الصفحة الأساسية > البديل النقابي > الانتخابات في المنظمات الجماهيرية
الانتخابات في المنظمات الجماهيرية
13 أيلول (سبتمبر) 2004

أثارت انتخابات تجديد الهياكل النقابية بالاتحاد العام التونسي للشغل وكذلك هياكل الاتحاد العام لطلبة تونس وبعض المنظمات الحقوقية والثقافية عدة نقاشات وصراعات محورها من جهة التمثيل الديمقراطي ومن جهة أخرى التحالفات بين مختلف التيارات المتواجدة في تلك الهياكل. ومن المواقف التي برزت خلال تلك النقاشات والصراعات، وهي في الحقيقة مواقف قديمة-جديدة، لجوء بعض الأطراف الانتهازية إلى الابتزاز. فهي تطالب مثلا بمقاعد في الهيكل المعني يفوق عددها حجم تمثيليتها الفعلية، وتهدد في صورة عدم تلبية مطالبها بتكسير الصف الديمقراطي، فاتحة الباب أمام صعود عناصر رجعية تابعة للسلطة أو الإدارة. كما توجد أطراف أخرى تسعى، باسم ضرب "الهيمنة" إلى تقزيم الطرف الأكثر تمثيلية قاعديا ومطالبته بتنازلات لا مبرر لها لأطراف لا وزن لها. وأخيرا وليس آخرا توجد نزعة أخرى تسعى باسم "الوفاق" إلى تمثيل "الجميع" في الهيكل المعني، باسم ضرورة "وجود كل الحساسيات" حتى لو أدى ذلك إلى وضع الضحية إلى جانب الجلاد. وسنحاول في هذا المقال توضيح موقفنا من هذه المسألة آملين أن يثير ذلك النقاش لدى قراء "صوت الشعب".

إن إفراز القيادات في المنظمات النقابية أو المهنية سواء كان ذلك على مستوى الهياكل القاعدية أو الوسطى أو العليا يمكن أن يتم وفقا لطريقتين: الأولى تتمثل في تنافس قائمات مختلفة أو مرشحين عديدين على المقاعد المخصصة للهيكل المعني ويكون الفوز للذين يحرزون على أغلبية الأصوات. طريقة الأغلبية. والثانية طريقة الوفاق عندما يتعلق الأمر بأطراف متقاربة مع بعضها تتفق على ما يسمى بقائمة وفاق فتزكيها القواعد عن طريق الاقترااع. والجدير بالذكر أن الوفاق هنا لا يعني جمع "الضحية مع الجلاد" لأن ذلك يعتبر "وفاقا" انتهازيا. فالوفاق الطبقي ليس الديمقراطية، وهو تمثيلية شكلية وليس تمثيلية ديمقراطية والمستفيد منها ليس الجماهير وإنما القوى الرجعية والانتهازية.

إن القوى الثورية والتقدمية في أي منظمة من المنظمات تخوض الانتخابات في قائمتها المستقلة كلما أتيحت لها إمكانية المشاركة ومواجهة القوى الرجعية والانتهازية على أرضية نضالية واضحة مناسبة للمجال الذي تعمل فيه. وعندما تعقد القوى الثورية اتفاقات أو تحالفات تراها ضرورية تقدم بالقضية التي تناضل من أجلها وتساعد على توحيد أوسع القواعد فإنها تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأطراف التي ستتفق معها: هل هي مع السلطة أم ضدها وهل هي قادرة على الفعل في الساحة ومستعدة للالتزام بالحد الأدنى المتفق عليه: أي الالتزام بالأرضية الانتخابية القائم عليها الاتفاق أو التحالف للصعود لقيادة المنظمة المعنية أم لا. ولا تتنازل القوى الثورية والتقدمية بمحض إرادتها وتحت غطاء "تمثيل كل الأطراف" عن مواقع للرجعيين والانتهازيين ومخربي نضال الجماهير. أما إذا تمكّن هذا الطرف أو ذاك من الرجعيين والانتهازيين من افتكاك مواقع في القيادة عن طريق صندوق الاقتراع فذلك أمر آخر، والمسؤولية ليست مسؤولية القوى الثورية والصراع يتحوّل وقتها إلى صراع في مستوى القيادة وتعمل تلك القوى على تشريك الجماهير فيه. وعندما تحصل القوى الرجعية على كل المقاعد في القيادة مثلا فإن القوى الثورية تحلل الأوضاع بشكل ملموس وتحدد السبل الكفيلة بمقاومة تلك القيادة.

إن التكتيك الثوري الذي طُبِّق خلال الأممية الثالثة وبرهن على صحته يتمثل في اختيار أحد السبيلين، وفقا للظروف ولمكان تواجد الجماهير ومستوى وعيها: البقاء في ذات المنظمة ومقاومة القيادة أو الانشقاق عنها عند التأكد من عدم توفر أي إمكانية للصراع الديمقراطي، ومن وجود تيار قوي داخل الجماهير يدفع نحو الاستقلالية والانشقاق. وفي مثل هذه الحالة يكون الانشقاق عملا ثوريا. أما عندما يتم في ظروف غير مناسبة ودون دعم من الجماهير فهو عمل صبياني وانعزالي يقود إلى نتائج عكسية. تلك هي القاعدة التي يقيّم عليها الثوريون سلوكهم التكتيكي ونضالهم من أجل افتكاك القيادة.

إن الديمقراطية / أو الانتصار الديمقراطي في منظمة جماهيرية هو أن يحرز المرء على الأغلبية وأن تحظى القيادة التي تخرج عن المؤتمر بأغلبية الأصوات. والديمقراطية ليست التمثيلية الشكلية لكل الحساسيات في القيادة دون اعتبار لمواقفها وحجمها، فهذا الموقف وإن بدا يحترم التعددية فإنه في الواقع شكلا ليبراليا ووفاقيا يضع السياسة في مرتبة ثانية. ويوجد من يخلط بين التمثيلية كطريقة انتخابية ديمقراطية وبين الديمقراطية نفسها. فالديمقراطية كمفهوم سياسي عام هي سلطة الأغلبية. وإن أردنا النظر إليها من الناحية الحقوقية للتبسيط فهي سلطة (50 % + 1) وهي القاعدة المعمول بها في المنظمات التي تحكمها قواعد الديمقراطية والذي يحصل على الأغلبية هو الذي يتولى القيادة.

وعندما ترفض الأغلبية المناضلة في منظمة ما الاتفاق أو التحالف مع قوة لا تقبل بالأرضية الدنيا للنضال في ظرف معين فلا يعني ذلك أنها إقصائية أو غير ديمقراطية أو لا تحترم الرأي المخالف. فذلك من حقها، لأن الاتفاق يقتضي التفاهم الواضح حول أرضية أو مسألة معينة. لكن ذلك لا يعني حرمان الأقلية من التعبير عن رأيها أو الانخراط في المنظمة أو الترشح أو التصويت.

ومن ناحية أخرى تعتبر الأغلبية المناضلة (المشكّلة من تيار واحد أو تحالف تيارات) مخطئة إذا وجدت أطراف قابلة للنضال حول الأرضية الدنيا ورفضت تلك الأغلبية تشريكها من موقع انعزالي وهو موقف مضر لأنه يفوّت فرصة تساعد على توسيع جبهة النضال ضد الرجعية وضد الأعداء الرئيسيين للحركة.

كما أنّ القوى الثورية لا تخيفها الاتهامات بالهيمنة التي تطلقها الرجعية وأذنابها عندما تضع فيها القواعد ثقتها وتمنحها الأغلبية المطلقة في الانتخابات. ولا بد هنا من توضيح نقطة نظرية هامة وهي أن كل تيار سياسي أو نقابي يسعى إلى الهيمنة، أي إلى القيادة في الأطر المعنية، ومن باب أولى وأحرى أن يسعى حزب الطبقة العاملة إلى الهيمنة بخطه وأفكاره وبرنامجه ويكسب الجماهير إلى جانبه ويفتكّ القيادة بطريقة ديمقراطية بعيدة عن الإقصاء وقمع الرأي المخالف.

وكلمة "هيمنة" ليست شتيمة في المطلق فالفارق بين هيمنة الحزب الثوري وهيمنة الحزب البرجوازي الرجعي يكمن في أن الأولى تتحقق بوسائل ديمقراطية عن طريق الإقناع وتترجم مصلحة الأغلبية في قطاع معين أو في المجتمع ككل، في حين أن الثانية تتحقق بوسائل غير ديمقراطية عن طريق القمع والتسلط كما هو جار الآن في الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من المنظمات المهنية والثقافية، وكما هو جار على مستوى المجتمع ككل. ومع ذلك فإن الحزب الثوري يخطئ عندما يعزل نفسه عن الجماهير ويتبع أساليب بيروقراطية. فهيمنة الحزب الثوري يجب أن تكون نتيجة لعمل جبار يأخذ بعين الاعتبار إشراك الجماهير الواسعة في صياغة القرارات وتنفيذها وتقويم نتائجها. فمثل هذا السلوك يعطي فكرة ملموسة عما ستكون عليه سياسة الحزب الثوري يوم وصوله إلى السلطة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني