الصفحة الأساسية > البديل العربي > التهديدات العسكرية الصهيونية لإيران بين الواقع والمناورة الديبلوماسية
التهديدات العسكرية الصهيونية لإيران بين الواقع والمناورة الديبلوماسية
17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

أعاد التقرير الذي نشرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية الملف النووي الإيراني إلى سطح الأحداث العالمية، فقد تحدثت الوكالة لأول مرة في هذا التقرير عن أبعاد عسكرية لهذا البرنامج وهي بذلك تؤكد ما كانت تروج له الإدارة الأمريكية حول النوايا الإيرانية إلى درجة أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد اعتبر «أن الوكالة لديها جدول أعمال موال للولايات المتحدة» وأن «مديرها يوكيا أمانو دمية في يد أمريكا» . وبالمقابل مثل هذا التقرير الجديد فرصة لقادة حكومة الكيان الصهيوني ليجددوا تهديداتهم بالقيام بعمل عسكري ضد الأهداف النووية في إيران. ما هي دوافع «إسرائيل» من وراء أي عمل عسكري تقوم به ضد إيران وهل أن الظرف الراهن ملائم لكذا عمل؟ وهل أنها قادرة بالفعل على تنفيذ تهديداتها؟ أم إنها مجرد ضغوط لتحقيق أهداف دبلوماسية تتجاوز إيران إلى الأطراف الرافضة لفرض عقوبات جديدة ضد إيران؟

التهديدات ليست جديدة

منذ الخطوات الأولى للبرنامج النووي الإيراني وقف الكيان الصهيوني ضد هذا البرنامج وكثيرا ما دفع نحو فرض ضغوط أكبر على حكومة إيران لإثنائها عن المضي في تنفيذ هذا البرنامج ، بل حتى نحو القيام بعمل عسكري سواء منفرد أو تحت مظلة مشتركة مع قوى أخرى. ويجد هذا الموقف جذوره في الإستراتيجية «الإسرائيلية» القائمة على منع بروز أي قوة إقليمية أخرى في منطقة الشرق الأوسط وبالخصوص منعها من امتلاك قدرات نووية أو عسكرية يمكن أن تشكل تهديدا للتفوق الصهيوني. وفي هذا السياق يتنزل قصف المفاعل النووي العراقي سنة 1981 الذي كان آنذاك طور الإنشاء ومنشأة دير الزور السورية سنة 2007 بدعوى أنها منشأة نووية سرية. ولا يخفى أن الصهاينة رفضوا بروز إيران نووية لأنه كما ورد على لسان أحد وزراء حكومة ناتانياهو اليمينية « ليس بإمكان إسرائيل أن تقبل بوجود سلاح نووي تحت سيطرة نظام يلتزم إيديولوجيا بإبادتها» . وفي ذات السياق كتب البروفيسور المناهض للصهيونية إسرائيل شاحاك في أحد كتبه أن «إسرائيل لا يمكن أن تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط بتطوير إمكانيات نووية ...حتى تظل في وضع احتكار السلاح النووي» .

معطيات إقليمية مواتية

إلى جانب هذا الاعتبار الاستراتيجي تعمل «إسرائيل» على الاستفادة من معطيات إقليمية للإسراع بتوجيه ضربة عسكرية لإيران: أولها تزايد العداء الخليجي لإيران على قاعدة اتهامها بتحريك أطراف طائفية للتآمر على أمن الممالك والإمارات الخليجية مثلما هو الشأن في البحرين أو في أحداث المنطقة الشرقية بالمملكة السعودية في الشهر الماضي، واتهامها أخيرا بالتورط في محاولة اغتيال السفير السعودي بواشنطن. وثانيها انحسار أولوية الصراع العربي الصهيوني في المنطقة لفائدة أولوية الإطاحة بأنظمة سياسية ومنها النظام السوري حتى وان كان بالاستعانة بالتدخل الأجنبي.

وشن هجوم على إيران في هذا الوقت من شأنه إضعاف النظام السوري وربما التعجيل بإسقاطه وهو أمر مرحب به من عدة أطراف إقليمية عربية وفي ذات الوقت يحقق للكيان الصهيوني انجازات إقليمية ليس أقلها عزل حزب الله دون نسيان الاستفادة من تغير الموقف التركي أخيرا من صديق لسوريا ومتفاهم مع إيران إلى موقع المواجهة السياسية معهما على قاعدة موقف تركيا من الأحداث في سوريا.

كما تراهن حكومة ناتانياهو على ظرف أمريكي مناسب يتمثل في قرب الانتخابات الأمريكية في مطلع 2012 لابتزاز دعم أمريكي لهذا العمل العسكري موظفة في ذلك قوة اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة وتأثيره في مثل هذه الانتخابات . لكن هل يمكن «لإسرائيل» أن تقوم بعمل عسكري ضد إيران حتى وان توفرت لها شروطه؟

هل يمكن تنفيذ الهجوم؟

يبقى هذا الاحتمال قائما بالنظر إلى السوابق في هذا المجال فقد سبق للجيش الصهيوني أن قام بأعمال مماثلة كما ذكرنا آنفا وكذلك بالنظر إلى القدرات العسكرية الهائلة التي يمتلكها ودرجة الجاهزية التي هو عليها فلقد كشفت تقارير عسكرية أوردتها صحيفة هاآرتس يوم 3 نوفمبر الجاري عن « تدريبات موسعة للقوات الجوية على شن هجمات بعيدة المدى كان آخرها تلك التي جرت الأسبوع الماضي في إحدى قواعد حلف شمال الأطلسي بجزيرة سردانيا الإيطالية» كما أجرى الجيش الصهيوني اختبارات لصاروخ طويل المدى ويملك سلاح البحرية عددا من الغواصات الألمانية المتطورة والتي اختبر نجاعتها في مناورات بالمحيط الهندي مؤخرا.

لكن من ناحية مقابلة يقلل الخبراء العسكريون من أهمية هذه التهديدات ويستبعدون أي مغامرة في هذا الاتجاه مستندين إلى عدة اعتبارات أولها أن البرنامج النووي الإيراني يختلف عن نظيره العراقي لأنه موزع على عدد كبير من المواقع المنتشرة بكامل البلاد وهذا سيصعب مهمة سلاح الجو الصهيوني كما تستوجب مهاجمة إيران قطع مسافات طويلة وترتيبات مع الدول التي سيتم قطع أجوائها ويطرح بالتالي مشكلة التزود بالوقود ومدى قابلية تلك الدول للتعاون دون نسيان عنف الرد الإيراني المرتقب سواء على «اسرائيل» او على الدول التي تعاونت معها لتسهيل مهمتها. لكن إذا كان ضرب إيران بهذه التعقيدات دون اعتبار مخاطره على استقرار منطقة بأهمية الشرق الأوسط في سوق النفط العالمية ، فلماذا يلوح به قادة الكيان؟

التهديد لممارسة الضغط

نعتقد أن هذه التهديدات ما هي سوى ضغوط لإخضاع إيران لشروط هيئة الطاقة الذرية الدولية وكذلك محاولة لاستدراج روسيا والصين نحو الموافقة على فرض عقوبات جديدة على إيران- وهما الرافضتان لأي عقوبات إضافية- وبذلك نفهم تقاسما للأدوار مع الإدارة الأمريكية الحالية بحيث تنتزع «إسرائيل» بهذه التهديدات ما تسعى إليه الولايات المتحدة عبر المحادثات مع باقي أعضاء مجلس الأمن وهو ما يقره تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض «الديبلوماسية لا تزال في نظر الولايات المتحدة أفضل وسيلة للالتفاف على الطموحات النووية العسكرية لدى إيران لكن دون استبعاد اللجوء إلى القوة» .

ختاما لا بد من التأكيد بأنه لا يمكن القبول بتعامل المجتمع الدولي مع انتشار التكنولوجيا النووية بمعايير مزدوجة. فالكيان الصهيوني الذي يطرح نفسه اليوم حريصا على الحد من انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط هو أول من أدخل هذا السلاح إلى المنطقة منذ الستينات من القرن العشرين بالتعاون مع فرنسا (مفاعل ديمونا بصحراء النقب) ويملك هذا الكيان مئات الرؤوس النووية ولا زال يرفض الدعوة للانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ويرفض السماح لوكالة الطاقة الذرية بتفقد مواقعه ومنشآته النووية وهو من شرّع بامتلاكه لهذه الترسانة رغبة أطراف أخرى في السعي إلى امتلاك هذا السلاح. لذلك فإن القوى التي تعارض البرنامج النووي الإيراني إذا ما رغبت في إكساب معارضتها مشروعية عليها أن تعارض أيضا الترسانة النووية الإسرائيلية وأن يكون موقفها صريحا في تجريد منطقة الشرق الأوسط كافة من كل أسباب الخطر النووي.

محمود نعمان



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني