الصفحة الأساسية > البديل العربي > مخطط امبريالي- صهيوني مآله الفشل
خارطة الطريق :
مخطط امبريالي- صهيوني مآله الفشل
20 أيار (مايو) 2003

ما أن سقطت بغداد تحت أقدام الجنود الغزاة الأمريكيين والبريطانيين حتى عاد الحديث مجددا وبصورة حثيثة عن ضرورة تسوية النزاع القائم في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن نيتها في نشر خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعيــــة (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا ومنظمة الأمم المتحدة) لتسوية هذا النزاع.

ولم تكن العودة للاهتمام مجددا بهذا الملف هكذا على سبيل الصدفة أو من منطلق النوايا البريئة في معالجة أعوص وأقدم قضية عرفها العالم المعاصر بقدر ما جاءت ضمن مخطط إمبريالي مدروس المراحل ومعروف الأغراض والأهداف.

فبعد العدوان على العراق والإطاحة بنظام صدام حسين والسيطرة على منابع النفط هناك وضمان موطن قدم ثابت متاخم للحدود الإيرانية والسورية على حد السواء، تكون أمريكا قد استكملت تقريبا سيطرتها على منطقة الخليج ويبقى أمامها ترويض نظامي طهران ودمشق أو شن حرب عليهما إذا اقتضى الأمر ذلك للاطمئنان نهائيا على مجمل الشرق الأوسط.

غير أن الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ تفجيرات 11 سبتمبر باتت واعية بالأسباب المباشرة وغير المباشرة لتنامي ما تسمّيه بالإرهاب الذي تنتجه هذه المنطقة أكثر من أي منطقة أخرى في العالم. ومن أهم عوامل تفاقم هذه الظاهرة استمرار النزاع العربي الصهيوني وعدم التوصّل إلى حلّ لقضية الشعب الفلسطيني.

لقد أثمرت الانتفاضة أشكالا جديدة من النضال الشعبي بوجهيه السلمي والمسلّح وتحوّلت إلى ظاهرة دولية دعّمت الطابع الرمزي لقضية الشعب الفلسطيني لدى جماهير الشعوب العربية والإسلامية وحتى لدى كافة الحركات التقدمية والمحبّة للسلام.

لذلك انبنت المخططات الأمريكية تجاه المنطقة على ثلاثة محاور أساسية أولها التدخل العسكري لخلع الأنظمة "المارقة" والمتنطعة وثانيها تسوية الملف الفلسطيني بشكل ينهي هذا النزاع وبالطريقة التي تقبل بها إسرائيل وإجبار أنظمة وشعوب المنطقة على التطبيع والقبول باندماج هذا الكيان في محيطها العربي وثالثها إجراء تحويرات عميقة في المنطقة بإصلاح الأنظمة "المنغلقة" ومحو كل العوامل الثقافية والحضارية المولّدة لـ "الإرهاب" وفتح الباب للشعوب العربية للالتحاق بحضارة الغرب و "العالم المتمدّن" . وتعددت في هذا الصدد مشاريع البيت الأبيض الأمريكي إذ بعد الإعلان على "مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط" (المبادرة التي أعلن عنها كولن باول يوم 12 ديسمبر 2002) عرض بوش محاور برنامج إدارته في المنطقة في ما أسماه ببعث منطقة شراكة أمريكية – عربية حتى موفى سنة 2010 (خطابه أمام جامعة كارولين).

والتعجيل بنشر خارطة الطريق مباشرة بعد دخول بغداد هو محاولة من إدارة بوش للتغطية على الفضاعات المرتكبة أثناء الحرب فيحق الشعب العراقي وكذلك لصرف اهتمامات العالم عن احتلال بلد مستقل وذي سيادة وعضو بالمنتظم الأممي بتعلات ثبت أنها من صنع الدعاية الأمريكية فقط لتبرير الحرب على هذا البلد واستعماره.

إن الإمبريالية الأمريكية تعلم جيد العلم حجم مشاعر الكراهية التي انتشرت لـدى الشعوب العربية والإسلامية جراء سياساتها حيال المنطقة وشعوبها وجراء انتصارها المفضوح والصارخ لإسرائيل، وهي بالعودة للعناية بالملف الفلسطيني إنما تحاول الظهور بمظهر راعي حقوق الشعوب والعدل بينها عسى أن تخفف من وطأة هذه المشاعر تجاهها.

فخارطة الطريق ليست إذن سوى حلقة في سلسلة من المخططات ومعروف أنها تكرّس "رؤية الرئيس بوش القائمة على أساس دولتي إسرائيل وفلسطين" أنظر تصريح وزارة الخارجية الأمريكية يوم 30/04/2003) .فما مضمون هذه الخارطة وما هي أهدافها ؟

خطة الطريق هي إذن آخر طبخة أمريكية لتسوية الملف الفلسطيني وتهدف حسب ما جاء في نص الخطة إلى إقامة دولتين، فلسطينية وأخرى إسرائيلية تعيشان في سلام دائم. وتمتد الخطة إلى سنة 2005 ويجري تنفيذها على ثلاث مراحل.

يلتزم الفلسطينيون في المرحلة الأولى بإيقاف "أعمال العنف" ويستأنفون التعاون الأمني مع "السلطات الأمنية الإسرائيلية" كما يتعيّن عليهم إدخال إصلاحات سياسية على سلطتهم مقابل أن توقف إسرائيل حركة الاستيطان وأن تنسحب من الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت السلطة الوطنية.

أما المرحلة الثانية فتبدأ بعد إجراء انتخابات فلسطينية بشكل يصبح للفلسطينيين قيادة تعمل فعلا من أجل إيقاف العنف وقادرة على بناء ديمقراطية تنبني على التسامح والحرية. وعندما تتأكد اللجنة الرباعية من أن ذلك تمّ فعلا تقرر المرور للشروع في بناء دولة مستقلة لها دستور وحدود وقتية وبعض عناصر سيادية، وهي مرحلة أساسية على درب التوصّل لاتفاق نهائي.

مرحلة الاتفاق النهائي أي إنهاء الصراع بين الطرفين تمتد على سنتي 2004-2005 وهي المرحلة الثالثة من الخطة. وينبني الاتفاق النهائي على مقررات الأمم المتحدة 242 و338 و1397 ويقضي بإنهاء الاحتلال لأراضي 67 وحل ملف اللاجئين ووضع مدينة القدس، على أن يأخذ الاتفاق في الاعتبار انشغالات الطرفين السياسية والدينية وأن يصون المصالح الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية.

هذه هي الخطوط العريضة لخارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية ولم يفرج عنها بوش إلا حينما رأى ذلك مواتيا للأجندا الأمريكية. وطوال المدة التي ظلت خلالها الخطة سجينة في رفوف البيت البيض الأمريكي مورست كل الضغوط على السلطة الفلسطينية لتبدأ بالاستجابة للشروط المنصوص عليها في المرحلة الأولى. وضمن هذه الضغوط استدرجت القيادة الفلسطينية لإدخال الإصلاحات المشار إليها قبل حتى نشر نص الخطة . وفي هذا الإطار استبعد الرئيس ياسر عرفات ودفع بمحمود عباس "أبو مازن" إلى المواقع الأمامية في السلطة الفلسطينية وتم إعداده لتولي الوزارة الكبرى بعد أن جر المجلس الوطني الفلسطيني للمصادقة على الدستور الجديد وتقاسم السلطة بين الرئيس والوزير الأول في السلطة الفلسطينية.

لقد تميّز موقف هذه الأخيرة بالتهافت على التنازل للضغوط الأمريكية المدعومة ميدانيا بالحرب المتواصلة التي اتبعها المجرم شارون على الشعب الفلسطيني والتي حاصرت ياسر عرفات وأفقدت القيادة الفلسطينية فاعليتها ودورها.

وفي المقابل راح شارون يصعّد من ضغوطه العسكرية والسياسية لمزيد إذلال الشعب الفلسطيني وجر قيادته للقبول بأكثر الحلول وجعا. ففي خطاب ألقاه شارون يوم 4/12/ 2002أمام ندوة حول "الأمن القومي الإسرائيلي" (وهو خطاب مرجعي في سياسة حكومة شارون) أكد الزعيم الصهيوني على أمرين أساسيين هما :

أولا أن السلام لن يحصل إلا على مراحل ولا يمكن المرور من مرحلة إلى أخرى إلا بعد استكمال جميع بنود سابقتها وأثنى في هذا الصدد على أن حكومة بوش قد أدركت أخيرا هذه الحقيقة.

وثانيا أنه لا يمكن التوصّل إلى التعايش المرغوب من دون تغيير القيادة الفلسطينية التي لم تلتزم بتعهداتها بقيادة أخرى تستطيع بل وتريد السلام مع دولة إسرائيل، وعرفات ما عـاد يمثّل شريكا في السلام .

لكن وبالتوازي مع هذا وقبل الشروع في إصلاح هياكل السلطة الفلسطينية لا بد من إتخاذ الإجراءات الأمنية التالية :
- تفكيك الأجهزة الأمنية الحالية (أي أجهزة الأمن التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية) والتي "ثبت أن أغلبها مورط في أعمال العنف"

– تعيين وزير للداخلية في الحكومة الفلسطينية يتولى جمع الأسلحة الممنوعة و"غير القانونية" على حد تعبير أبو مازن
– حل كل " التنظيمات الفلسطينية الإرهابية " واستئناف التعاون الأمني مع الجانب الإسرائيلي.

أمّا على الصعيد السياسي فلا بد من إصلاح السلطة الفلسطينية إذ أن إسرائيل لن تقبل التعامل إلا مع قيادة " نزيهة وشفافة وغير فاسدة " لأن الأمن والتعايش لا يمكن أن يحصلا من دون إصلاح النظام التربوي ووسائل الإعلام والجهاز القضائي في السلطة الفلسطينية و"ما لم تقع محاكمة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد دولة إسرائيل لا يمكن إبرام أي تقدّم".

أما إذا استجاب الطرف الفلسطيني لهذه الشروط عندئذ فقط يمكن المرور للمرحلة الثانية القاضية بإقامة دولة فلسطينية تنتشر على المنطقتين" أ " و"ب" الواردة في اتفاقيات أوسلو باستثناء المناطق الأمنية الأساسية والحساسة بالنسبة لإسرائيل. هذا على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وعلى أن تواصل إسرائيل التواجد بجميع مداخلها ومخارجها ويكون فضاؤها الجوي مفتوحا أمام الطيران الإسرائيلي (المدني والعسكري) ولا يمكن للدولة الفلسطينية المقبلة عقد اتفاقيات مع دول معادية لإسرائيل.

وبطبيعة الحال لن يتسنى المرور للمرحلة الثالثة إلا بالإستجابة في منظور حكومة شارون لجميع هذه الشروط حتى ينتقل الطرفان للتفاوض حول الوضع النهائي للدولة الفلسطينية وضبط حدودها القارة والمعترف بها دوليا.

هكذا تعامل الطرفان الفلسطيني والصهيونـــي قبيل وبعد نشر خارطة الطريق (30 أفريل 2003) مع هذا التصوّر الأمريكي لسلام الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار فقط نفهم معاني تهافت أبو مازن على التنازل واستمرار الآلة العسكرية الصهيونية في التقتيل والتدمير والإيقاف والملاحقة وغلق الأراضي الفلسطينية بالكامل.

ومن هذا المنطلق أيضا فشل كولن باول في الحصول على تأييد شارون للخطة رغم أنه لقي كل الإستعدادات من أبو مازن للدخول في تطبيق الشروط المطلوبة فورا.

لقد نجحت الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني في نقل المعركة داخل الصف الفلسطيني بعد أن نجحت الآلة العسكرية الإسرائيلية في الحد من مفعول الإنتفاضة. فبعد مرحلة الشد والجذب بين أبو مازن المدعوم أمريكيا وإسرائيليا وغربيا وبين عرفات المراد إزاحته من على الركح السياسي الفلسطيني بفوز الأول في تشكيل حكومته وبفرض رموز التواطئ ( دحلان ) ، بعد هذا ينتظر الآن أن تندلع " فتنة " فلسطينية داخلية ، حرب أهلية يتوقع أن تكون نهايتها مأساة أخرى لقضية الشعب الفلسطيني. فأن يتعهّد محمود عباس أمام المجلس التشريعي الفلسطيني أثناء عرض برنامج حكومته بأن تكون أولى مهام هذه الحكومة " وقف التحريض و"جمع الأسلحة غير المرخص فيها " فذلك لا يعني سوى الإستجابة لشروط إسرائيل والقضاء مبكرا على واحد من أشرف إنجازات الشعب الفلسطيني، الإنتفاضة.

لقد تأكد من خلال المدة القصيرة المنقضية منذ نشر خارطة الطريق أن أبو مازن الذي اختارته الإمبريالية الأمريكية ليكون جواد المرحلة القادمة إنما جاء لتنفيذ الأجندة الأمريكية-الإسرائيلية التي تضع في صدارة اهتماماتها إنهاء كل أشكال المقاومة للإحتلال والعودة لطاولة التفاوض وفق الشروط والحدود الإسرائيلية أي التخلي عن حق التحرير وحق عودة اللاجئين وحق الشعب الفلسطيني في القدس وتحويل الحكم الذاتي شكليا إلى دولة فلسطين التي لن تكون سوى كنتونا تابعا للدولة الصهيونية بصورة نهائية.

إن السلاح الفلسطيني ليس سلاحا غير قانوني ، فسلاح المقاومة لا يحق لأي كان الترخيص فيه أو سحبه من يد المقاومين فطالما هناك استعمار فمن حقّ الشعب الفلسطيني مقاومته بكل الأشكال بما في ذلك السلاح . فالسلاح الفلسطيني لا يستمد شرعيته من موافقة أبو عمار أو أبو مازن بقدر ما يستمدها من واقع الإحتلال وحق مقاومته. ولا يمكن أن ينتهي الكفاح المسلّح إلا بانتفاء أسبابه أي برحيل المحتل عن أرض فلسطين.

إن رد الشعب الفلسطيني على أبو مازن وكل الذين خادعوه بالتوقيع على اتفاقيات أوسلو كانت إبداعا جديدا ينضاف إلى رصيد الإنسانية في مقاومة الإضطهاد والإستعمار والقمع، وكان هذا الإبداع انتفاضة أخذت من الحجارة سلاحا وتطوّرت تدريجيا إلى أشكال أرقى في المقاومة لعلّ آخرها ملحمة جنين التي طمستها شبكات الإعلام الأمريكية والصهيونية لكن التاريخ سيظل يذكرها بكل فخر.

وعلى أبو مازن اليوم وهو يحاول تكرار نفس الخديعة في شكل وإخراج جديد أن يعلم أن الشعب الفلسطيني الذي أرهقته المتاعب والتضحيات لن يبقى مكتوف الأيدي ومن الأكيد أن بذور إبداعات جديدةهيالآنبصدد الولادة والنمو في عقول وقلوب شبان وشابات فلسطين الذين تدربوا منذ الصغر على المقاومة.

إن مخطط أبو مازن ومن ورائه أمريكا وإسرائيل سيكون مآله الفشل رغم أن الظروف الدولية والإقليمية ليست الآن في صالح المقاومة. ولكن الدفاع عن حق تقرير المصير لا يمكن أن يموت مهما آنكسر وتراجع أو فتر في الفترات الصعبة طالما هنالك شعب آمن ولا يزال يؤمن به.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني