الصفحة الأساسية > بديل الشباب > موسم الهجرة إلى البطالة
موسم الهجرة إلى البطالة
8 نيسان (أبريل) 2001

في بداية التسعينات بدأت مظاهر البطالة تكتسح بعض الإختصاصات الجامعية كخريجي معاهد الفلاحة والتربية الاسلامية، ومن سنة إلى أخرى أخذت الوضعية تتعمّق أكثر فأكثر، فعمّت كل الاختصاصات حيث أصبح جلّ خريجي الاختصاصات المعدّة للتدريس في عداد العاطلين. وتحولت رحلة الدراسة، سفر مضمون الوصول إلى عالم البطالة.

لنرى كيف كانت السفرة !!

لقد كانت عملية انتداب الأساتذة من بين المترشحين المحرزين على شهادة الأستاذية أو الحاملين لشهائد معترف بمعادلتها لشهادة الأستاذية تتم عن طريق الملفّات. وفي بداية التسعينات كان "برنامج اصلاح التعليم" وهو جزء لا يتجزّأ من برنامج الاصلاح الهيكلي المملى من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وفي فلك مفهوم "الاصلاح" قررت وزارة التربية إدخال صيغة جديدة على عملية الانتداب بتعلة أن الطريقة القديمة (الانتداب عن طريق الملفّات) لا تتماشى مع طموحات مدرسة الغد. وهنا أصبح لزاما على المترشّح أن يمرّ بأربع حواجز للحصول على وظيفة التدريس.

1. الحصول على الأستاذية في أربع سنوات لا أكثر، والراسبون خارج اللعبة.

2. لا بدّ أن تكون الأستاذية مدعّمة بملاحظات جيّدة.

3. الأقدمية تؤخذ بعين الإعتبار لكنها ليست محددة.

4. إجراء اختبار تقني-نفسي لتقييم المقدرة المعرفية والبيداغوجية للمترشح.

ونظرا لخضوع السلطة لإملاآت الدوائر الامبريالية، طغت العشوائية والعفوية على تعاملها مع قطاع التعليم، وغابت الخطط وطغى المنهج التجريبي وتحولت الجامعات إلى مخابر تجارب وخرّيجيها كائنات غير مرغوب فيها وعبء على "بن علي" وزمرته.

وفي محاولة لإيجاد شكل أكثر إقناعا، وطريقة أكثر فاعلية وجدوى للتنصّل من مسؤوليتها تجاه خرّيجي الجامعات وأصحاب الشهائد العليا، عمدت السلطة سنة 98 إلى صيغة جديدة بعد تخلّت عن الاختبار النفسي-التقني، حيث صدر قرار مشترك بين وزارتي التعليم العالي والتربية يقضي بخضوع المجازين الراغبين في التدريس إلى مناظرة الكفاءة في التدريس بالتعليم الثانوي "الكاباس". ولتمرير المشروع جاءت التبريرات على لسان وزير التربية منطقية في شكلها مضحكة في عمقها، حين قال: "إن الهدف من العملية التربوية هو الطفل التونسي، وبالتالي لا بد للوزارة أن تنتدب له أساتذة أكفّاء..."

هل حقّا أن الطفل التونسي ومصلحته وراء البلبلة في الوسط التعليمي، أم البحث عن مخارج قانونية لتنصّل الدولة من المسؤولية تجاه خريجي الجامعات.. ومزيد إخضاعهم للابتزاز المادي ومصّ دمائهم ؟؟؟

وللإجابة عن هذا السؤال نتابع شروط مناظرة الكاباس وأطوارها..

في البداية تم الإعلان بأن كليّات معينة ستقوم بدورة تكوينية للغرض مع مراعاة طاقة الإستيعاب وعلى كل من يرغب في الترشح للدورة التكوينية الاتصال بإدارة الكلية التي يريد الالتحاق بها لسحب مطبوعة الترشح مقابل (20د) تدفع لإدارة الكلية. وبما أن عملية التسجيل مرتبطة ببعض الكليات وبطاقة استيعابها، طُرح إشكال جديد بخصوص العدد الذي سيلتحق بالدورة التكوينية.. وكعادته تدخّل "المنقذ" بن علي وجعل الدورة التكوينية مفتوحة للجميع. ووجد عدد كبير ممن غادروا مقاعد الكلية أنفسهم مجبرين على الرجوع إليها وتحمّل أعباء البطالة ومصاريف الدراسة من جديد.

فعند التسجيل يدفع المترشح 50د تضاف إلى 20د سحب مطبوعة الترشح إضافة إلى مصاريف التنقل والكراء والحاجيات اليومية. أما بعد الدورة التكوينية والتي كانت مقررة لمدة سبعة أشهر حسب ما ورد في وسائل الإعلام، انطلقت في شهر جانفي ليجد المترشحون أنفسهم أمام الاختبار الكتابي في شهر مارس وهو ما قلّص الدورة التكوينية إلى ثلاثة أشهر فقط، يدرسون خلالها ساعات محدودات في الأسبوع يعيدون خلالها نفس البرنامج الذي درسوه من قبل، بعد أن ظنوا أن الدورة التكوينية ستخصص للتكوين البيداغوجي. أما في ما يتعلّق بالإختبار، فما أن ينجح المترشح في جزءه الأول الكتابي حتى يقع أمام الشفاهي الذي يعدّ الحاسم في الاختبار.

وفي السنة الدراسية 99/2000 تراجعت السلطة عن الدورة التكوينية واكتفت بنشر البرنامج التكويني في بيان يعلّق بالكلّيات وللطلبة أن يبحثوا عن المصادر والمراجع، ولكم أن تتصوّروا رحلة طالب (أستاذ) بطّال يسافر من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق ليبحث عن مراجع وعن مصادر لدروس ومسائل أنهاها طيلة أربع سنوات أو أكثر بشهادة الأستاذية تحت إشراف أساتذة جامعيين -إنها مهزلة بعينها-

أما في ما يتعلّق بالاختبار فقد حافظت السلطة على الاختبار الكتابي للكاباس مع إخضاع الناجحين فيه إلى دورة تكوينية في مراكز التكوين المستمرّ يجتازون بعده الاختبار الشفاهي يشفع بقبول نهائي للناجحين فيه.

وبهذه الطريقة يُضمن التدريس (كشغل) لأصحاب النفوذ والعلاقات،وذلك عبر لجنة الاختبار الشفاهي، وحرمان الأغلبية الساحقة من الطلبة أصحاب الظروف الاجتماعية المتدهورة ومن لا علاقة لهم بصاحب بيت المال.

إن مهندس مناظرة الكاباس قد صاغها لغاية رئيسية وهي تشريع وقوننة (جعلها قانونية) بطالة أصحاب الشهائد العليا. وجعل الأستاذيات المتحصّل عليها من الجامعة بلا قيمة وغير مجدية.

وهم بذلك يحمّلون الأزمة إلى الضحية لأنه لم ينجح في اختبار "الكاباس". إن بطالة أصحاب الشهائد العليا، وتنصّل الدولة من تحمل مسؤولية تشغيلهم هي حلقة من حلقات تنصّل الدولة /دولة بن علي وحزبه/ من مسؤولياتها الاجتماعية، تجاه مواطنيها، أكان ذلك في مجال التشغيل أو الصحة أو التعليم...

إن حلّ هذه المسألة في يد الطلبة أنفسهم، المتخرّجون منهم ومن مازال يواصل تعليمه وذلك بتوحيد صفوفهم والتصدي لمناظرة "الكاباس" ولبرنامج إصلاح التعليم المملى من قبل الدوائر الامبريالية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) وذلك :

بتوحيد التيارات المناضلة داخل الجامعة وإعادة الاتحاد العام لطلبة تونس إلى دوره الرئيسي، وهو الدفاع عن مصالح الطلبة وليس صياغة البرقيات.

وفتح حوار وطني عميق حول إصلاح التعليمالعالي ومستقبل الجامعة بمشاركة كل الأطراف الجامعية والاجتماعية والسياسية. من أجل :

- جامعة شعبية وتعليم ديمقراطي وثقافة وطنية.

- حرية العمل السياسي والنقابي داخل الجامعة.

- طرد فيالق البوليس من الجامعة، وإعادة هيبتها.

- إسقاط برنامج اصلاح التعليم الحالي والقائمين عليه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني