الصفحة الأساسية > البديل النقابي > ليكن صيفا أستاذيا قائظا
ليكن صيفا أستاذيا قائظا
تموز (يوليو) 2007

بدعوة من النقابة العامة للتعليم الثانوي، أضرب أساتذة التعليم الثانوي المشاركون في إصلاح اختبارات الباكالوريا لمدة ساعتين (من العاشرة إلى منتصف النهار) بمراكز الإصلاح الجهوية احتجاجا على المنشور الصادر عن وزارة الإشراف يوم 16 ماي المنقضي والمتضمن لقرار مراجعة التوقيت الأسبوعي والضوارب للمواد الاجتماعية والإنسانية واللغات بالنسبة للباكالوريا ابتداء من مفتتح السنة الدراسية المقبلة. والوزارة بهذا القرار تتراجع عما اتخذته من "توجه" لدعم المواد المذكورة في شهر سبتمبر 2004 المزمع الشروع في تنفيذه في بداية العام الدراسي القادم. وبتمعننا في هذا المنشور الأخير نجد مثلا أن مادة الفلسفة هي المتضرر الأول من هذه المراجعة. فإن كان تم تعميم تدريسها هذا العام للسنوات الثالثة من جميع الشعب (3 ساعات للآداب وساعة واحدة للبقية) فإن الاكتفاء بـ5 ساعات عوض عن 7 في الباكالوريا آداب والاكتفاء بـ3 عوض 4 في الشعب العلمية مع مراجعة الضارب من 2 (شعبة الاقتصاد والتصرف) و1،5 (بقية الشعب العلمية) على ضارب 1 في جميعها، يعدّ من قبيل الضربة القاضية لهذه المادة التي ظلت تعتبر مقياسا لمدى احتكام أي نظام تربوي إلى العقل والتفكير الحر والنقدي. كما يعتبر الاستغناء عن مادة الجغرافيا كمادة اختيارية في الشعب العلمية تكريسا لنفس التوجه الذي يود نسف كل مساحة يمكن أن يتلقى من خلالها التلميذ فرصة للتفكير في ما يدور حوله مباشرة من واقع اقتصادي واجتماعي وثقافي، عالمي أو محلي والاكتفاء بتوجيه اهتمامه نحو مواد "اختصاصية" تنحو نحو التربية أو التلقين وحفظ القواعد. ويتزامن كل هذا مع مراجعة محتويات المواد (فلسفة، تاريخ، جغرافيا، تربية مدنية، تفكير إسلامي...) بما يلائم انخراط نظام الحكم القائم في التوجهات الرجعية العالمية وبما يؤكد خضوعه لإملاءات أسياده الامبرياليين الذين أمروه بمعية الأنظمة التابعة الأخرى بمراجعة برامج التعليم بما "ينفي عنها ما يمكن أن يساهم ولو من بعيد فــي إنتاج الإرهاب والكراهية والتعصب والتطرف.." ضمن الرؤية الامبريالية للمنطقة العربية التي لن يكتب لها النجاح إلا بإعادة تركيب عقول الناشئة وهندسة ثقافتهم ورؤيتهم للعالم وتكييف مزاجهم وميولاتهم نحو ما يسمى بقيم "التسامح" و"الحوار"... التي هي كلمات مشفرة لمعاني التطبيع والمهادنة والخضوع والتبعية والإيمان التلقائي بقدرة الآخر (الامبريالي) ونموذجية ثقافته واقتصاده وقيمه وتاريخه وسياسته وأفعاله وأقواله... وسخافة الأنا وضمورها وتخلفها وبالتالي حتمية تأهيلها وإعادة صناعتها من جديد، ضمن هذا اختفت من البرامج الرسمية الجديدة ألفاظ "الصراع" و"الحق" و"الشرعية" و"الهوية" و"الخصوصية"... كما انتفت معاني التحرر والكفاح والنضال و"الجهاد" وكل ما يفهم منه كونه دعوة للعنف والتعصب حسب المنظار الامبريالي ليقع التركيز على معاني التواصل مع الآخر المقصود به فعليا الخضوع للآخر (المستعمر والغاصب).

أما وضع اللغات فهو ليس أفضل حالا. فبعد "استبشار" البعض بتعميم مادة العربية على كافة الشعب و"الاعتراف أخيرا بكونها اللغة الأم" ثم تأتي من بعدها "اللغات الحية" وهي الفرنسية والإنجليزية أساسا (وبعض اللغات الاختيارية الأخرى كالألمانية والإيطالية..)، ها هو الأمل يتلاشى بإقرار مساواة ساعات التدريس بين اللغات الثلاث (العربية والفرنسية والإنجليزية) وذلك بمقدار 5 ساعات في الأسبوع لكل منها ومساواة ضاربها (3 في الآداب و1.5 في الشعب العلمية) وهو قرار له أكثر من مغزى ودلالة.

إن منشور 16 ماي الذي صدر في توقيت حساس من العام الدراسي إذ أن أغلب إطار التدريس لم يعلم به، كما أنه صدر يومين بعد إمضاء الاتفاق/ المهزلة بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة الإشراف يوم 14 ماي، جاء ليؤكد إمعان وزارة التربية والتكوين في سياسة تحدي الإطار التربوي وتجاوزه بفرض الأمر الواقع عملا بالمثل الشعبي "اشرب وإلا طيّر قرنك" وهو أمر ما كان له أن يكون لو كانت الأطر النقابية لقطاع التعليم الثانوي أكثر ثباتا ومبدئية وكفاحية.

إن الاتفاقيتين اللتين عقدتهما النقابة العامة للتعليم الثانوي (17 أكتوبر 2006 و14 ماي 2007) خليقتين بنقابة مساهمة لا نقابة تدعي أنها مناضلة. فقد كبلت الوزارة –والنقابة- من خلالهما إرادة القطاع المستهدف اليوم أكثر من أي وقت مضى بالمناشير والأوامر التي تستهدف الدور التربوي للأستاذ فضلا عن وضعه المادي المتردي.

إنه لا خيار اليوم أمام هذا القطاع المناضل إلا تحمّل مسؤوليته النضالية كاملة في الدفاع عن المدرسة العمومية والثقافة الوطنية. وأول الخطى هو تصحيح الوضع النقابي المترهل وأساسا هياكل التسيير ولعل المجلس الوطني القطاعي الذي تنادي به أغلب القواعد والأطر النقابية هو أحد المناسبات التي يجب أن لا يفوّتها الأساتذة كي يتباينوا مع قيادتهم المضطربة والمخيبة للآمال والتي آن الأوان كي تعترف بأدائها المرتبك وخطها الانتهازي المهادن للبيروقراطية والخاضع للحسابات الفئوية والحزبية الضيقة، عندها يمكن للمجلس الوطني إعادة الأمور إلى نصابها ووضع خطة عملية نضالية ضمن مسار نقابي تصاعدي يعيد للهياكل دورها المفقود وللقواعد ثقتها المهزوزة وللممارسة الديمقراطية مكانها، وعندها فقط يمكن إعادة النظر في نوعية المطالب ودرجة أهميتها وأولويتها وحشد الطاقات لفرضها أو حلحلتها دون التخلي عنها أو تمييعها مثلما هو الشأن بالنسبة للقانون الأساسي وحفظ سن التقاعد.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني