الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي) > النّقاش العلني
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي)
النّقاش العلني

وقد خيّر حزب العمّال الردّ على مبادرة "حركة الدّيمقراطيّين الاشتراكيّين" و"حركة النّهضة" ردّا علنيّا، مفتوحا. والسّبب في ذلك أنّنا نعتبر أنّ إقامة "جبهة وطنيّة ديمقراطيّة" بشكل خاصّ وتوحيد المعارضة التّونسيّة بشكل عامّ ليست مسألة تهمّ طرفا دون آخر من أطراف المعارضة بل تهمّ جميع الأطراف مع العلم أنّنا لا ندمج صلب المعارضة أحزاب الدّيكور الرّسميّة (عدا التّجمّع الإشتراكي الذي انشقّ منذ سنوات عن هذه الأحزاب وتبنّى مواقف ديمقراطيّة). كما أنّها لا تهمّ أحزاب المعارضة فحسب بل الشّعب الذي يتطلّع إلى التّغيير أيضا. وهو ما يجعل من النّقاش العلني، المفتوح فرصة لكلّ مواطن/ أو مواطنة يهتمّ/ أو تهتمّ بالشأن العامّ لمتابعة ما يجري في السّاحة السّياسيّة والمشاركة فيه إن أمكن. فالغرض من أيّ شكل من أشكال العمل المشترك ليس جمع شتات المعارضة فحسب، بل توحيد الشّعب التّونسي حول أهداف مشتركة أيضا.

ولكن قد يعترض البعض عن هذا الأسلوب أي أسلوب النّقاش العلني المفتوح، بدعوى أنّ نظام بن علي قد يستفيد منه باطّلاعه على خلافات المعارضة ولم لا توظيفها لمزيد تشتيتها وبالتّالي فقد يكون من الأفضل إجراء نقاش مباشر بين الأطراف المعنية فإن أفضى إلى نتيجة إيجابيّة فيا حبّذا وإن لم يفض إلى أيّ شيء فعلى الأقلّ لا تتعمّق الهوّة القائمة بين تلك الأطراف. ونحن لا نتّفق في الحقيقة مع هذا الرّأي، لا لأنّ الخلافات بين فصائل المعارضة التونسية وخاصّة بين حزب العمّال و"حركة النهضة" معروفة فحسب، بل لاقتناعنا أيضا بأنّ السلطة لا يمكنها التّلاعب بمصائر المعارضة إلاّ إذا وجدت أمامها أطرافا هشّة. أمّا إذا وجدت أطرافا جادّة، تحدّد مواقفها وفق المبادىء والقناعات التي يتبنّاها مناضلوها، فإنّها لن تجني سوى الفشل الذّريع. ونحن نعتمد في هذا المجال على تجربتنا الخاصّة التي يعرفها الرّأي العامّ وتحديدا في علاقة بحركة النهضة وحركة الدّيمقراطيين الإشتراكيّين.

لقد كان حزب العمّال منذ نشأته في خلاف جوهري مع حركة النهضة. وقد شمل هذا الخلاف الميادين الفكريّة والسّياسيّة والعمليّة. وكان مسرحه الصّحافة واتّحاد الشّغل والجامعة والمعاهد الثّانويّة والرّابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان والنّوادي الثّقافيّة في مختلف أنحاء البلاد. وقد ذهب في ظنّ بعض النّاس أنّ ذلك الخلاف سيجعل حزب العمّال يصفّق لقمع السلطة حركة النهضة بداية من مطلع التّسعينات بدعوى أنّ هذا القمع "سيخلّصه من غريمه الإيديولوجي الأساسي". ولكن ما الذي حصُل؟ إنّ ما حصُل هو انّ حزب العمّال كان القوّة السياسيّة المنظّمة الوحيدة التي شهّرت منذ اليوم الأول بالقمع الذي سُلّط على تلك الحركة، في حين انّ القوى والأحزاب التي كانت تغازلها انقلبت ضدّها واصطفّت وراء بن علي باسم "المصلحة العليا للوطن" و"مقاومة التّطرّف والإرهاب الدّيني". وقد نبّه حزب العمّال إلى أنّ مايحرّك بن علي في حملته على "النّهضة" ليس الدّفاع عن الحرية والدّيمقراطيّة والتّقدّم بل طبيعته الفاشستيّة المعادية للدّيمقراطية التي تجعله يرفض وجود أيّة معارضة، في أيّ مجال كان، خارجة عن مراقبته. ومن هذا المنطلق حذّر من عواقب التّواطؤ معه مهما كانت الذّرائع ("لا ترد فاس على هراوة"، "في الهم عندك ما تختار وهم بن علي خير من هم الخوانجيّة"، "لو كان يوصلو للسّلطة إلاّ ما يعملو أكثر من النّظام"، "نظام بن علي خصم بينما الإخوانجيّة عدوّ"...) مشيرا إلى أنّ من يذهب في ظنّه أنّه سيستفيد من قمع "الإسلاميّين" واهم، وأنّه سيأتي اليوم الذي يدفع فيه ثمن وهمه وهو ما أكّدته الأحداث لاحقا. وعلى أساس هذا الموقف المبدئي ندّد حزب العمّال بكل ماتعرّض له "الإسلاميّون" من اختطافات وتعذيب ومحاكمات جائرة وتنكيل وتشريد عائلات باعتباره يرفض هذه الممارسات الفاشستيّة رفضا مبدئيّا بقطع النظر عن انتماء ضحاياها الفكري والسّياسي والتّنظيمي(2). كما كان من أوّل المطالبين بإطلاق سراح جميع المساجين السّياسيين وسنّ عفو تشريعي عام(3). وقد كان هذا الموقف سببا من الأسباب التي جعلت نظام بن علي يكثّف قمع مناضلي حزب العمّال بدعوى أنّه متواطىء مع "الإرهاب الإخوانجي".

ومن جهة أخرى فقد كان حزب العمّال في خلاف مع حركة الدّيمقراطيين الإشتراكيين منذ مطلع التّسعينات بوجه خاصّ. ويرجع سبب هذا الخلاف إلى مساندة الحركة سياسة بن علي المعادية للحرّيات والدّيمقراطيّة والتي كان الحزب، إلى جانب "الإسلاميّين" ومناضلي الحركة الطلاّبية والحركة النقابيّة وعديد الشّخصيات الدّيمقراطية العاملة في مجال حقوق الإنسان والصّحفيّين المستقلّين والنّساء الدّيمقراطيات والمحامين، من أهمّ ضحاياها. وقد توقّع بعض النّاس أنّ حزب العمّال لن يندّد باعتقال السّيد محمد مواعدة في سنة 1995 على إثر الرّسالة المفتوحة التي وجهها إلى بن علي ملفتا انتباهه إلى تدهور أوضاع الحريات العامّة بالبـــلاد وأنّه

سيتعامل معه بمنطق "جنى على نفسه ولم يجن عليه أحد" وهو الموقف الذي سقطت فيه بعض الأطراف. ولكن حزب العمّال لم يتردّد، إنطلاقا من مبادئه الثّابتة في الدّفاع عن حرية التّعبير وفي رفض افتعال القضايا للخصوم، في التّشهير باعتقال رئيس حركة الدّيمقراطيّين الإشتراكيّين السيد محمد مواعدة، ثم عضو مكتبها السّياسي السيد خميس الشّماري الذي لفّقت له أيضا قضية باطلة. كما ندّد بالتّدخّل في شؤون الحركة وفي تنظيم انقلاب على قيادتها الشّرعية تورّط فيه بوليس بن علي وإدارته وجهاز قضائه الفاسد وبعض عناصر الحركة ممّن لا ولاء لهم إلاّ لمصالحهم الخاصّة.

وخلاصة القول إنّه لا ضرر من مناقشة المسائل التي تهمّ مستقبل البلاد بصورة علنيّة ومفتوحة إذا توفّرت الجدّية اللاّزمة، بل إنّنا نعتبر أنّ الضّرر قد يتأتّى أحيانا من التّحالفات المتسرّعة واللاّمبدئيّة أكثر من أيّ شيء آخر، لأنّ مثل هذه التّحالفات التي شهدت السّاحة السّياسيّة التّونسيّة نماذج منها في العقدين الماضيّين، يعمّق التّشتّت وينال من المصداقيّة. فالتّحالفات اللاّمبدئيّة سرعان ما تنحلّ، وقد يتولّد عنها، إذا ما انتهت على وقع الخصومات والاتّهامات المتبادلة، وضع أكثر تعقيدا من الوضع الأوّل.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني