الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أبواب موصدة... فمتى تفتحها ثورة الشعب؟
القيروان:
أبواب موصدة... فمتى تفتحها ثورة الشعب؟
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

ونظل نكتبُ ما لا يُكتب، ونقول ما لا يُقال، نظل نتأمل دائما في وجوه المستضعفين، نقرأ ملامحهم الهاربة إلينا، نختزل تعاسة الفقراء وكآبة الفلاحين، نبحث في أجسادهم الكادحة عن تفسير منطقي لاظطهادهم اليومي.

نبحث كما كنا دائما عن سبب جوع أناس يثقل كاهلهم ذاك الركض الأبديّ وراء الرّغيف.

وتظل «صوت الشعب» شمسنا الأخرى، تظل مرآتنا وصدى أصواتنا إلى ما بعد الأرض تسترق لحظة أوجاع المعذبين في هذه المدينة المهمَشة لتكتب ببساطة فلاحة مكابرة آلامنا وجراحنا وصورتنا الأخرى.

القيروان مهد الحضارات ورمز الفتوحات الإسلامية وتاريخ إفريقيا لم تسلم من أكاذيب نظام بن علي وأقنعته المنمقة إذ لطالما همشتها رموز الفساد من ولاة ومعتمدون تداولوا على المناصب وأبرزوا جشعهم كأفظع ما يكون من استغلال متوحش لمواردها وثرواتها لصالح العائلة الحاكمة، كما يفسر تهميش هذه المنطقة منذ عهد بورقيبة مرورا بعهد الديكتاتور المخلوع بانتمائها للحركة اليوسفية في الماضي.

فالتنميق الزائف ظاهر للعيان، إبان دخولك المدينة تستقبلك الأضواء المشعة والأقبية الشامخة، شعارات هنا وهناك كانت قد نادت بها أياد طالما تمعشت من حكم جائر.

إن مدينة القيروان تعادل القصرين وسيدي بوزيد تهميشا وحقرة وهي لا تقل عنها من حيث نسب البطالة والفقر وغياب النموّ الصناعي والفلاحي بعد الإستقلال.

ولاة ومعتمدون تداولوا على السلطة نصّبهم بن علي وزبانيته ليكونوا في خدمة الفساد والمفسدين متجاهلين أن المهمة الرئيسية للوالي هي خدمة البلاد والعباد وليس حكم البلاد والعباد.

فهل تحسّن الوضع بعد ثورة الأحرار؟ هل أحس الأهالي بانتمائهم وحريتهم وكرامتهم أم أن الحال بقي كما هو؟

«الولاية» : اظطهاد وتخاذل

«الولاية» عنوان ديكتاتورية بن علي وسبب سقوطه في آن، لا تمثل شيئا في مدينة القيروان سوى أبواب موصدة يخيم عليها الإحباط و سياسة التمليل التي سئمها المواطن بعد الثورة.

جنود هنا وهناك لسنا ندري إن كانوا موجودين فعلا لحماية الممتلكات العامة أم أنهم هناك لحماية ملفّات خطيرة ووال عاجز، ذاك الوالي الذي عهدناه دائما صورة شكلية لنظام بائد، يغيب ليعود دون خجل من تاريخه التجمعي هو ومجموعة طالما ناشدت الرئيس المخلوع لازالوا قائمين على إدارة هذه البلاد التي تاهت وهضم حقـّها، بل وينصّبون أنفسهم رؤساء قوائم للانتخاب.

صادفتنا، داخل الولاية، «صبيحة الشرادي»... قرأت على ملامحها علامات التذمر والشكوى والإحباط.

تقول صبيحة غاضبة: «للمرة الأولى آتي إلى الولاية صحبة والدي المعوّق، قبل ثورة الكرامة كنت متأكدة بل كنت على يقين من أن لا جدوى في المجيء إلى هنا والتوسّل لنيل حاجة بعد ذل، اليوم آتي عساني أظفر بالمعونة يستقبلونك بترحاب وبشاشة سئمناها، ابتسامات مقنّعة لا تسمن ولا تغني من جوع وبقدر ما تشتكي بقدر ما يتقنون إقناعنا عن طريق حجج وأسباب واهية.. كم هي قوية قبضة بن علي! رحل المخلوع ولكن ألاعيبه مازالت قائمة.. ليس يجدي بقائي ها هنا... لدي صغار ينتظرون خبزا» . هكذا أنهت محدثتي الكلام بصوت يائس محبط.

وكنا قد تحدثنا في إحدى المقالات بتاريخ 13 أكتوبر تحت عنوان «القيروان زمن آخر للتهميش» عن نصر الدين الحربي وتجربته المريرة مع الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، نجده اليوم بالولاية بعد مقابلته لأحد المسؤولين. أن أحد الزملاء يعاني نفس المشكل وأن لا جدوى من مقابلة الوالي فالوالي مجرد صورة لا غير.

«استقبلني أحد الأعوان بالولاية، أكد لي مدى قلة التنظيم بتلك الشركة وأنها تعاني نقصا فادحا في الأجهزة وأنّه هو نفسه رغم التدخلات لم يتمكن من قضاء حوائجه وأن الثورة قد...» . ثم يواصل قائلا: «لست أدري هل هي حججٌ حقيقة أم أنها أجوبة جاهزة وحوار ممنهج لسياسة تمليلية ليست بغريبة عن بقايا رموز نظام يخشون نجاح الثورة؟».

الكل في الولاية حائرون. لا جديد يذكر. الحال هو الحال، والقيروان كما عهدناها... صمت دائم، وفرصة أخرى لبعث بقايا التجمع المقبور.

الشباب: أحلام موءودة

إن شباب القيروان بالرغم من طاقاته التي هدرت وبالرغم من إبداعاته الصامتة، يقتل السكون اليوم ويحاول جاهدا حماية ثورته حالما بغد أفضل وذلك من خلال انخراطه في اللجان الجهوية وتكوين جمعيات خيرية وأخرى توعوية وإصلاحية.

إلا أن هذه الجمعيات تـُقبَر قبل أن ترى النور، فتتبخر أحلام الشباب وتذبل ورودهم وتضمحل أمانيهم.

فكيف لجمعية ما أن تحقق أهدافها وأن تنمي غاياتها وتوصل مبادئها دون دعم مالي من قبل ما يسمى بالسلطات المعنية؟

ويعدّ غياب مقر للجمعية السّبب الرئيسي في عدم تحركها وتطورها وفي ذلك ضرب للمجتمع المدني من قبل هذه الحكومة التي تقر أنها مؤقتة في حين أنها تثقل كاهل تونس بالمديونية وتجعلها رهينة التبعية.

أيمن النقاطي رئيس جمعية المحرومين من حق الشغل التي من أهدافها توفير إطار ينظم مساعي طالبي الشغل وإيجاد أطر تمكن المنخرطين بالمنطقة من التواصل مع جميع المصالح الجهوية والمحلية والوطنية وحل المشكلات المتعلقة بالتشغيل والعمل على محاصرة كل الطرق غير القانونية وغير مشروعة كوسائل لتشغيل. يقر في مقابلة معه: «إن الجمعية تشكو نقصا فادحا في الدعم المالي وبالتالي فإن ضرب هذه الجمعية يتم من خلال عدم وجود مقر إضافة إلى تجاهل المعتمد والوالي وقلة احترامهم وسوء استقبالهم ورفض مقابلة اللجان المحلية، كل هذه العوامل تثقل كاهل الجمعيات ممّا ساهم في تراجعها وبالتالي في غياب الجمعيات شيئا فشيئا وضعف المجتمع المدني وعودة الديكتاتورية والتفرد بالرأي». ويضيف أيمن: «يبدو أن هناك أطرافا تقف وراء تعطيلنا في مدينة القيروان وهي أطراف تحاول جاهدة الالتفاف على الثورة و إفراغها من محتواها وإجهاض أهدافها، من بينهم إطارات ومعتمدون يريدون أن توءد أحلامنا ويقبر توقنا للكرامة والحرية».

جمعية الصحفيين بالقيروان ليس لها مقر أيضا. وهي تشكو المماطلة من قبل مسؤولي الولاية والمعتمدين.

مكتب التشغيل: غموض ومماطلة

أما عن أصحاب الشهائد العليا والمعطَلين عن العمل فإن المكتب الجهوي للتشغيل بقي كما هو عليه من حيث الإرشاد والتأطير وذلك من خلال الضعف الإرشادي باعتبار أن المرشد نفسه تنقصه المعلومات.

باب موصد لرئيس المكتب الذي يرفض في أغلب الأحيان مقابلة الشباب بتعلَة انشغاله بمجلس أو باجتماع هام.

«هاجر بالأكحل» متحصّلة على شهادة الأستاذية في اللغة الفرنسية، تعرّضت للطّرد التعسفي من قبل مركز نداء عالمي بعد ثلاث سنوات من العمل، تعود اليوم إلى مدينتها المهمشة عساها تظفر كغيرها بمنحة أمل للمعطلين: «أنا اليوم معطلة منذ أربعة أشهر. لم يقع تمكيني من منحة أمل بحجة أنني انخرطت بالضمان الاجتماعي لمدة عامين، في حين أن معظم صديقاتي يتمتعون بهذه المنحة رغم أنهم بصدد العمل ببعض المؤسسات، فبأي مقياس تمنح هذه المنح؟ تعرّضتُ للاستغلال الفاحش داخل مؤسسة خاصة هي رمز لجشع رؤوس الأموال، ثم عدت لمدينتي بخفي حنين لأحرم من منحة أمل» . قالت هاجر وقد سكنتها حرقة الألم: «حاولت جاهدة مقابلة مسؤول بالمكتب إلا أنهم كعادتهم يوجهونك صوب زميل ليوجهك بدوره نحو زميل آخر لأعود منهوكة القوى يائسة بائسة كغيري من أبناء القيروان الفقراء المستضعفين».

وليست هاجر الوحيدة التي لم تتمكن من منحة أمل، فالعديد من المعطلين محرومون منها، على غرار محمد الحربي الذي تم طردي تعسفيا من مركز النداء «تلبرفورمنس» أحاول جاهدا منذ أربعة أشهر أن أظفر بمنحة أمل إلا أن رئيس المكتب غائب على الدوام.

الثورة فتحت أبواب الأمل

القيروان.. شباب عاطل يعجز المسؤولون عن إيجاد حلول ولو مؤقتة تخفي بعضا من مظاهر الفقر والعجز. محاولة قذرة للالتفاف على هذه الثورة الشعبية من قبل بقايا نظام طالما اضطهد الأهالي وفقَر السكان وجعلهم يئنون تحت وطأة الطغيان.

أبواب موصدة وأزقة يخيم عليها شبح بن علي، تواصل للفساد والرشوة والمماطلة ومحاولة دائمة لإخفاء ما كان من جرائم وسرقة، ضعف رؤساء المؤسسات وعجزهم في خضم حكومة أسست لضعف هيبة الدولة وأخلت بتحقيق المطالب الأساسية للشعب.

إن الشعب الذي أسقط بن علي لم يسقطه للظفر بالحريات السياسية فحسب بل أسقطه لتحقيق مطالبه الاجتماعية في الشغل وفي السكن وفي مجانية الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم. وهذا الشعب قادر اليوم بفضل وحدته والتفافه حول القوى الثورية التي تطرح برامج ثورية مثل حزب العمال، هذا الشعب قادر على كنس بقايا بن علي وإقامة دولة ديمقراطية وشعبية تتحقق فيها الحياة للجميع وخاصة للفئات المحرومة والكادحة من عمال وفلاحين فقراء وغيرهم.

محمد الحربي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني