الصفحة الأساسية > البديل الوطني > ندوة حول الإسلام والدّولة والديمقراطية
هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات:
ندوة حول الإسلام والدّولة والديمقراطية
كانون الثاني (يناير) 2008

نظمت "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" يوم الجمعة 11 جانفي 2008 محاضرة حول "الإسلام والدولة والديمقراطية" ألقاها الأستاذ الجامعي عياض بن عاشور. وشفعت هذه المحاضرة بنقاش شارك فيه رموز من الأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية، وأعضاء "هيئة 18 أكتوبر" وهم على التوالي، الأساتذة خميس الشماري (مستقل)، ولطفي حجي (نقيب نقابة الصحفيين)، وأحمد نجيب الشابي (الحزب الديمقراطي التقدمي) وحمه الهمامي (حزب العمال الشيوعي التونسي) والصحبي عتيق (إسلامي) وعياشي الهمامي وأحمد الكيلاني (مستقلان) وسامي براهم (باحث) وعمر الشاهد (ناصري).

وتندرج هذه المحاضرة في إطار نشاط "منتدى 18 أكتوبر" الذي أنشئ مع "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" لاحتضان الحوار الفكري والسياسي بين مكوّنات الهيئة لبلورة ميثاق ديمقراطي.

وقد قسم عياض بن عاشور محاضرته إلى خمسة أقسام، مقدمة، وتعريف الدولة الديمقراطية، والديمقراطية في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، ومواجهة الدولة الديمقراطية والإسلام في العصر الحديث، وأخيرا قدم المحاضر مقاربة للخروج من الوضع الحالي. ويمكن حوصلة الأفكار الرئيسية الواردة في هذه المحاضرة على النحو التالي:

1 – إن الديمقراطية ليس لها جذور تاريخية في الحضارة الإسلامية سواء في الأدب السياسي أو الممارسة الواقعية وذلك على عكس الحضارتين اليونانية والرومانية (الفترة القنصلية خصوصا) اللتين مورست فيهما أشكال من الديمقراطية. إن الفكرة الأساسية الطاغية في الأدب السياسي هي فكرة الطاعة، والاستبداد هو الطاغي في الممارسة السياسية. وكان هذا الواقع أساسا للتنظيرات حول "الاستبداد الشرقي".

2 – إن الديمقراطية لا تنحصر في مفهــوم "حكم الشعب للشعب" كما هو شائع، فهذا المفهوم يعكس المعنى الأفقر وليس المعنى الحقيقي للديمقراطية التي تتكون في معناها التاريخي اليوناني من ثلاثة أقطاب أساسية: الأول حرية الرأي، والثاني: المساواة (المساواة ضمن الإطار الاجتماعي العبودي: المساواة في صفوف الذكور (إقصاء النساء) وفي صفوف الأحرار (إقصاء العبيد). والثالث: الاقتراع أو الانتخاب، وبمعنى آخر فإن الديمقراطية بمعناها الحقيقي لا تقف عند الجانب الإجرائي ولكنها تتعداه إلى جملة من المبادئ والقيم الجوهرية (المساواة، حرية التعبير والتنظم والاجتماع...).

3 – في التاريخ الإسلامي، يرفض الشيعة مبدأ "الجماعة" و"الاختيار" ويعتبرون أن الحكم في حاجة إلى "عصمة"، إلى إمام معصوم، لأن الإرادة الجماعية "ذات أهواء" وهي "مخطئة" دائما و"فوضى" و"غير معصومة" لذلك رفض الشيعة مبدأ الإجماع، كما رفضوا الاعتماد على رجال الحكم لأنهم "منبع الضرر والفتن والأخطاء" والحل هو في الإمام المعصوم من الأهواء والأخطاء والمتمتع بشيء من "الإلهام الإلهي".

أما السنة، الذين يسمون أنفسهم أيضا أهل الجماعة، فهم يخالفون الشيعة ويمكن القول أنه يوجد منوالان لدى أهل السنة: منوال العلماء والفقهاء، وفيه تأكيد لـ"عصمة الأمة" ("لا تتفق أمتي على ضلالة" – حديث) ولـ"مبدأ "الإجماع" وهو أقرب إلى المنوال الديمقراطي مقارنة بالشيعة. ومنوال أهل الشرع، وهو منوال يختلف عن منوال العلماء والفقهاء. ويرتكز على مبدأ الطاعة، وهذا المنوال هو الذي يعبر أكثر من غيره عن واقع النظام السياسي الإسلامي سواء في شكله الخليفي (الأموي، العباسي) أو الإماراتي (الإمارات الإسلامية) أو الطوائفي (الأندلس) أو السلطاني (بلاد المغرب الإسلامي).

وفي كلمة فإن السمة المشتركة تاريخيا للأنظمة السياسية الإسلامية هو الاستبداد والقهر والأحادية.

4 – إن كلمة الديمقراطية لا أثر لهـا في الأدب السياسي الإسلامي القديم. وقد دخلت إلى اللغات الإسلامية (العربية، التركية، الفارسية) في القرن السابع عشر (1675م). ثم شاعت شيئا فشيئا إلى أن استعملها عبد الرحمان الكواكبي بمعناها الحديث (كتاب "أم القرى" 1898). وقد اعتبر الكواكبي أن الحكومة الإسلامية كانت أصلا، حكومة دستورية، ديمقراطية (في عهد الراشدين) ولكنها انحرفت عن ذلك لاحقا فأصبحت ملكية استبدادية. وهذه الفكرة هي فكرة الحركة الإصلاحية التي مثلها أيضا رشيد رضا عبد الله جمال الدين وخضر الحسين والطاهر بن عاشور. الديمقراطية عند هؤلاء لا تكون إلا في إطار إسلامي.

ومقابل هذا الطرف الإصلاحي وُجد ويوجد اتجاه رافض للديمقراطية، وهو يستند أيضا إلى النصوص، معتبرا أن الديمقراطية منافية للعقيدة الإسلامية لأنها مبنية على سيادة الشعب بينما الإسلام مبني في نظرهم على "حكم الله" (الحاكمية لله)، ولأن الديمقراطية تتبنى ضمنا أو صراحة فصل الدين عن الدولة بينما الإسلام لا يفصل بينهما، ولأن الدولة الديمقراطية قائمة على حماية وضمان حقوق الإنسان بينما الإسلام يولي الاعتبار الأول لحقوق الله لا حقوق "العباد"، وأخيرا فإن الدولة الديمقراطية قائمة على مبدأ حرية المعتقد دون قيد بينما المنوال الإسلامي لا يعترف بحرية الاعتقاد للمسلم خصوصا (فقه الردّة الذي يعاقب المرتد بالقتل). ويمثل هذا التيار الرافض للديمقراطية لأنها "لا تماشى مع الإسلام ولا توافقه" سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي والحركات الأصولية الراديكالية والحركات الجهادية والتكفيرية.

5 – إن الخروج من أزمة العالم الإسلامي اليوم المتسم عامة بالعنف والفوضى والاستبداد يمكن أن يتم عبر إيجاد توافق بين التيارات الديمقراطية والحركات الإسلامية التي تبنـّت في خطابها المفاهيم الديمقراطية، وأصبحت قابلة بالتعايش مع غيرها، على أساس تلك المفاهيم. وينبني هذا التوافق على القبول بديمقراطية إجرائية على الأقل، وهي تتمثل في شيء بسيط: الغالب انتخابيا يحكم حسب برنامجه السياسي ولكنه "يقف دون حقـّه" ويلتزم بعدم المساس بالحريــــات والحقوق الجوهرية. وبهذه الصورة يمكن الالتقاء بين العلماني والإيماني، بين المؤمن واللامؤمن، كما يمكن لهذه الديمقراطية الإجرائية أن تمهد للديمقراطية الجوهرية. ولكن هذا الرهان محفوف بالمخاطر ونجاحه مشروط بعوامل عدة منها أولا التغلب على النزعات الأصولية الراديكالية التي تعتبر الوصول إلى الحكم وسيلة للاستيلاء عليه وفرض الاستبداد، وثانيا: القبول بمبدأ "مسلم الضمير الداخلي" أي المسلم الذي لا يفرط في دينه ولكنه يوكل مسألة الفقه والسياسة للدولة، وثالثا: القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية لأنها الأقل سوء في كل الأنظمة السياسية، ورابعا: اعتبار الديمقراطية هدفا لا وسيلة للسيطرة على الآخرين.

6 – إن أي مقترح لتجاوز الواقع الإسلامي اليوم لا بد أن يراعي "إسلامية المجتمع" ويتعامل مع الشعب في نطاق الرموز والمفاتيح الفقهية التي يفهمها والمتغلغلة في وعيه لمساعدته على تجاوز ذاته والانتقال إلى الديمقراطية، خصوصا في الواقع الحالي الذي يراوح بين المجتمعات الإسلامية التي تعيش حروبا أهلية وبين المجتمعات التي تعيش تحت الاستبداد. وهذا يغذي ذاك.
وعلى إثر هذه المحاضرة تدخّل رموز من الأحزاب والشخصيات لإثارة قضايا أو مناقشة المحاضر في ما أثاره من أفكار، وهذه حوصلة لبعض التدخلات:

1 – خميس الشماري: نوّه بالمحاضرة، وذكّر بالإطار الذي تندرج فيه وهو منتدى 18 أكتوبر، وأكد أن الهدف من النقاش ليس كما يزعم البعض "ملاحقة الإسلاميين"، وإنما بلورة اتفاقيات مشتركة.

2 – لطفي حجي: أكد أن طريق المسلمين إلى الديمقراطية يمر عبر تكريس القواعد التالية:

أ – نزع القداسة عن الفعل السياسي.

ب – الفصل بين السلطات وتحديد المسؤوليات والأدوار بما يتيح إمكانية المحاسبة والاختيار.

ت – نزع الهيمنة الدينية عن المعرفة العلمية

ث – فك الارتباط بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية.

ج – تأكيد على مبدأ المواطنة كدائرة ولاء تعلو على جميع الولاءات العصبية.

3 – أحمد نجيب الشابي: تعرض للخصوصيات الحضارية والثقافية للعالمين المسيحي والإسلامي، ليستنتج أن العلاقة بين الدين والدولة في البلدان الإسلامية يمكن أن تكتسي خصوصية بالنظر إلى ارتباط الدين والدنيوي، والدين بالسياسة. كما تساءل عن مفهوم "مسلم الضمير الداخلي" وعن مدى تطابقه مع الواقع الإسلامي.

4 – حمّه الهمّامي: تعرّض للأسباب التي جعلت "هيئة 18 أكتوبر" تطرح مسألة علاقة الدين بالدولة للنقاش (تسلط نظام الحكم ومحاولة احتكار الدين، وجود تيارات أصولية وسلفية تكفيرية واستبدادية، وجود نزعات تخلط بين العلمانية ومعاداة الدين...) كما أثار الإطار الذي تطرح فيه هذه المسألة وهو إطار السياسة وليس الهوية. وأخيرا بيّن أن المطروح بين مختلف مكونات "الهيئة" هو الاتفاق حول المبادئ الثلاثة التالية: مدنية القانون ومدنية السلطة ومدنية المرجعية في العمل السياسي.

5 – الصحبي عتيق: أكد في البداية أن التيار الإسلامي (حركة النهضة) يؤمن بمدنية السياسة، أي خضوعها للاجتهاد البشري ومن ثمة مدنية الدولة. ولكنّ المتدخل تراجع ليؤكد وجود "قطعيّات" إسلامية لا يمكن تجاوزها، وأثار مسألة الهوية العربية الإسلامية معتبرا أنها الإطار الذي يجب أن تعترف به كل الأطراف وتعمل فيه.

6 – عياشي الهمّامي: أثنى على المحاضر وأكد أن الهدف من النقاش هو التوافق على أسس الدولة الديمقراطية، وانتقد تدخل الصحبي عتيق وبيّن التناقض بين مقدمته وخاتمته: المقدمة تعترف بالدولة المدنية والخاتمة تطالب بالإلزام بـ"القطعيات الإسلامية". وتساءل: هل اللامساواة وقطع اليد وغيرهما من الحدود هي من تلك القطعيات.

7 – عمر الشاهد: انتقد الديمقراطية الليبرالية التي أعطت النازية والفاشية والصهيونية والتي يحتل باسمها العراق وأفغانستان، وأكد على ضرورة اعتبار الطابع النسبي لهذه الديمقراطية التي يدافع عنها المحاضر. كما أنه انتقد المحاضر في تأكيده أن التاريخ السياسي الإسلامي هو تاريخ الاستبداد واعتبر أن هذه النظرة "استشراقية" ومشوهة للعرب والمسلمين. وفي الختام ردّ المحاضر مركزا على مسألتين: الأولى تهم ما جاء في المداخلة الأخيرة مؤكدا أن ما جاء على لسان المتدخل هو من باب "الخيال التاريخي" ولا صلة له بالواقع. والثانية تهم موضوع "مسلم الضمير الداخلي" مبينا أن المقصود هو أن يحافظ المسلم على معتقداته ويمارس شعائره وفي نفس الوقت يحترم غيره ولا يكفـّره سواء كان في مجال السياسة أو العلم أو الفن.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني