الصفحة الأساسية > البديل النقابي > هل هي بوادر أزمة؟
الإضرابات والإعتصامات تتصاعد:
هل هي بوادر أزمة؟
30 أيار (مايو) 2006

نفذ أساتذة التعليم الثانوي يوم 18 ماي 2006 إضرابهم القطاعي بنجاح فاق كل التوقعات. فحسب مصادر نقابية بلغت نسبة النجاح العامة للإضراب 87%. وبذلك برهن الأساتذة على اقتناع كبير بمطالبهم التي لخصتها الهيئة الإدارية القطاعية التي سبق أن قررت هذا الإضراب في لائحتها المهنية (انظر صوت الشعب، العدد 245 بتاريخ 22 أفريل 2006). كما برهنوا بذلك أيضا على أن حملة الدعاية التي سخرت لها الوزارة والسلط كل المنابر لتشويه الإضراب هي حملة فاشلة ولا يمكن أن تفت من عزيمة الأساتذة على التمسك بمطالبهم والدفاع عنها بنسبة نجاح عالية جدا. وهو ما حمل الوزارة ودوائر السلطة والحزب الحاكم على تكليف الإدارات بالمرور إلى أشكال ضغط أكثر وقاحة من أبرزها منع أعضاء النقابات من دخول المعاهد لتأطير الإضراب وكذلك تجنيد ميليشيات الحزب الحاكم لترهيب المضربين والاعتداء عليهم بالهراوات مثلما حصل في جهة القصرين. وللإشارة فإن بعض الأخبار تروج حول اعتزام أساتذة القصرين الدخول في إضراب جهوي احتجاجا على هذه الممارسات.

هذا التصعيد غير المفاجئ يحمل في طياته دلالة على أن مؤشرات أزمة تتجاوز حدود قطاع التعليم الثانوي لتشمل مجمل الحركة النقابية والاتحاد العام والوضع الاجتماعي ككل هي بصدد الاعتمال. فمن جهة تواترت الإضرابات القطاعية هذه الأيام في كل من التعليم الثانوي والأساسي والصحة والستاغ والصوناد. فبعد إضراب الأساتذة يوم 19 أفريل و18 ماي دخل المعلمون في إضراب يوم 11 ماي وقررت الهيئة الإدارية إضرابا قطاعيا ثانيا يوم 7 جوان المقبل. وسيدخل أعوان الصحة في إضراب قطاعي يوم 31 ماي علاوة على إضرابات كان من المقرر أن تنفذ في الصناديق الاجتماعية و"الستاغ" وألغيت في آخر لحظة إثر حصول اتفاقات بشأن مطالبها. ومن جهة ثانية أطلقت السلطة عنان حملات تهجم على هذه الإضرابات وعلى المعلميـن والأساتذة وعلى هياكلهم النقابية وعلى الاتحاد ككل، وبدت الأوضاع وكأن طرفي النزاع يتوجهان نحو التصادم رغم كل محاولات التهدئة التي لم تفلح في التوصل إلى حلول مرضية (لقاء الأمين العام بالوزير الأول يوما قبل إضراب الأساتذة وموعد الهيئة الإدارية للتعليم الأساسي).

وإذا أخذنا في الاعتبار الأزمة التي يعيشها قطاع المحاماة والتي بلغت ذروتها في الاصطدام بين قوات البوليس والمحامين ولجوء هؤلاء إلى الاعتصام للأسبوع الثاني على التوالي، فإن كل المؤشرات تؤكد أن رائحة أزمة اجتماعية هي الآن بصدد الظهور والتنامي أسابيع قبل حلول العطلة الصيفية. وتؤكد المؤشرات المتوفرة الآن أن هذه الأزمة ستتواصل حتى خلال هذه الفترة ذلك أن لا السلطة مستعدة للتفاوض الجدي مع المحامين ولا هؤلاء مستعدون للتنازل عن حقوقهم المشروعة. كما لا يبدو أن المعلمين أو الأساتذة سيركنون إلى الراحة طوال فترة الصيف إذ أن كلا القطاعين أعلنا من خلال لوائحهم الاستمرار في الاحتجاج بأشكال أخرى بمقرات الإدارات الجهوية والوزارة خلال العطلة إعدادا للسنة الدراسية المقبلة التي ستشهد إضرابات اجتماعية منذ أيامها الأولى إذا لم تنجح المفاوضات في تحقيق مكاسب جدية لأعوان القطاعين.

وإلى جانب ذلك يبدو مما يتوفر من معطيات أن السلطة تشن حملة خفية على الاتحاد العام التونسي للشغل وعلى قيادته وهياكله وأن نيتها تتجه أكثر نحو افتعال أزمة جديدة للمنظمة النقابية لتأديبها وتأديب قيادتها أو جزء منها على الأقل على ما اقترفته من "أخطاء" (أي من مجاراة لمطالب بعض القطاعات) خلال الأشهر الأخيرة. وقد لاحظ المتتبعون للساحة النقابية عودة لغة التحرش الخشبية بالاتحاد وهياكله على النحو الذي تعودت السلطة وأصواتها المأجورة القيام به في الأزمات السابقة. من ذلك مثلا تهديدات رموز السلطة بالتدخل في حياة الاتحاد وكذلك حملة جريدة "الشروق" إبان إضراب المعلمين. وعلى العموم فإن النقابيين على يقين من أن الأجواء السائدة الآن تشبه إلى حد بعيد وضع صائفة 1985 التي شهدت هجوم "الشرفاء" وأزمة الاتحاد. هذه القناعة لم تعد حسبما يبدو حكرا على الهياكل القاعدية والوسطى فقط بل ترسخت حتى لدى القيادة التي رغم كل جهودها للتهدئة لم تستطع كبح جماح القطاعات على النضال والاحتجاج.

والواضح أن التلميحات لتعددية نقابية جديدة على شاكلة الاتحاد الوطني 84 وغيرها، هي من المؤشرات على أن الأزمة النقابية باتت من الاحتمالات الواردة بجدية. وما على الاتحاد بإطاراته وقواعده إلا الاستعداد لمواجهتها بما تقتضيه المواجهة من إصرار على النضال والوحدة وتمتين الجبهة الداخلية ورص الصفوف بدلا من البحث في المصالحات الهشة أو الإجراءات التعسفية والتصفوية.

إن الوضع العام بالبلاد يخدم لفائدة الحركة النقابية وليس ضدها. فالنقمة على الدكتاتورية النوفمبرية تسري في كافة الطبقات والفئات الشعبية بسبب البطالة والتهميش والاستغلال الفاحش وغلاء الأسعار والفساد المستشري في أوساط السلطة وخاصة في صلب "العائلة الحاكمة". كما أن قوى المعارضة السياسية ما انفكت تعمل على توحيد صفوفها حول محور الحريات (هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات) بينما تزداد منظمات المجتمع المدني تجذرا وتمسكا بدورها في إشاعة مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وما من شك في أن الدكتاتورية ستجد نفسها يوما بعد يوم أكثر عزلة وأكثر عجزا عن مواجهة قطاعات واسعة من المجتمع تطالب بالتغيير.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني