الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > خاص بالندوة الأممية، ندوة اسطنبول 2007 (*)
خاص بالندوة الأممية، ندوة اسطنبول 2007 (*)
18 أيلول (سبتمبر) 2007

بالنسبة إلى محبي الحرية والعدالة، المهمة ليست سهلة. الطريق طويلة، لامتناهية، غير واضحة، ولا تقدّمُ أي يقين، ومتنوعة بتنوعنا. هذه السبيل، هذا المكان البذرة والمتحفـّر مطروح لإعادة الابتكار من صلب انطلاقات الحياة. مكان يكثف الأفكار ويفجّر الحقائق. مكان للاستثمار وللحماية، للتنسيب وللحماية في كل لحظة، وهو من قبيل كل ما يمنح قوة الحياة ويأبى أسر الاغتراب.

"لا يوجد نمط أمام من ينشد ما لم يَرَ قـَطّ". يقول بول إيلوار.

حَكَوْا لي أن كنّاس شوارع كان يقول "حين أبدأ في تنظيف شارع كان يبدو لي طويلا ومهمّتي شاقة وباعثة على اليأس. حينها أركّز ذهني على ذات اللحظة. نـَفـَسٌ وضربة مكنسة ثم خطوة وهكذا حتى نهاية المطاف...".

كل لحظة تكتسي أهمية وكل لقاء تقاسُم وكل صراع ضرورة. كل صراع ضد كل هيمنة هو بمثابة قفزة نحو غير المتوقع، وثبة نحو الحرية.
كل صراع هو أولا مع الذات وضد الذات. يقظة وإعادة نظر في كل لحظة. لقاءات وحوارات مع الآخر، مع "le tout monde"، ووسط كل شيء، وبكل لغة ومع جميع اللغات، انطلاقا من أي مكان نحو كل مكان نحو جميع الأمكنة. يقظة وكفاح. توسيع المعارك واللقاءات، وتوسيع الخصوصيات والنوعيات، تفكيك كافة أشكال الهيمنة، الواضحة كما الغامضة، المعلنة كما المحتجبة. بذل قصارى الجهد، إنجاز الوثبة، اتخاذ الاحتياطات اللازمة، التواري عن الأنظار عند الضرورة، والحضور حين يستلزم الموقف ذلك، وخلق آفاق جديدة، والعمل على مضاعفة التفكير، ورفع التحديات القديمة والجديدة ضد الامبريالية والعولمة والدكتاتوريات وجديد اشكال القمع والاحتواء الذي يستهدف نضالات الشعوب.

النسج على منوال (بدوي) مترحل أثناء حضوره في العالم. حضور غير متنازل مع الأمكنة والأحداث والمحيط، وفي صراع دائم من أجل البقاء. الصراع لتأمين بقائه، التحول إلى مكافح، وإلى كائن لا مرئي، في طيّ السرية. فعل كل شيء والظفر بحرياته.

يقظة ونضال ضد البورجوازيات، والدكتاتوريات الظاهرة والخفية. يقظة إزاء الفضاءات السهلة، وإزاء أنماط الحياة المعروضة والأفكار الضاغنة والجذابة التي لا تعمل إلا على الإخضاع والإذلال وإطفاء كــل تفكير في الثورة والحرية. الرفض والمقاومة أمام ضغط الثقافة الأمريكية ومسوقيها العالميين. ثقافة المقاومة والرفض عسى أن تنشأ وتجد الفضاءات وبصورة مستمرة الأفكار الحرة والمستقلة، أن ينشأ حضور في العالم مختلف، ونقدي وكفاحي خاصة، في وجه الغزو البورجوازي وفي وجه الظلامية والأصولية حيثما تسربتا.

مقاومة وجذرية ضد كل هيمنة وأشكالها المتعددة وبكافة الوسائل، حيثما وجدت تلك الهيمنة وانتصبت. وفي النضال من أجل الحريات يصبح خلق الفضاءات الجديدة وتبادل الأفكار والتجارب مسألة ذات أولوية. الانفتاح على العالم وعلى الشعوب في توقها إلى السيادة، التماس مع الآخرين، امتلاك الثقافات واللغات، تبني أماكن وقضايا الشعوب المكافحة. التفكير في خصوصيات ونوعيات ومطالب كل واحد والجميع باتجاه ما يمكن أن يباح من تحقيق مجتمع إنساني أفضل.

متعطشون، وعلى علاقة مقاومة مع كافة النضالات لا تنقطع، وسعاة نحو الكل المتاح، ومرابطون على أصعب مهمة من مهمات الحرية ألا وهي الوقوف ضد غير القابل للقبول، واعون وعيا حادا ومفكرون تفكيرا محكما إزاء السياسات والثقافات الشاذة.

لا تصلّب البتة وسط حركة جموح، مشروع يحيل الإنسان على فضاءات استقلالية وحرمة جسدية ومساواة ومقاومة وحقيقة وبتألق وبالمرصاد وعلى معرفة بنضالات الشعوب.

وخطوط القوة في المعركة ضد الامبريالية والاستعمار وكافة أشكال الهيمنة لا تلخـّص بما هو مرئي أو تم فعله بل هي تتنزل في حركة، ونظام، وسيرورة تـُقـَدّمُ وتتيح الإدراك والتفكير. صيرورة، صيرورة مستقبلية تفتح على الأقليات والثقافات وعلى معارف الشعوب، دون أدنى ميز. صيرورة قادمة تفضي إلى نظرة وممارسة ديمقراطية، تمكن من تلافي ما هو جامد وراكد ومحافظ وتسمح بالتصدي لكل ما من شأنه أن يكبل وييبس كل فكرة ونظر ورؤية وفعل نضالي.

علينا أن نقاوم ونصمد باسم الإنسانيات الممكنة عسانا نحتطب الأدوات ونعيد شدها لمعركة قادمة وواردة.

البدوي

اسطنبول، جوان 2007

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(*) هذا النص لشاعر وكاتب تونسي مهاجر، خصّ به ندوة اسطنبول، حول شعوب الشرق الأوسط ومقاومة الامبريالية. وهو ترجمة عن الفرنسية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني