشركة أو تلك، لهذا القطاع أو ذاك، حسب وزنه الانتخابي وكتلته النيابية ودرجة ولائه من عدمه في المؤتمرات النقابية. وإذا كانت معظم المؤسسات العمالية مهددة بالخوصصة والتفويت وتسريح العمال فلماذا يقع عزلها عن بعضها البعض ما دامت تعيش نفس الأوضاع وتنتظرها نفس المآسي؟ أليست وحدة العمال هي الضامن الوحيد لقوتهم وقوة الاتحاد من ورائهم؟ هل مازال من يشكك في شعار "يا عمال العالم اتحدوا" بعد اليوم؟ إذا كانت "بيروقراطيتنا" النقابية غير قادرة على هضم هذا الشعار فلتعمل على الأقل على تطبيقه في البلد الواحد ! وتوحّد القطاعات المهددة بالخوصصة في أشكال نضال موحدة (تجمعات، إضرابات...). ما نراه هو العكس تماما: عزل القطاعات بعضها عن بعض، أي تقوية الحدود المصطنعة بين القطاعات العمالية وغير العمالية وعزل القطاعات المناضلة (تعليم، بريد، صحة...) عن غيرها من القطاعات متوسطة أو محدودة الوعي مع العمل بكل قوة على عدم إنجاز الإضرابات المشتركة أو المتزامنة أو حتى المتقاربة بهدف عدم إزعاج "القصر لملكي في قرطاج".

صحيح أنه تظهر هنا وهناك بعض المحاولات الاحتجاجية المشتركة تحت ضغط القواعد العمالية والنقابية ولكنها ضعيفة ومحدودة التأثير وتخضع أحيانا للحسابات البيروقراطية الضيقة: أي لشقوق منها على حساب شقوق أخرى، أو لغايات انتخابية أو لإيصال رسائل متعددة مشفرة لهذا الطرف أو ذاك. وما حدث في تجمع 16 ماي بسوسة يندرج في هذا السياق. لقد تجمّع عمال "ستيب"STIP تزامنا مع اجتماع مسبق لعمال "ماتس"METS مع عمال "قودان"GOUDON في وقفة تضامنية لا تخلو من الرسائل المتعددة الاتجاهات وتطرح العديد من التساؤلات: لماذا لم ينظم المكتب التنفيذي تجمعا أكبر وأوسع وأشمل؟ ولماذا لم يوسّع الإعلام؟ ولماذا لم تحضر القطاعات المناضلة كالتعليم والصحة والبريد؟ وهل كان للتجمع العمالي أن يقع لولا هجوم عصابة النوري رويس على مقر الاتحاد ومحاصرة أعضاء من المكتب التنفيذي فيه؟ أما في جهة القصرين فإن الهجمة كانت أشرس إذ هاجمت قوات البوليس النقابيين في عقر دارهم وأشبعتهم ضربا وتنكيلا ومع ذلك لم تحرك بعض العناصر القيادية في المكتب التنفيذي.

إن الاتحاد الجهوي بسوسة له من الثقل التاريخي ومن كثافة المنخرطين ووجود طاقات نقابية مناضلة بما يمكنه من لعب دور أكبر في قيادة التحركات العمالية، لكنه لا يستثمر هذه الميزات التي لا تتوفر لغيره من الاتحادات الأخرى. وما ينتظره نقابيو الجهة من قيادتهم الجهوية هو مزيد الإشعاع وتحمّل المسؤولية كاملة والدفاع عن المؤسسات المهددة بالتفويت والوقوف بدون حسابات مع المطرودين من "ستيب" و"ماتس" و"قودان". وبرمجة التحركات هي نقاط إيجابية يجب دعمها وتطويرها. وإذا كنا ننقد بعض الممارسات البيروقراطية داخل الاتحاد فإننا على استعداد دائم للذود عنه ورد الأعداء الداخليين والخارجيين بعيدا عن الولاءات والحسابات الضيقة على خلاف "المداحين" و"المزايدين بأنشودة" المقاومة والمادّين أيديهم للدكتاتورية سرا وعلنا.

ع.ب.س



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني