الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي) > ماذا في البيان المشترك وفي البيان الختامي لمؤتمر "حركة النّهضة"؟
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي)
ماذا في البيان المشترك وفي البيان الختامي لمؤتمر "حركة النّهضة"؟

تلك هي إذن في رأينا، المطالب التي يمكن بل يجب أن تشكّل اليوم الأرضية الدّنيا لأيّ عمل مشترك أو جبهوي بين قوى المعارضة التّونسيّة خلال المرحلة القادمة، لأنّ النّزول دون هذه الأرضية يخلّ بقاعدة "التّعايش" في ظلّ اختلاف الرّؤى الفكريّة والسّياسيّة والاجتماعيّة كما يُخلّ بمبدأ احترام حرية الشّعب وحقوقه. وقد آن الأوان لنبحث فيما إذا كانت هذه الأرضية حاضرة بمختلف عناصرها في البيان المشترك مواعدة /الغنّوشي وفي البيان الختامي للمؤتمر السّابع لحركة النّهضة. وبطبيعة الحال فإنّ ما يعنينا بالأساس هو موقف "حركة النّهضة" لأنّه الأكثر إثارة للجدل في السّاحة السّياسيّة التّونسيّة بالنّظر إلى ما سبق أن عبّرت عنه هذه الحركة من مواقف في السّبعينات والثّمانينات وحتى مطلع التّسعينات، كانت سببا فيما جدّ بينها وبين فصائل الحركة الدّيمقراطيّة والتّقدّميّة من خلافات وصراعات.

فما من شكّ أنّ البيان المشترك تضمّن التزاما من الطّرفين الممضيين بـ"احترام قواعد النّظام الجمهوري ودولة القانون والمؤسّسات الدّيمقراطيّة واحترام الحريات العامّة حقوق الإنسان" كما تضمّن التزاما بـ"دعم الخطوات الإيجابيّة التي قطعها مجتمعنا في عدد من المجالات كالتعليم وحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين"، بل إنّ "الجبهة الوطنيّة الدّيمقراطيّة" التي نادى البيان بتكوينها ذُكر أنّ "أساسها الدّفاع عن الحريات العامّة وحقوق الإنسان، وهدفها إرجاع السّيادة للشّعب عبر النّضال السّياسي والمقاومة الشّعبيّة المدنيّة السّلميّة لإرساء البديل الدّيمقراطي الحقّ المنشود". وهذا الخطاب الدّيمقراطي يتكرّر نسبيّا في البيان الختامي للمؤتمر السّابع لحركة النّهضة (نقول نسبيّا لأنّ بعض النّقاط الواردة في البيان الأوّل غُيّبت أو جاءت أقلّ وضوحا في البيان الثّاني). ولا بدّ من ملاحظة أنّ المتتبّع لأدبيّات هذه الحركة خلال العشر سنوات الأخيرة، وحتى قبلها يتبيّن له أنّ هذا الخطاب الدّيمقراطي ليس كلّه جديدا، فمعظم عناصره سبق أن وردت في تلك الأدبيات. وقد يكون جهل النّاس منشورات "حركة النّهضة" وكتابات رئيسها، الشّيخ راشد الغنّوشي، في المهجر، بسبب المنع المفروض على تداول الصّحف والكتب التي تحوي نقودا لنظام الحكم في تونس، هو الذي يجعلهم يعتقدون أنّ كلّ ما ورد في البيان المشترك، بوجه خاصّ، جديد.

لا يهمّنا كثيرا في هذا المقام الخوض في أسباب تطوّر خطاب "حركة النّهضة" وتمركزه حول شعارات ديمقراطيّة خلال السّنوات الأخيرة. فهذه الحركة مثلها مثل الحركات الإسلاميّة الأخرى تحتكّ بواقع وتواجه فيه ردود فعل من السّلطة ومن المجتمع وتتعرّض للقمع ويخوض مناضلوها الفارّون من الإضطهاد تجارب العيش في مجتمعات غربيّة علمانيّة وديمقراطيّة كما أنّها تتأثّر بهذه الدّرجة أو تلك بالتّطوّرات التي تشهدها الحركات الإسلاميّة في المنطقة وخارجها، وكلّ هذا يمكن أن يسبّب انشقاقات وربّما تمايزات بين أطراف جمعها في المنطلق شعار هُلامي، فضفاض كشعار "الإسلام بديلنا" وتعديلات في الخطاب إمّا لتغيّر في القناعات عند هذا الشّق أو لأغراض تكتيكيّة، بالمعنى السّلبي، الأنتهازي للكلمة عند ذلك الشّقّ. لذلك فإنّ ما يهمّنا في المقام الأوّل ليس البحث في هذه النّقطة بالذّات، إنّما الوقوف عند مدى تماسك خطاب "النّهضة" الدّيمقراطي ومدى استجابته للأرضية الدّنيا التي تحدّثنا عنها باعتبارها الشّرط الأوّل لأيّ تحالف مهما كانت أطرافه ثمّ إنّ ذلك هو الذي سيجعلنا نحكم على حقيقة أو طبيعة التّغييرات التي تشهدها "حركة النّهضة" في المجال السّياسي وتحديدا في علاقتها بأطراف المعارضة الدّيمقراطيّة.

وبصراحة نقول إنّ ما ورد في البيان المشترك بشكل عامّ وفي البيان الختامي للمؤتمر السّابع للحركة بشكل خاصّ ليس كافيا لتبديد عدد من نقاط الغموض الهامّة. وما دام العمل السّياسي الجاد لا يقوم إلاّ على الوضوح فعلينا المبادرة بتفكيك تلك النّقاط والخوض في تفاصيلها فخصومة واضحة المعالم خير ألف مرّة من وفاق مغشوش. وبدون إطالة فإنّ النّقاط التي لا يزال يكتنفها الغموض أو التي تستحقّ التّوضيح ولها علاقة مباشرة بالأرضيّة السّياسيّة الدّنيا التي تحدّثنا عنها (لا نناقش هنا مختلف القضايا الاجتماعيّة والثّقافيّة والخارجيّة المشار إليها على أهمّيتها لأنّنا نعتبر أنّ الخلاف حولها لا يمنع الالتقاء حول تلك الأرضيّة) هي التّالية : (1) علاقة الدّين بالدّولة. (2) مسألة الحرّيات الفرديّة: حرّية التّفكير والرّأي والضّمير. (3) مسألة الحدود وعلاقتها بمبدأ احترام حقوق الإنسان. (4) مسألة السّيادة الشّعبيّة. (5) مسألة المساواة: المساواة بين الجنسين.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني