الصفحة الأساسية > البديل العربي > "الانتخابات العراقية" لا مصلحة للشعب العراقي فيها
"الانتخابات العراقية" لا مصلحة للشعب العراقي فيها
15 كانون الثاني (يناير) 2006


1 – لا انتخابات ديمقراطية في ظل الاحتلال:

مثلما أكدنا عديد المرات فإن أي انتخابات تتم في ظل الاحتلال وتحت الإشراف المباشر له هي انتخابات غير ديمقراطية وباطلة من الأساس ولا تعبّر عن إرادة الشعب الرازح تحت الاحتلال. وهو ما ينطبق على "الانتخابات" العراقية الأخيرة والتي لم تعلن نتائجها الرسمية إلى حد الآن. فالاحتلال الأمريكي هو الذي خطط لها وتحكم فيها من البداية إلى النهاية، وذلك، أولا، بتكثيف العمليات العسكرية قبيل الانتخابات في محاولة للحد من قدرة المقاومة المسلحة على إفشالها، وثانيا بتعبئة القوى العميلة له في الداخل والخارج وخاصة الأنظمة العربية التي اجتمعت في القاهرة تحت مظلة الجامعة العربية للتحضير لهذه المهزلة الانتخابية ومحاولة إنجاحها، وثالثا بتقديم العون المادي والسياسي للقوى السياسية، الأكثر ولاء، المشاركة في العملية الانتخابية.

إن الرأي الذي تردده أبواق الدعاية الامبريالية والقائل بأن الاحتلال بقي محايدا في هذه الانتخابات هو قول لا يمكن أن ينطلي حتى على السذج. ويمكن أن نذكر هنا الدعم الذي قدمته إدارة بوش لبعض القوى الموالية لها على حساب قوى أخرى مشكوك في ولائها رغم إقدامها على المشاركة في الانتخابات. وتمثل هذا الدعم خاصة من خلال بث إعلانات ودعاية بملايين الدولارات للقوى السياسية الأكثر ارتباطا بالاحتلال، وهو ما يذكرنا بالحملات الانتخابية الأمريكية التي تصرف من أجلها أموال طائلة. ولم يقع الكشف عن مصدر تمويل هذه الحملات الانتخابية، لكن الأكيد أن مصدرها ليس نظيفا ولا يمكن أن يكون إلا من خزينة الاحتلال الذي وضع ثروة العراق تحت تصرفه. هذا إلى جانب الاغتيالات التي وقعت قبل الانتخابات وأثناء الحملة الانتخابية لبعض رموز القوى السياسية التي حاولت التباين مع القوى العميلة للاحتلال وانساقت وراء وهْم "إخراج الاحتلال بالطرق السلمية ومن خلال المشاركة في العملية السياسية". دون أن ننسى عمليات التزوير الواسعة النطاق التي تمت تحت "الحراسة المشددة" لقوى الاحتلال المدعومة بالميليشيات الطائفية والعرقية.


2 – انتخابات على أساس طائفي:

مثلها مثل الانتخابات السابقة، تمت هذه الانتخابات على أساس طائفي وعرقي. فقد شاركت فيها نفس الكيانات التي شاركت في الانتخابات السابقة والتي ارتبطت مصالحها ومستقبلها بالاحتلال. وهي كيانات مبنية على أساس طائفي وعرقي. وركزت حملاتها الانتخابية على هذا الأساس فعزفت على الأوتار الدينية واستعملت خطابا موغلا في الرجعية والتخلف يخاطب الغرائز الدينية ويستفز النعرات الطائفية والعرقية. وهذه الكيانات هي:

أولا: الائتلاف الشيعي، الذي يضم أحزاب دينية رجعية اختارت منذ البداية الاحتماء بالاحتلال ومساعدته على بسط نفوذه على العراق مقابل السماح لها بالتمعّش والمتاجرة بالرموز الدينية والتلاعب بانتماء المواطن العراقي لتأبيد سيطرتها عليه. ولا يخفى على أحد ارتباط هذه القوى بإيران الساعية دوما لفرض سيطرتها على العراق من خلال تحريك بيادقها هناك.

ثانيا: التحالف الكردي، وهو تحالف انفصالي ورجعي يقوده حزبان رئيسيان الأول "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود البرزاني الذي منحه الاحتلال منصب رئيس منطقة كردستان، والثاني "الحزب الوطني الكردستاني" بقيادة جلال الطالباني الذي نصبه الاحتلال رئيسا للعراق. وهذا التحالف له توجه عرقي وانفصالي يركّز على استقطاب الأكراد من خلال النزعة الانفصالية مستغلا ما عانوه من ويلات داخل العراق وخارجها. موهما إياهم بأن حلم تحقيق الدولة الكردية المستقلة يمر حتما عبر الاحتماء بالمظلة الأمريكية.


ثالثا: "ائتلاف القوى العلمانية"
، وهو ائتلاف انتهازي يتكون من بعض الأحزاب التي تدّعي العلمانية وتحمل زيفا أسماء تتناقض مع توجهاتها الحقيقية مثل "الشيوعية" و"الاشتراكية"... ورغم الشعارات البراقة التي رفعتها هذه القوى مثل نبذ الطائفية ومحاولة توحيد الشعب العراقي على أساس الانتماء الوطني وليس الانتماء العرقي أو الديني، فإن هذه القوى بقيت معزولة ومحدودة التأثير في الشارع العراقي. لذلك فهي تستمد قوتها من الدعم الذي تلقاه من الاحتلال الذي يرى فيها ديكورا يزين به ديمقراطيته المزيفة وورقة يمكن أن يوازن بها الخارطة السياسية الموالية له والتي تسيطر عليها أحزاب طائفية أو عرقية.

رابعا: "القوى العربية السنية" التي رفضت المشاركة في الانتخابات السابقة بسبب ما مورس عليها من إقصاء وتهميش وقمع توافقا مع السياسة الطائفية التي اتبعها الاحتلال في تعامله مع مكونات المجتمع العراقي. وقد اختارت هذه القوى، هذه المرة، المشاركة بعد الوعود التي تلقتها في "مؤتمر القاهرة" بإشراكها في العملية السياسية والاستجابة لبعض مطالبها.


3 - الانتخابات ستزيد من الاحتقان الطائفي:

إن المستفيد الأول والمباشر من إجراء هذه الانتخابات المهزلة هو الاحتلال. فإدارة بوش الغارقة في مستنقع المقاومة العراقية تسعى إلى الخروج من ورطتها بالإسراع في استكمال "العملية السياسية" الهادفة إلى تركيز حكومة عراقية عميلة قادرة على مواجهة المقاومة وعلى المحافظة على مصالح الاحتلال الاقتصادية والسياسية وخاصة: أولا، ضمان نهب ثروات العراق وفي مقدمتها النفط، وثانيا ضمان أمن الكيان الصهيوني وذلك بمواصلة الضغط على سوريا وإيران لإجبارهما على "التعاون الكامل" ومنع "تصدير المقاومة العراقية" إلى باقي الأقطار العربية الخاضعة تحت الاحتلال (قطر، الكويت..) والحيلولة دون أي سند للمقاومة العراقية أو الفلسطينية.

إن ما تردده الامبريالية الأمريكية حول نزاهة هذه الانتخابات ونجاحها وأن العراق سيتحول بفضلها إلى "أنموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير" لا أساس له من الصحة، أولا لأن هذه الانتخابات قامت على أساس طائفي وتحت الإشراف المباشر للاحتلال، وثانيا لأنها لم تكن نزيهة باعتبار أن التزييف والتلاعب بالأصوات هو الذي ساد خلالها وهو ما تؤكده أغلب القوى السياسية التي شاركت فيها. ورغم مرور أكثر من شهر على إجرائها فإن نتائجها لم تظهر إلى حد الآن! وهو ما يؤكد المأزق الذي آلت إليه "العملية السياسية" التي يقودها الاحتلال.

إن هذه الانتخابات لن تجلب للشعب العراقي سوى المزيد من الاحتقان الطائفي الذي من شأنه أن يستنزف الطاقات التي من المفروض أن توجه نحو مقاومة الاحتلال الذي يعتبر العائق الأول والمباشر لاستقلال العراق وضمان وحدته وتحقيق نهضته الشاملة.

ومهما كانت النتائج التي سيقع الإعلان عنها فإنها ستكون منطلقا لمزيد من الاقتتال الطائفي والعرقي الذي يغذيه الاحتلال بمعية الأحزاب الرجعية الدائرة في فلكه. فكل طائفة لا تحصل على الأغلبية في الحكومة القادمة ستشعر بالخطر على مستقبلها ولن تسمح للطائفة المقابلة بالسيطرة على السلطة المدعومة من قبل الاحتلال خوفا من استعمالها ضدها. ومن هذا المنطلق فإن الحكومة القادمة لن تكون موحدة في كل الأحوال بل ستكون حكومة طائفية هدفها الأول حماية أتباعها وتطبيق تعليمات الاحتلال لضمان دعمه وحمايته. وهو ما سيدفع القوى الطائفية الأخرى إلى تحريك ميليشياتها للقيام بأعمال عنف ضد هذه الطائفة أو تلك للضغط من أجل الفوز بأكبر قدر من الفتات الذي يوزعه الاحتلال على الموالين حسب درجة الولاء.

والأخطر من كل هذا هو إمكانية انجرار المقاومة الوطنية العراقية المسلحة إلى مستنقع الاقتتال الطائفي بانحيازها نحو طائفة معينة على حساب طائفة أخرى، خاصة وأن بعض القوى في المقاومة المسلحة لا تخفي طابعها الطائفي وتعلن عدائها لبعض الطوائف الأخرى بذريعة أن هذه الطائفة أو تلك اختارت الاحتماء بالمحتل. ومن هذا المنطلق فإن سلاح المقاومة قد ينتقل من صدر العدو الرئيسي، المحتل، إلى صدر المواطن العراقي. وسيسيل دم كثير ليس من أجل تحرير الوطن بل من أجل قيادات انتهازية نصّبت نفسها ناطقة باسم هذه الطائفة أو تلك.

إن من أوكد الواجبات الملقاة اليوم على عاتق القوى الوطنية الحقيقية في العراق هو نزع الأوهام حول "العملية السياسية" التي يشرف عليها الاحتلال، وتوجيه اهتمام الشعب العراقي نحو مقاومة الاحتلال بكل الوسائل إلى حين إخراجه من العراق مهزوما مدحورا. وهذا يتطلب قدرا كبيرا من اليقظة حيال المؤامرات الهادفة إلى جر المقاومة نحو الاقتتال الطائفي. ولن يكون ذلك إلا بقيام حركة وطنية حقيقية تخاطب الشعب العراقي بلغة واحدة بكل ألوانه وأطيافه، لغة تحرص على جعل المواطن العراقي يشعر بانتمائه الوطني قبل انتمائه الطائفي أو الديني.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني