الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أحكام قاسية وجائرة إثر محاكمة صورية
المحكمة تصدر أحكامها في "قضية سليمان":
أحكام قاسية وجائرة إثر محاكمة صورية
13 كانون الثاني (يناير) 2008

أصدرت الدائرة الجنائية الرابعة لدى المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة يوم الأحد 30 ديسمبر 2007، أحكامها في "قضية سليمان" التي تعود أحداثها إلى ديسمبر 2006 ومطلع جانفي 2007، والتي حصلت فيها مواجهات مسلحة بين قوات الجيش والبوليس من جهة ومجموعة سلفية من جهة أخرى أسفرت عن سقوط مالا يقل عن 14 قتيلا حسب السلطات (12 من المجموعة المسلحة و2 من قوات البوليس).

وقد قضت المحكمة التي ترأسها القاضي محرز الهمامي بإعدام اثنين من المتهمين هما عماد بن عامر (34 سنة) وصابر الراڤوبي (24 سنة) والسجن مدى الحياة على 8 منهم ولمدة 30 عاما على 7 آخرين. وتراوحت الأحكام بالنسبة إلى البقية ما بين 20 سنة و5 سنوات سجنا.

وأكد المحامون وكل الذين تابعوا هذه المحاكمة التي هي واحدة من أخطر المحاكمات التي يجريها نظام بن علي تحت غطاء "مقاومة الإرهاب"، أنها كانت صورية، لم تتوفر فيها للمتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم سواء لإبراز ما تعرضوا له من تعذيب وحشي أثناء استنطاقهم بمحلات البوليس السياسي وإرغامهم على إمضاء محاضر لم يطلعوا على فحواها وتزوير تواريخ إيقافهم بهذه المحاضر أو لتبيان براءتهم من التهم الموجهة إليهم وتقديم روايتهم لما حصل بالضبط، وهو ما اضطرهم إلى مغادرة قاعة المحكمة خلال الجلسة الأخيرة احتجاجا على انتهاك حقهم في الدفاع عن أنفسهم، علما وأنه تم الاعتداء عليهم بالهراوات من قبل البوليس في جلسة سابقة (جلسة 15 ديسمبر 2007) على مرأى ومسمع من هيئة المحكمة التي لم تحرك ساكنا. بل إن بعض الحاضرين يؤكد أن البوليس تدخّل بإشارة من محرز الهمامي رئيس الدائرة.

ومن جهة أخرى لم تتوفر الفرصة في هذه الحاكمة للمحامين كي يدافعوا عن منوبيهم في كنف الحرية. فالقاضي محرز الهمامي منعهم منذ الجلسة الأولى من القيام بواجبهم ورفض الاستجابة لأبسط مطالبهم التي تأتي في مقدمتها تمكينهم من الوقت الكافي لإعداد مرافعاتهم في قضية بمثل هذه الخطورة، ومدهم بكافة أوراق الملف والسماح لهم بزيارة منوبيهم دون منع أو عراقيل. وقد وجد المحامون أنفسهم مضطرين إلى الانسحاب من الجلسة للمرة الثانية حتى لا يشاركوا في مهزلة قضائية ولا يشرعوا الأحكام القاسية والجائرة الصادرة ضد منوّبيهم. وأمام هذا الانسحاب لم يتورّع رئيس المحكمة، من تسخير محامين ينتمون لخلية الحزب الحاكم كانوا مجندين للغرض منذ بداية المحاكمة، وحاضرين بكل جلساتها للاستنجاد بهم عند الحاجة. وقام هؤلاء في قاعة خالية من المتهمين ومن محامييهم الأصليين، بدور حقيق بالنيابة العمومية إذ أنهم أكدوا تورّط المتهمين في "ما نسب إليهم من أفعال" وطالبوا لهم "بظروف التخفيف".

وهكذا أصدرت الأحكام في هذه القضية دون أن يتمكن المتهمون من الدفاع عن أنفسهم مباشرة أو عن طريق محاميهم، كما طوي ملف هذه القضية في طوره الأول دون أن يتضح للرأي العام ما جرى بالضبط في أواخر ديسمبر2006 ومطلع 2007. ومن الواضح أن السلطة ترغب في الحفاظ على التعتيم الذي حف بهذه القضية منذ البداية والانتقام من الشبان الموقوفين فيها ظنا منها أن هذا الأسلوب سيضع حدا لظاهرة "السلفية الجهادية" وأنه سيردع كل من ينخرط في هذا التيار ويحول دون وقوع أعمال عنف جديدة.

ومهما يكن من أمر فإن الأسلوب الذي عولجت به "قضية سليمان" استنطاقا وأحكاما، يدفعنا إلى الخروج ببعض الاستنتاجات، أولها: إمعان نظام بن علي في نهجه القمعي والدكتاتوري والاستهتار بالرأي العام ورفض أي معالجة جدية للأسباب الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تدفع بآلاف الشباب إلى التطرف الديني والعنف. وثانيها: الحالة البائسة التي وصل إليها القضاء التونسي وخصوصا "قضاة الإدارة" أو "قضاة التعليمات" الذين يتصدّرهم اليوم سيء الصيت القاضي محرز الهمامي. فجهاز القضاء أصبح أكثر من أي وقت مضى مجرد مساعد لجهاز البوليس لا يتجاوز دوره إصباغ طابع قضائي على قرارات البوليس السياسي وتشريع تجاوزاته وانتهاكاته (تعذيب، تزوير محاضر...).

إن القوى الديمقراطية، أحزابا وجمعيات ومنظمات وهيئات حقوقية مطالبة اليوم بأن تتحرك بسرعة وبحزم من أجل التشهير بهذه المهزلة القضائية وبالأحكام الصادرة عنها وخصوصا أحكام الإعدام والمطالبة بمراجعة المحاكمة وإعادتها إلى الطور الأول وتمكين المتهمين من حقهم في الدفاع عن أنفسهم وفتح بحث جدي ومستقل في ما تعرضوا له من تعذيب وسوء معاملة. كما أنه من الواجب مواصلة المطالبة بفتح تحقيق حول الأحداث التي جدت والتي تتم اليوم على خلفيتها هذه المحاكمة حتى يعرف الرأي العام حقيقة ما جرى.

وما من شك في أن الطريقة التي تم بها إصدار حكم الإعدام ضد كل من عماد بن عامر وصابر الراڤوبي، أي بتسرع ودون بحث جدي ودفاع، يحث كل القوى الديمقراطية على تشديد الحملة من أجل إلغاء الحكم بالإعدام لا لأنه مناف للحق في الحياة بل كذلك لأن ضحاياه كانوا ومازالوا في تونس من أبناء الطبقات والفئات الفقيرة ومن المعارضين السياسيين لنظام الحكم المحرومين من حقهم في حرية التعبير والتنظم والمساهمة في الحياة العامة.

ودون أن تكون لنا نية التدخل في شأن الهيئة الوطنية للمحامين فإننا نتساءل عمّا إذا كان يجوز السكوت عن الدور المخزي الذي قام به عدد من المحامين المنتمين للحزب الحاكم والذين سخرهم القاضي محرز الهمامي لـ"الدفاع" عن المتهمين بعد انسحاب المحامين الأصليين. ففي أيّ بلد يتوفر فيه حدّ أدنى من احترام مهنة المحاماة، فإن مثل أولئك المحامين يحالون مباشرة على مجلس التأديب لانتهاكهم أبسط أخلاقيات المهنة وتشويه سمعتها لأن سلوكهم أقرب من سلوك الجلاد منه لسلوك المحامي.

وختاما فإننا ننبه إلى احتمال إسراع نظام الحكم بتعيين الاستئناف، وقد عُيّن فعلا ليوم 15 جانفي، الجاري وطيّ صفحة هذه القضية بسرعة وإقرار أحكام الإعدام وتنفيذها، خصوصا وأن نظام بن علي كان قد "تحفظ" في شهر نوفمبر الماضي حول دعوة الأمم المتحدة كافة دول العالم إلى تعليق تنفيذ أحكام الإعدام. لذلك فإنه من الضروري التحرك بالسرعة اللازمة على المستووين الوطني والدولي من أجل مراجعة المحاكمة وفقا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وإنقاذ حياة عماد بن عامر وصابر الراقوبي.

ملاحظة

تعيين جلسة الاستئناف في قضية "مجموعة سليمان"

علمت "صوت الشعب" أنه تم رسميا تعيين جلسة الاستئناف في قضية "مجموعة سليمان" ليوم الثلاثاء 15 جانفي 2008، علما أن الحكم الابتدائي صدر يوم 30 ديسمبر الماضي.

ويؤكد المحامون أن الإسراع بتعيين الجلسة لا يمثل مؤشرا إيجابيا وإنما هو دليل على رغبة السلطة في طيّ ملف القضية بسرعة وعدم ترك الوقت للجمعيات والمنظمات والهيئات الحقوقية لتنظم حملة ضد انتهاك حقوق الدفاع في هذه القضية، وخصوصا ضد أحكام الإعدام الصادرة فيها، والتي لا يُستبعد الإسراع في تنفيذها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني