الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مصائر الناس معلقة بين أيدي العرافين بعد 50 سنة من "الاستقلال"
سباقُ التنوير والتخدير:
مصائر الناس معلقة بين أيدي العرافين بعد 50 سنة من "الاستقلال"
15 كانون الثاني (يناير) 2006

إذاعات وقنوات تلفزية، وصحف، لم تعد قادرة على شدّ المشاهدين والقرّاء إلا بسقط متاع الحلول، ومخاطبة المتخلف والهابط والسطحي والغريزي في متابعيها، وإغراقهم في الأوهام وأضغاث الأحلام، وسدّ باب النّور دونهم، وتأخير ساعة الصحوة والوعي والنهوض عندهم ما أمكن ذلك. ومن تابع السلع الإعلامية المعروضة بمناسبة رأس العام الميلادي لسنة 2006 لا شكّ لاحظ الحظوة التي حظي بها العرافون حتى كادت قراءة الأبراج والحظوظ والمصائر تصبح (بل تمسي لأن الشيء كثر ليلا!) أشبه بـ"توجيهات السيد الرئيس" من حيث الشكل أما من حيث المضمون فهي "أهم" ألف مرة لأن بها تعلقت مصائر الناس وما يخبّئه الغيب في أحشاء المستقبل لهم!

كنتُ أشاهد قناة حنبعل "المستقلة" والتي يفترض –نظريا على الأقل- ألا تسقط في ابتذال القناة الرسمية الناطقة باسم الحزب الحاكم، أو باسم العائلة المالكة، وهو ابتذال يلقى رواجا في سوق الإحباط واليأس وانسداد الأفق وفي ظل فلاحة التضليل والتخدير التي تتعاطاها سلطة الجهل والتجهيل. كان من المفروض أن يتقلص نفوذ المشعوذين والدجّالة بمختلف أرهاطهم، وأن يمسك المجتمع بزمام أمره، وأن يعي التونسي ماضيه وحاضره ومستقبله وينحت كيانه بناء على القاعدة الذهبية القائلة "كل ما يعطيك جهدك يجيك" لو كان الحاكم مهموما ببناء الوطن والمواطن، ومعنيّا بالمستقبل القريب والبعيد لبلاده. "هل نرحِّم على بورقيبة" الذي قلّص نفوذ مثل هذه الظواهر في فترة من الفترات فدخلت جحورها تترقب "العهد الجديد"؟

لقد ترك الناس الطب النفساني، بل والجسماني أيضا، ولاذوا بـ"العرّاف الروحاني" و"الطبّ الرعواني" تحت ضغط الغلاء الفاحش للطب العام والخاص والعلاج بالمصحات والمستشفيات، وسوء الخدمات والمعاملات هنا وهناك على السواء، ولكن أيضا بحثا عن العزاء والسلوان من الجراح التي فتحتها سنوات الحكم الدكتاتوري، في عهديه السابق واللاحق.

هل يتسنى لإرادة التنوير التي تحدو أحرار تونس أن تنتصر على إرادة التخدير التي يجري فرضها بالقوة؟ يقينا نعم، وإن غدا لناظره قريب!



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني