الصفحة الأساسية > البديل الوطني > نتائج الانتخابات، بين الهزيمة والانتصار...
نتائج الانتخابات، بين الهزيمة والانتصار...
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

في الثالث والعشرين من أكتوبر الجاري عرفت البلاد التونسية أحد أهم المحطات في تاريخها الحديث وذلك بانتخاب الشعب التونسي لأول مجلس تأسيسي في أجواء ديمقراطية ووسط قبول جماهيري مكثف أبهر جميع المتتبعين للشأن التونسي في الداخل والخارج خصوصا وأن المسار الانتقالي عرف ارتباكا ملحوظا في العديد من جوانبه ولم يشكل امتدادا لمطالب الثورة بل شهد تعثرا كبيرا في ظل هيمنة القوى المعادية للثورة.

ومنذ انطلاق عملية الفرز وبداية تسرب نتائج الانتخابات أصبح الحديث رائجا عن تغير الخارطة السياسية في البلاد وصعود التيار الإسلامي بعد الفوز الساحق الذي حققته حركة النهضة وحلفاؤها في انتخابات المجلس التأسيسي الذي سيمثل منعرجا حاسما باعتبار أنه سيؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ تونس.

لم تجد حركة النهضة -التي لم تعرف لدى الأوساط الشعبية إلا بمرجعيتها الإسلامية- من منافس لها في الاستحقاق الانتخابي سوى الأحزاب الوسطية التي تنزع نحو الليبرالية على غرار المؤتمر من أجل الجمهورية أو تنحو نحو الاشتراكية والتي يمثلها التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وفي المقابل فشل اليسار بجميع شقوقه في كسب ود الناخبين ووجد نفسه خارج معركة المجلس التأسيسي رغم أنه كان من أول المدافعين عن هذا المطلب وناضل في القصبة1 و2 من أجل فرضه على بقايا الدكتاتورية.

إن فوز الإسلاميين وبعض أحزاب الوسط مقابل هزيمة اليسار يفضي بنا إلى البحث في أسباب الانتصار من جهة وعوامل الهزيمة من جهة أخرى، وهو ما يمكن أن نجد له إجابات شافية في طبيعة القاعدة الانتخابية التي رجّحت كفة البعض على حساب البعض الآخر ومثلت عنصرا لحسم الصراع الانتخابي بين الفرقاء السياسيين. فالإسلامون توفرت لديهم جملة من الشروط السانحة للفوز وعلى رأسها المسألة العقائدية التي شكلت بالنسبة لهم جمهورا انتخابيا لا بأس به خصوصا وأن النظام النوفمبري كان يطوّق عقائد الناس بفرض نمط ديني واحد محدد مسبقا وكان يمارس القمع الوحشي ضد الخارجين عن هذه القاعدة وعلى رأسهم الإسلاميين، وهو ما خلق زخما شعبيا تأسس على قاعدة التعاطف مع الاتجاه الإسلامي منذ تسعينات القرن الماضي خصوصا وأنه يعبر في نظر الكثيرين عن الهوية العربية الإسلامية التي سعى نظام بن علي إلى ضربها، هذا بالإضافة إلى أن حركة النهضة سعت منذ سقوط بن علي إلى استمالة القاعدة القديمة للتجمع المنحل وإقناعها بضرورة تبني خطابها القائم في جوهره على أساس ديني مما يسمح لـ «لتجمعيين التائبين» بإعادة التموقع داخل الخارطة السياسية وذلك بالاختفاء وراء الانتساب إلى حركة إسلامية ذات حظوظ شعبية.

أما بالنسبة لأحزاب الوسط فقد تزايدت حظوظها الانتخابية من خلال تعويلها على الخطاب السياسي المعتدل الذي وجد صدى واسعا لدى الفئات الوسطى التي تجنح إلى الوسطية في تفكيرها وترفض الأطروحات الأخرى التي ترى فيها أكثر تطرفا سواء من اليمين أو اليسار وهو ما دعم حضور المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل داخل المجلس التأسيسي.

وسط الاكتساح الذي عرفته الخطابات الإسلامية والوسطية كان حضور اليسار باهتا وضعيفا نظرا لجملة من العوامل الذاتية التي يطول شرحها ولكن يبقى أهمها تشرذم الحركات اليسارية وعدم فهمها لحاجيات الواقع الموضوعي في بعض الأحيان، هذا بالإضافة إلى تظافر جملة من العوامل الموضوعية التي قلصت الحظوظ الانتخابية لليسار ومن بينها التشويه العقائدي والأخلاقي الذي طال جل الحركات اليسارية خصوصا تلك التي جرى تصنيفها في خانة أقصى اليسار على غرار حزب العمال الذي عرف بكفاحية مواقفه السياسية وتمكنه من الوصول إلى الأوساط الشعبية في مناسبات عدة ولكنه ظل عاجزا عن ترويج برامجه نظرا للدعاية المضادة التي كان يتعرّض لها والتي تأخذ في أغلب الأحيان أبعادا دينية.

ياسين النابلي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني