الصفحة الأساسية > البديل الوطني > التناقضات الأساسية والتناقض الرئيسي
التناقضات الأساسية والتناقض الرئيسي
30 أيار (مايو) 2006

حدد حزب العمال الشيوعي التونسي التناقض الرئيسي في تونس اليوم بين غالبية المجتمع التونسي من جهة والدكتاتورية البوليسية الغاشمة والأقلية التي تسندها وتنتفع من وجودها من جهة ثانية. وتبعا لذلك اعتبر أن كل التناقضات الأخرى تخضع لهذا التناقض وتعالج في إطاره. ومن هذا المنطلق انخرط في "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" على قاعدة المطالب الثلاثة التي بعثت على أساسها بقطع النظر عن الخلافات السياسية والإيديولوجية التي تفصله عن باقي مكوناتها وإن كانت هذه الخلافات في بعض الأحيان هامة وجوهرية على المستوى الاستراتيجي.

1 – التناقضات الأساسية متعددة والتناقض الرئيسي واحد:

إن النقاش والصراع داخل الحركة الديمقراطية لم ينقطع يوما وإن كان في معظم الأحيان يتم بصفة متقطعة وغير منظمة وغير مفتوحة ويشوبه نوع من الذاتية والتشنج والتشويه. ولا يخفى أن الخلافات داخل هذه الحركة تشمل قضايا جوهرية كالموقف من السلطة الحاكمة والموقف من المشاريع الامبريالية الهيمنية والموقف من التيار السياسي الإسلامي وكيفية التعامل معه وهل هو معني بالمشروع الديمقراطي البديل لنظام الحكم الدكتاتوري. وقد اعتبر البعض أن التناقض الرئيسي في تونس يقابل بين الديمقراطية من ناحية و"الدكتاتورية" و"الاستبداد" والتدخل الخارجي من ناحية ثانية، أي أنه يضع على نفس المستوى نظام بن علي و"حركة النهضة" و"مخاطر التدخل الخارجي". وهذا التحديد ظاهريا "معقولا" و"منطقيا" وّشاملا"، لكنه في حقيقة الأمر غير ذلك. فمن جملة مجموعة من التناقضات الأساسية يوجد دائما تناقض رئيسي واحد تخضع له بقية التناقضات ولا ينفع النضال في شيء ترصيف الأعداء والخصوم والتعامل معهم بنفس الكيفية وعلى قدم المساواة مهما كانت الظروف والملابسات وبقطع النظر عمن هو في السلطة ومن هو خارجها، عمن يمثل الخطر المباشر ومن قد يمثل خطرا ولكن في وقت لاحق وفي ظروف أخرى.

2 – التناقض مع المشروع الإسلاموي جوهري وأساسي ولكن التناقض الرئيسي هو مع الدكتاتورية النوفمبرية:

إن تعفن الأوضاع في تونس وانسداد الآفاق والتفقير المتزايد للطبقات الشعبية ومنع ممثليها من حق التعبير والتنظم والنضال من أجل التغيير تعود مسؤوليته إلى الدكتاتورية الحاكمة بما يعني ذلك من اختيارات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية رجعية... أما المشاريع الأخرى كالمشروع الظلامي الذي تنادي به بعض التيارات الدينية المتطرفة والذي يريد أن يعوض دكتاتورية أرضية بأخرى متسترة بالدين فهو مشروع رغم خطورته ورغم ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة لسد الباب أمامه وفضح برامجه ومخططاته فهو ليس العدو المباشر للشعب التونسي حتى يقع التعامل معه على قدم المساواة مع الدكتاتورية النوفمبرية القائمة.

كما أنه لا يمكن التعامل مع كافة التيارات "الإسلامية" على نفس الوتيرة ودون مراعاة لخصوصيات طرح كل منها ومدى تناقضه مع الدكتاتورية النوفمبرية القائمة لاستغلال ذلك في النضال ضدها. ومن لا يؤمن بضرورة العمل على تعميق عزلة العدو الرئيسي لا يفقه من التكتيك شيئا. فليس من مصلحة أي كان توسيع جبهة أعدائه وخصومه ومساعدتهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة على رص صفوفهم وتوحيد جهودهم في مواجهته. ومن من الديمقراطيين المتماسكين اليوم لا يدرك أن المطروح في تونس هو إضعاف الدكتاتورية النوفمبرية الحاكمة والعمل على تجريدها من أي سند من أجل تسهيل الإطاحة بها وإرساء جمهورية ديمقراطية شعبية حقيقية محلها؟

3 – التدخل الخارجي في تونس واقع يمر عبر الدكتاتورية القائمة:

أما بخصوص "مشروع الشرق الأوسط الكبير" فكل وطني وديمقراطي حقيقيي يدرك مدى خطورته ومصلحة من يخدم وضد من هو موجه. وبعبارة أخرى فهو ليس مشروعا ضد الدكتاتورية النوفمبرية الحاكمة في تونس، فهذه الدكتاتورية عميلة حتى النخاع للامبريالية العالمية وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية، وإنما هو مشروع لإنقاذ الرجعية التونسية والمصالح الامبريالية في صورة تطور الأوضاع لغير صالحها ويهدف إلى استيعاب كل التوجهات الإصلاحية مهما كانت خلفيتها، دينية أو علمانية شريطة أن لا يكون لها مشكل مع الهيمنة الامبريالية ومع التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وإن من يرى اليوم أن التناقض الرئيسي في تونس هو بين الديمقراطية و"التدخل الخارجي" ينطلق، ضمنيا أو صراحة، من أن التدخل الخارجي المباشر يتهدد حاليا تونس ويستهدف الدكتاتورية القائمة، وكأنها تقف حاجزا أمام مخططات الامبريالية ومشاريعها في المنطقة وتمثل خطرا على الكيان الصهيوني والحال أن العكس هو الصحيح. فلا مجال لمقارنة النظام القائم في تونس بنظام صدام حسين أو نظام بشار الأسد أو النظام اللبناني أو النظام الإيراني وغيرها من الأنظمة التي تقابلها تناقضات لهذا السبب أو ذاك بالامبريالية الأمريكية في حين أن الدكتاتورية في تونس خاضعة بالكامل لها ومستعدة على الدوام لتطبيق كل إملاءاتها. بل إنها في كلمة ركيزة التدخل الخارجي في تونس.

فلا فائدة إذن في بث البلبلة لتبرير مهادنة الدكتاتورية ولنحشد الطاقات ضد عدونا المباشر ولنخض الصراع الفكري والسياسي في خضم النضال اليومي الملموس وبصفة منظمة وعلنية حول أمهات القضايا لنساعد الطبقة العاملة والشعب على فرز العدو من الصديق والتقدم بخطى ثابتة من أجل إقامة تحالفات أمتن وأصلب وإرساء بديل ديمقراطي حقيقي.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني