الصفحة الأساسية > البديل الوطني > من يحمينا من الفساد
من يحمينا من الفساد
16 آذار (مارس) 2006

الفساد هو اليوم من أكثر الظواهر التي يتحدث عنها الناس لا فقط في تونس بل في كل أنحاء العالم، لأن هذه الآفة لم تعد فقط رديفة الاستبداد في البلدان الواقعة تحت نير الدكتاتوريات مثل حال بلادنا، بل أصبحت خاصية كل النظم الراهنة في العالم من أمريكا زعيمة العالم "المتمدن" إلى أوروبا وبلدان آسيا وأفريقيا وكل أصقاع العالم. ومهما كانت الفروق الجزئية بحكم مكتسبات بعض البلدان والشعوب في مراقبة ومحاسبة من يحكمها فإن الرأسمالية الليبرالية المتوحشة جلبت معها من جملة ما جلبت هذه الظاهرة التي استفحلت وانتشرت على أوسع نطاق. وهذا ما تؤكده التقارير السنوية التي باتت تصدر بتواتر عن مؤسسات وهيئات دولية متعددة.

وفي بلادنا أصبحت هذه الظاهرة من أبرز مواضيع حديث الناس تسترعي اهتمام المثقف ورجل الشارع، المتسيّس والخبزيست، الكادح والموظف وصاحب المتجر ورب المؤسسة... وحول هذه الظاهرة راح الخيال الشعبي ونظام الإشاعة ينسج حكايات وقصصا كثيرها واقعي وبعضها مبتدع أو على الأقل مبالغ فيه.

الظاهرة انتشرت حتى ما عاد هناك قطاع يفلت منها وتكاد تصبح محرّكا للدورة الاقتصادية أو نظاما للحكم ومنظومة للمعاملات المقبول بها أو على الأقل المسكوت عنها والتي لا يطالها القانون.

الظاهرة استفحلت حتى لكأن الجميع أصبح يرى فيها مجالا للكسب "الحلال" وبابا للأمل في الإثراء والالتحاق بصفّ "الكبار" على مرأى ومسمع من الجميع بل وعبر أجهزة الدولة ومؤسساتها (البروموسبور ودليلك ملك والمسابقات في الإذاعات والتلفزات ووسائل الإعلام الأخرى...).

والظاهرة استقرت وتفرّعت إلى اختصاصات انتصب على رأس كل اختصاص منها "زعيم" أصبح بمثابة أمير من أمراء الحرب. فتوريد "الدخان والمعسل" من اختصاص رمز من الرموز وتوريد "المواد الباريسية" أي السلع الوافدة من أقصى شرق آسيا ومن تركيا وغيرها، من اختصاص رمز آخر. و"بيع الخمور خلسة" يسيطر عليه "أمراء" اقتسموا السوق كل حسب مركزه وقوته. ومن بيع أراضي البناء والعقارات إلى التدخل للحصول على القروض والرخص والتوسط لبعث مشاريع، إلى احتكار توريد "مهدّئات السرعة" إلى بعث مؤسسات الإعلام (إذاعات وجرائد ومجلات واستديوهات تصوير ومحطات تلفزية...) إلى فتح نيابات لماركات عالمية في السيارات والعطور ومعدات صناعية وفلاحية إلح.. أصبحت كل المجالات إذن ميدانا للمضاربة وللفساد باستعمال جاه المال ونفوذ الحكم وعلامة القربى بأوساط القرار.

وأن يفتح أحد فمه أو يجرؤ قلم على خط حرف أو يبادر بالاحتجاج تتحرك كل أدوات القمع لإخراسه وتأديبه وجعله عبرة لمن يعتبر حتى لا يعود لمجرد التفكير في فتح الملفات الخطيرة وتحريك البرك الراكدة. وعملية الانتقام يمكن أن تطال الجميع مهما كان الموقع أو النفوذ، صاحب جريدة كان أو تنظيما سياسيا أو معارضا أو شريكا في اللعبة أو حتى وجها من وجوه النظام احتج على عدم أخذ نصيبه من "الوليمة"! لا أحد يعلو فوق "قوانين" المافيا التي جعلت كل مؤسسات الدولة في خدمتها وأخضعت القضاء للإفلات من العقاب.

لقد أصبحت البلاد تعيش تحت نفوذ "كوزانوسترا" جديدة وصارت الساحة تعجّ بأمثال آل كابون ومع ذلك لا نرى شيئا ولا نسمع شيئا إلا على سبيل الإشاعة والهمس وإياك ثم إياك رد الخبر.

إن البلاد في خطر فمن يحمينا من الآفة المزدوجة: الفساد والقمع!



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني