الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــدد 277
الانتخابات البلدية القادمة:
لن تختلف عن الرئاسية والتشريعية
27 شباط (فبراير) 2010

بعد رئاسية وتشريعية 25 أكتوبر 2009 المهزلة، من المقرر أن تجري انتخابات بلدية يوم 9 ماي القادم. وإذا كان نظام الحكم مازال يلازم الصمت حيال هذا الموعد الانتخابي الجديد، وأحزاب الديكور العاملة في ركابه تتنافس في السرّ من أجل الفوز برضاه لكسب أكبر نصيب من المقاعد التي يخصّصها لها (الخـُمُس) ويوزّعها عليها حسب درجة الولاء، فإن أحزاب المعارضة المستقلة، القانونية منها بالخصوص، مازالت رغم اقتراب الموعد لم تكشف بشكل واضح ورسمي عن موقفها من هذه الانتخابات، إذا استثنينا بعض الأصوات التي عبّرت بشكل فردي عن تشاؤمها، مستبعدة أن تتعظ السلطة بما جرى في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية وتجعل من الانتخابات البلدية المقبلة "بداية للإصلاح السّياسي".

ونحن في حزب العمال الشيوعي التونسي لا نبدي أيّ تفاؤل حيال هذه الانتخابات ونعتقد جازم الاعتقاد من الآن أنها لن تختلف عمّا سبقتها من انتخابات رئاسية وتشريعية، لا لشيء إلا لأنّ منظمها هو نفسه، نظام بن علي الدكتاتوري البوليسي، ولا يمكن لهذا النظام الذي داس بالأمس القريب إرادة الشعب التونسي وسطا عليها، أن يغيّر سلوكه بين عشية وضحاها وينظم انتخابات بلدية تتوفر فيها الشروط الدنيا لانتخابات حرة.

إن المناخ السياسي القمعي الذي ساد خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية واستمر بعدها لم يطرأ عليه أيّ تغيير إلى حدّ اليوم. فالحملة القمعية التي تشنها السلطة على المعارضين السياسيين والحقوقيين والإعلاميين ونشطاء الحركة الطلابية وعموم الشعب متواصلة بلا هوادة. وليس أدلّ على ذلك من استمرار سجن الصحفي توفيق بن بريك والاعتداءات المتكرّرة التي يتعرّض لها الصحفيّون المستقلون (راديو كلمة...) والحكم ابتدائيا على مراسل قناة الحوار بقفصة الفاهم بوكدّوس بـ4 سنوات سجنا في إطار قضية الحوض المنجمي التي لم يطوى ملفها إلى حدّ اليوم، ومناضلو الاتحاد العام لطلبة تونس مازالوا مسجونين في ظروف لا قانونية ولا إنسانية، والحكم استئنافيا على الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس عزالدين زعتور بـ7 أشهر سجنا وعلى 5 من مناضلي نفس المنظمة بالمهدية بأحكام وصلت إلى عام و8 أشهر ونصف سجنا، والقمع الوحشي الذي تعرّض له تلامذة جبنيانة وأهالي الصخيرة (ولاية صفاقس) في الأسابيع الأخيرة، إلخ.

إن كلّ هذه الأعمال والأحداث بالإضافة إلى الحصار المستمر على أحزاب المعارضة والجمعيات والهيئات المستقلة والصحافة الحرة وإلى الاعتداءات المتواصلة على النشطاء في مختلف المجالات، لا تؤشر لأيّ انفراج سياسي يمكن أن تكون له انعكاسات على مجرى الانتخابات البلدية القادمة، بل إنها تؤشر لعكس ذلك، سطو جديد على إرادة الشعب التونسي، وقد يكون هذا السطو أبشع من سطو أكتوبر الماضي بالنظر إلى الطابع المحلي للانتخابات القادمة وضعف الاهتمام الإعلامي، الأجنبي خاصة، بها، ممّا يسمح للسلطة بهامش تصرّف أكبر. وما على متتبّعي الشأن العام ببلادنا إلاّ أن يتذكروا ما حصل في الانتخابات البلدية لماي 2005 التي جاءت هي أيضا بعد أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية لأكتوبر 2004 الصورية. فالسلطة لم تتحرّج وقتها من إسقاط كافة القائمات التي تقدمت بها المعارضة القانونية المستقلة مجتمعة.

إن المشكل كل المشكل في رأينا يكمن اليوم في مكونات المعارضة المستقلة السياسية المعترف بها وغير المعترف بها التي لم تحزم أمرها لتستخلص ما ينبغي استخلاصه لا من الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة فحسب، بل كذلك من أكثر من نصف قرن من الدكتاتورية والاستبداد، وهو أن النظام القائم لا رغبة ولا مصلحة له على الإطلاق في الديمقراطية وأن كل همّه هو سدّ الباب أمام تحقيقها في بلادنا ومجتمعنا، واليوم بالذات، وهو يخطط لـ"التمديد" أو "التوريث"، فهو أقل استعدادا من أيّ وقت مضى، لتقديم أيّ تنازل للحركة الديمقراطية، وهو ما تؤكده الوقائع اليومية.

إن نظام بن علي يخشى في مثل هذا الظرف، الذي يواجه فيه مصاعب جمّة، وعزلة سياسية نسبية لانحسار هامش مناورته، أن تتطور أيّ حركة سياسية أو اجتماعية تفسد مخططاته وتهدّد مصالح الفئات المافيوزية المتمعّشة منه، لذلك فهو يسلك نهجا قمعيا في كل الاتجاهات تحسّبا و"وقاية" حتى تتمّ الأمور وفقا لحسابات "القوى الخفية" التي تمسك فعليا بزمام الأمور.

إنّ واجب المعارضة المستقلة والجادة في مثل هذه الحال هو أن لا تسلك سياسة النعامة، وتبقى دون بوصلة، حابسة نفسها في ردود الفعل الجزئية، بل عليها أن تبلور ردّا على مقتضيات المرحلة ككل، ردّا يشمل تصوّرها للتغيير الديمقراطي الذي يمكنها من التصدّي لمخططات نظام الحكم على مستوى المرحلة كما على المستوى المباشر ومن معرفة التعامل مع الانتخابات البلدية أخذا بعين الاعتبار ذلك التصور الذي يقودها.

إن حزب العمال منفتح على كل مقترح لعمل مشترك، جدّي، وفعّال، ينطلق من قراءة صحيحة للأوضاع ويندرج ضمن تصوّر عام لتغيير ديمقراطي حقيقي يخرج تونس وشعبنا من نفق الدكتاتورية المظلم.

في هـذا العـدد
أخبار
مقالات



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني