الصفحة الأساسية > بديل الشباب > السلطة تحتفل بعيد الشباب بالسّجون والحرمان من الدراسة
السلطة تحتفل بعيد الشباب بالسّجون والحرمان من الدراسة
29 آذار (مارس) 2010

أكدت وسائل إعلام بن علي "مدى العطف" الذي يكنه "صانع التغيير" للشباب وهو يحتفل بعيده الوطني "في ظل ما تحقق له من مكاسب في كافة المجالات".

وسارعت هذه الأبواق باستعراض ما منت به السلطة ورئيسها على مئات الآلاف من شباب تونس كالتشغيل والتعليم والصحة والثقافة... حتى خلنا أنفسنا في بلد آخر وليس في تونس.

لم تكتف السلطة عند الحدود المحلية فقط، بل وبالتنسيق مع أصدقائها والمدافعين عنها من غلاة الاستعمار ونهابي ثروات الشعوب، حاولت تمرير كذبها وبهتانها بين أروقة المنتظم الأممي الدولي، واقترحت سنة دولية للشباب سرعان ما تمت الموافقة عليها لتبرز للعالم أن "وصفة" تونس ناجحة بخصوص الشباب وأنها مدافع حقيقي عنه وعن طموحاته المشروعة.

لكن هذه الحيل وهذه الديماغوجيا الإعلامية لم تعد تنطلي على أقلّ الناس معرفة بما يدور ويحدث في بلادنا، فنظرة سريعة إلى عشرات الآلاف من المحرومين من الشغل من أصحاب الشهادات العليا، سيدرك زيف استراتيجيا السلطة إزاء التشغيل ودفعها المئات من الشباب إلى الانحراف وإلى قوارب الموت وتفشي الأنانية والفردانية.

لقد فقد شباب تونس ثقته في السلطة وفي خطابها الكاذب والممجوج والذي لا يهدف إلا إلى استغلال مشاكله وهمومه لتزيين الوجه البشع للدكتاتورية. وكيف له أن يثق في نظام لم ير منه سوى البطالة بعد تزايد عمليات الطرد والتسريح نتيجة قوانين شغلية هشة ومرنة عمل نظام بن علي على إرسائها بدعم من القوى الامبريالية النهابة حتى يحوز على صفة "التلميذ النجيب". وقد ازداد هذا الوضع استفحالا مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بثقلها على بلادنا بعد أن رهنها بن علي وربطها بالاقتصاد العالمي الليبيرالي المتوحش.

وكل الحلول التي يقع تسويقها عبر وسائل إعلام الدكتاتورية، التي لم يعد يتابعها أحد، هي كذب مفضوح وذر للرماد في العيون.

وقد ازدادت وتيرة الدعاية المفضوحة للنظام حول عنايته بالشباب هذه السنة تزامنا مع مصادقة الأمم المتحدة على مقترح بن علي لجعل سنة 2010 سنة دولية للشباب. وهو مقترح لا أهمية له من الناحية العملية ولا يمكن لعاقل أن يصدّق أن هذا الاقتراح سيغيّر من واقع الشباب. بل إنه مدعاة للتندّر. فكأن بن علي يريد أن يقول للعالم "لقد تجاوزنا كل مشاكل الشباب في تونس ووفرنا له ما يطمح إليه، ونريد الآن أن نصدّر ذلك إلى العالم"! وهذا الادعاء لا يمكن أن يحجب الحقيقة العارية وهي أن نظام بن علي هو عدو للشباب لأنه لم يحرمه من الشغل ومن أبسط حقوقه الاجتماعية والسياسية فحسب بل حرمه أيضا حتى من حق التعبير عن رفضه لهذا الواقع. وكل من "تنطع" كان مصيره السجن والطرد من الدراسة والحرمان من الشغل ومن اجتياز المناظرات...

ويتزامن احتفال السلطة بعيد الشباب أيضا بازدياد وتيرة القمع والمحاصرة ضد نشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس فمنهم من تعرّض ولا يزال لاعتداءات مستمرّة على يد البوليس السياسي وميليشيات الحزب الحاكم ومنهم من أطرد من الدراسة بسبب نشاطه النقابي ومنهم من يقضي عقوبة سجنية تجاوزت في بعض الحالات الثلاث سنوات. ومنهم من هو ملاحق ومهدد بالسجن. ولا يجب أن ننسى ما يتعرّض له الشباب العاطل عن العمل من قمع ومحاصرة لثنيه عن المطالبة بحقوقه والتنظم في هيئات للعاطلين عن العمل تؤطر التحركات وتنظمها.

إن السلطة تدافع عن مصلحتها التي تكمن في أن يكون الشباب غير واع بحقوقه المشروعة وأن يبتعد عن التوحد والتنظم والاحتجاج على ظروفه الصعبة المتسبّبة فيها السلطة. وهذا السعي لإنتاج شباب دون حماس وطموح ووعي سيؤدي إلى حرمان الشعب من قوة دفع كبيرة نحو التمرّد وطرح مشاغله في البطالة وتدهور المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار والخوصصة والتسريح والفساد والصراع من أجل القضاء على كل ذلك وبناء بديل مجتمعي وطني يعترف بحق الشعب في اختيار من يحكمه بكل حرية.

إن السلطة مذعورة من "المارد الشبابي" الذي لا يزال نائما. وهي تسعى بكل السبل إلى إبقائه في سباته ومنع كل من يريد استنهاضه، لذلك نراها تضرب يمنة ويسرة وتزجّ بكل من يحمل وعيا في السجن حتى تمنع التواصل بين جماهير الشباب وبين النخب الواعية من الشباب الطلابي وغيره. إنها مرعوبة من مئات الآلاف من الشباب النيّر التي ستدوسها دوسا عندما تنتظم في أطر ديمقراطية ومناضلة تدافع عن الحرية والعدالة الاجتماعية. لقد وضعت السلطة الطلبة في السجن لتمنعهم من الانغراس في نصف مليون طالب يعانون الويلات وتمنعهم من خلق قوة قادرة على فرض مطالبها وتكون سندا قويا للحركة الديمقراطية والاجتماعية في إحداث التغيير الديمقراطي المنشود.

هذه هي مصلحة السلطة من وضع مناضلات ومناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس في السجن ثم احتفلت بـ"عيدهم".

أما مصلحتنا نحن، الشباب الواعي والمنظم، فتكمن بالوعي بذلك والعمل بلا هوادة على الالتحام بجماهير الشباب وتنظيمه وتسليحه بالوعي السياسي الثوري والتقدمي.

إن دور مكونات الحركة الديمقراطية وخاصة منظمات الشباب الثورية والتقدمية (اتحاد الشباب الشيوعي التونسي...) يزداد تعاظما يوما بعد يوم. فكلما زاد قمع السلطة زادت مسؤولياتنا في الدفاع عن الشباب وعن منظماته النقابية والمهنية والسياسية مثل الاتحاد العام لطلبة تونس وهيئات العاطلين عن العمل وغيرها. وهذه المنظمات هي الكفيلة بتنظيم الشباب المتعطش لخطاب جديد مقنع وعملي، يقطع مع خطاب السلطة وأذنابها من أحزاب الديكور والجمعيات الصورية التي تدور في فلكها.

إن الشباب التونسي سواء كان عاملا أو فلاحا، عاطلا أو مهمشا، تلميذا أو طالبا، لن يثور من تلقاء نفسه ولن ينزل عليه الوعي من السماء. وهو ما يحتّم على الشباب الواعي والمنظم النزول من برجه العاجي والالتحام بهذه الجماهير الشبابية وطرح ما تعانيه من مشاكل معيشية صعبة وإنارة السبيل أمامها وتنظيم احتجاجاتها.
فلنفسد احتفال السلطة بعيدها الكاذب وليكن احتفالنا الحقيقي بالشباب بمزيد النضال من أجل الانغراس الفعلي في صفوفه والنهوض به وعيا وتنظيما.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني