الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الأمين العام لـ"الوحدوي" يتعرض للاعتداء
الأمين العام لـ"الوحدوي" يتعرض للاعتداء
21 أيلول (سبتمبر) 2003

تعرض الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوي السيد عبد الرحمان التليلي، صبيحة يوم الاربعاء 27 أوت لاعتداء بالعنف أمام منزل والدته بالمنزه الأول بتونس العاصمة. وحسب المعطيات التي استقتها "صوت الشعب" فإن التليلي غادر في صبيحة ذلك اليوم منزل أحد معارفه بـ"البحيرة". وما ان امتطى سيارته وانطلق حتى لاحظ وجود ثلاث سيارات تلاحقه، كل واحدة منها يركبها ثلاثة أشخاص. وقد كانت اثنتان من السيارات تحملان الصفيحة الزرقاء وهي علامة سيارات الكراء. ولما سألهم المعني عن هويتهم أجابوه بأنهم "أعوان أمن مكلفون بمراقبته لحمايته". فرد عليهم بأنه ليس في حاجة إلى الحماية. وواصل طريقه نحو منزل والدته بنهج المعز بالمنزه الأول ترافقه السيارات الثلاث. ولما وصل إلى مقصده نزل من سيارته وأغلق أبوابها. ولما هم بالدخول حصل عليه الاعتداء فسقط مغشيا عليه. ولم يسترد وعيه إلا بالمصحة حيث تبين أنه أصيب في عينه اليسرى (كدمة كبيرة) وفي ناظره الأيسر (جرح كبير استوجب 4أو5 "غرز"). وقد احتفظ الأطباء بالتليلي تحت المراقبة لمدة أيام، مع العلم أن المعتدين استولوا على محفظته وعلى مجموعة من الوثائق من داخل سيارته.

وبطبيعة الحال لازمت السلط الصمت حيال الاعتداء. ولكنها أوعزت إلى الصحافة المأجورة بنشر رواية تهدف إلى إبعاد الشبهة عن البوليس وعن السلطة، وإرجاع أسباب ما حصل إلى "اضطراب المسار المهني والعائلي للمعني وإلى الخلاف في حزبه..." وهو نفس الأسلوب الذي اعتمد في اعتداءات سابقة كذلك الذي استهدف سنة 2000 الصحفي السابق رياض بن فضل الذي تعرض لطلق ناري كان من الممكن أن يودي بحياته، بسبب نشره مقالا بصحيفة "لوموند" الفرنسية أثار فيه موضوع الانتخابات الرئاسية لعام 2004. وقد سارعت وقتها وكالة الأنباء الرسمية بترويج أن المعني حاول الانتحار أسبوعا قبل زفافه.

ومهما كانت الدوافع الكامنة وراء الاعتداء على التليلي (صراع كتل داخل القصر، أسباب مالية...)، فإننا في "صوت الشعب" لا يسعنا إلا أن ندين هذا الاعتداء الذي نرى فيه مؤشرا إضافيا لتعفن الوضع السياسي بالبلاد ونزوع الطغمة النوفمبرية المتزايد إلى ممارسة العنف الهمجي على معارضيها وخصومها وحتى على المقربين منها (التليلي أحد هؤلاء المقربين الذي خدم بن علي باستمرار) الذين يبدون في ظرف من الظروف أو لسبب من الأسباب تململا أو يعبرون ولو بطرق غير علنية عن تذمر من سلوك أو موقف ما أو أنهم بكل بساطة يشك في ولائهم. وفي الحقيقة ما هذه الممارسة إلا مقدمة لما هو أخطر أي للتصفيات الجسدية. فكلما تعمقت أزمة الدكتاتورية إلا وجنحت للمزيد من العنف الهمجي دفاعا عن مصالحها أو بالأحرى مصالح الكتلة المهيمنة داخلها.

على هذا الأساس وبقطع النظر عن شخص الضحية هذه المرة وعن تقويم سلوكه السياسي وعلاقاته بالسلطة والأسباب الخفية التي دفعت القصر إلى "تأديبه"، فإن الديمقراطيين مدعوون إلى التشهير بهذه الممارسات والتحذير من عواقبها الخطيرة لأتهم هم والحركة الشعبية المستهدفون أكثر من غيرهم للاعتداءات ولمخاطر التصفية. إن منطق التشفي في التليلي لسلوكه السياسي لا يخدم إلا الدكتاتورية النوفمبرية التي ما من شك في أنها قد وضعت في حسبانها هذا العامل عند التخطيط للاعتداء عليه، تماما مثلما فعلت في عام 1995 عندما أوقفت رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين محمد مواعدة الذي حالفها لمدة سنوات قبل أن يوجه رسالة نقدية إلى بن علي حول الوضع العام بالبلاد. ولكن الحركة الديمقراطية كانت خيبت آمال السلطة وقتها ونددت باعتقال مواعدة بتهم مفتعلة. وها هي اليوم بعد الاعتداء على التليلي، بصدد إعداد "ملف" أو ربما "ملفات" له حول التصرف في أموال الشركات التي عينه بن علي على رأسها بهدف الزج به في السجن بتهم سوء التصرف والاختلاس. وهو ما تم فعلا يوم الاربعاء17 سبتمبر. وبطبيعة الحال فنحن لا ننزه التليلـي ولكننا نرفض منطق تصفية الحسابات بمثل هذه الطرق: فكلما غضب بن علي على أحد المقربين منه لسبب من الأسباب إلا واستخدم البوليس والإدارة والقضاء ضده لإعداد ملف له والزج به في السجن لـ"تأديبه" وتخويف غيره من مغبة "الخروج عن الصف". إن مختلف أجهزة الدولة قد حولتها الطغمة النوفمبرية إلى أدوات خاصة لحماية "العائلة المالكة" والدفاع عن مصالحها غير المشروعة والتنكيل بخصومها وبمن لا ترضى عليهم وبالشعب عامة الذي يرزح تحت نير القمع والاضطهاد.

إن مقاومة سوء التصرف والفساد عامة لا تتم بمثل هذه الطرق. فالفساد ظاهرة عامة في بلادنا. والضالعون فيه هم أساسا أفراد "العائلة الحاكمة" وهو أمر أصبح يعرفه القاصي والداني. وحتى عبد الرحمان التليلي، من عينه على رأس مختلف الشركات التي أدارها؟ أليس هو بن علي؟ فلماذا لم يتفطن إلى أنه يسيئ التصرف إلا في اللحظة التي حصلت فيها بينهما "مشاكل" (سياسية أو مالية أو غيرها...) ؟

إن مقاومة الفساد لن يكتب لها النجاح في تونس إلا بتعبئة شعبية عامة تؤدي إلى فرض المحاسبة على كل أصحاب الثروات غير المشروعة بدءا بأفراد "العائلة المالكة" وفقا لمبدإ "من أين لك هذا؟"، بل إن وضع حد لظاهرة الفساد بشكل جدي وعميق يبقى مقرونا بالقضاء على الدكتاتورية البوليسية، لأن الفساد هو لازمتها التي لا تفارقها. وعلى هذا الأساس على الرأي العام أن لا ينخدع ببعض شطحات الدكتاتورية النوفمبرية كالتي تفعلها الآن مع التليلي بل إن المصلحة كل المصلحة في الضغط على السلطة لفتح تحقيق حول الاعتداء على هذا الأخير، وإيقاف الجناة والكشف عن الجهة أو الجهاز الذي ينتمون إليه، خصوصا أن بعض الأجهزة أصبحت تعمل منذ مدة دون دراية حتى من وزير الداخلية على ما يبدو (جهاز الأمن الرئاسي مثلا الذي نفذ عدة عمليات ضد معارضين أو خصوما) ومن ثمة محاسبتهم ومحاسبة من أعطاهم الأمر ووضع حد لمسلسل الاعتداءات المتفاقمة قبل أن تتخذ منعرجا أخطر.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني