الصفحة الأساسية > البديل الوطني > عزْمٌ متواصلٌ على رفع التحديات
في الذكرى الثانية والعشرين لتأسيس حزب العمال:
عزْمٌ متواصلٌ على رفع التحديات
كانون الثاني (يناير) 2008

مرت اثنان وعشرون سنة على تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي الذي اختار مناضلاته ومناضلوه يوم 3 جانفي 1986، أي الذكرى الثانية، لانتفاضة الخبز، لإعلان ذلك التأسيس لتأكيد ارتباطهم بقضايا الشعب التونسي، ودفاعهم عن مطالبه وطموحاته وانخراطهم في نضالاته من أجل وضع حد للهيمنة الاستعمارية الجديدة على بلادنا واستبداد نظام الحكم والاستغلال الفاحش المسلط على العمال والكادحين والفساد الضارب أطنابه في كافة الميادين، وتحقيق الاستقلال الوطني الفعلي وإقامة جمهورية ديمقراطية حقيقية، تتحقق في ظلها العدالة الاجتماعية والنهضة الثقافية والحضارية لتونس.

ولقد ظل حزب العمال وفيا لتوجهه النضالي هذا، سواء كان ذلك في أواخر الفترة البورقيبية التي تأسس فيها أو خلال حكم بن علي المتواصل إلى اليوم. ولم يثنه عن ذلك لا المنع ولا القمع الذي سلط على مناضلاته ومناضليه الذين عرف المئات منهم التعذيب والمحاكمات والسجون، بل إن أحدهم وهو المناضل نبيل بركاتي عُذب حتى الموت في ماي 1987 بمدينة قعفور، عندما كان بن علي يشغل وزيرا للداخلية في حكومة بورقيبة، وقد كسب استشهاده تحت التعذيب رمزية وطنية بتحوله إلى يوم وطني لمقاومة التعذيب.

ولقد كان حزب العمال واعيا منذ اليوم الأول لتأسيسه بأن العمال والكادحين في المدينة والريف والشباب التلمذي والطلابي والمثقفين التقدميين، يمثلون القوة الحقيقية للتغيير الثوري في المجتمع التونسي، لذلك فإنه كرس جهده للالتحام بهذه الطبقات والفئات، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، لنشر أفكاره وبرنامجه ومقترحاته في صفوفها وللارتقاء بوعيها وتنظيمها لتجابه، قويّة وموحّدة، الدكتاتورية القائمة، ممثلة مصالح الأقلية المحلية المحظوظة والشركات والدول الامبريالية الأجنبية، وتحقق التغيير المنشود وتـُخـَلـّص نفسها من الاضطهاد والاستغلال وتضع حدا لعقود من الدكتاتورية والاستبداد.

وقد اصطدم حزب العمال في سعيه إلى تحقيق هذا الهدف بجملة من العوائق يأتي في مقدمتها غياب الحريات، مما اضطره إلى النشاط في السرية. ورغم ذلك تحوّل الحزب إلى قوة سياسية لها وزنها في واقع البلاد، وهو يحظى باحترام كافة القوى الديمقراطية والتقدمية لصحة مواقفه من القضايا الجوهرية وسداد تكتيكاتـــــــه وكفاحية مناضلاته ومناضليه وتماسكهم وتضحياتهم. وما يزال الانغراس في الطبقة العاملة والجماهير الكادحة يمثل الشغل الشاغل لحزب العمال، وهو يسعى إلى تخطي كل العوائق الموضوعية والذاتية التي تقف في طريقه حتى يصبح حزبا جماهيريا بحق.

إن حزب العمال يدرك تمام الإدراك أن مصيره مرتبط تمام الارتباط بالتحول إلى جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة ومن ثمة إلى قائد لأوسع الجماهير الكادحة. كما يدرك تمام الإدراك أن الطبقة العاملة التونسية ستظل لا وزن لها في الحياة السياسية والاجتماعية، إذا لم تنتظم سياسيا، وذلك مهما ازداد عددها في مختلف القطاعات. إن القوة التي تكتسبها بوعيها وتنظيمها وبالتالي بتحولها إلى طبقة لذاتها، واعية بمصالحها وبدورها التاريخي، هي الكفيلة وحدها بوضعها على سكة تغيير واقعها وواقع الجماهير الكادحة والشعب عامة. ولهذا السبب يكتسي انخراط العناصر العمالية والشعبية المتقدمة في حزب العمال أهمية كبيرة في هذه المرحلة بالذات التي اشتد فيها هجوم الدكتاتورية على حقوق الطبقة العاملة وعموم الكادحين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وعلى صعيد آخر أدرك حزب العمال، من خلال تجربته، أهمية العمل المشترك مع القوى السياسية الأخرى التي تلتقي معه حول أهداف مشتركة في النضال ضد الدكتاتورية. ويمثل برنامج "الحرية السياسية" الذي صاغه حزب العمال عامًا بعد تأسيسه، وحيّنه عديد المرات، الأرضية التي تنبني عليها الاتفاقات والتحالفات السياسية التي يعقدها الحزب. ويهدف "برنامج الحرية السياسية" إلى التخلص من الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي. وقد انخرط حزب العمال على مدى العشر سنوات الأخيرة في مجمل الأعمال المشتركة التي ترمي إلى تحقيق أهداف ديمقراطية. وهو يسهم اليوم بكل جدية في إنجاح العمل المشترك في إطار "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات". وقد سجل هذا العمل خطوات إيجابية على صعيد التوافقات السياسية التي عكسها تطوير الأرضية المشتركة لـ"الهيئة" وكذلك على صعيد النشاط الميداني الذي تجسد في التحركات الاحتجاجية التي دعت إليها.

ولا يدخر حزب العمال جهدا في إنجاز أعمال مشتركة على الأصعدة النقابية والشبابية والحقوقية والثقافية، بهدف عزل الدكتاتورية. وهو يولي مسألة توحيد اليسار الديمقراطي والتقدمي أهمية كبيرة لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الساحة السياسية التي تشهد صراعا ضد الاستبداد النوفمبري الذي يمثل اليوم العائق الرئيسي أمام نهضة الشعب التونسي من جهة وضد التيارات الرجعية التي ترمي إلى استبدال الاستبداد الحالي باستبداد آخر بغطاء ديني من جهة أخرى. وما من شك في أن بروز اليسار الديمقراطي والتقدمي كقطب في هذا الواقع من شأنه أن يقوي الجبهة العريضة التي تشمل كافة القوى السياسية التي لها مصلحة في الحرية السياسية ويعطي حظوظا أكثر للمشروع الوطني، الديمقراطي، الشعبي كبديل جدي وضروري لهذا النظام ولكافة المشاريع الرجعية في تونس.

إن حزب العمال وهو يحيي الذكرى الثانية والعشرين لتأسيسه عازم على مواجهة التحديات المطروحة عليه بتعميق التحامه بالطبقة العاملة والشعب التونسي عامة وتدعيم العمل المشترك بين كافة القوى السياسية التي لها مصلحة في وضع حد للاستبداد وفي إشاعة الحرية السياسية وتوحيد صفوف اليسار الديمقراطي التقدمي على كافة الواجهات لدعم حظوظ البديل الوطني الديمقراطي.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني