الصفحة الأساسية > بديل الشباب > الشباب في العالم: لا للاضطهاد، لا للتفقير
الشباب في العالم: لا للاضطهاد، لا للتفقير
كانون الأول (ديسمبر) 2005

لم تكن الأيام الأولى لشهر نوفمبر عاديّة على الإطلاق، فقد اندلع حدثان في مواقع متباعدة من الكرة الأرضيّة يمكن الجزم باعتبارهما من أهمّ أحداث العام الذي يشارف على التوديع.

الحدث الأوّل اندلعت شرارته بضواحي باريس، العاصمة الفرنسيّة، وعاصمة الكومونة، أوّل ثورة بروليتاريّة مظفّرة في التاريخ، وذلك على اثر مقتل شابّين من أبناء المهاجرين كانا يحاولان الفرار من ملاحقة أعوان البوليس، وقد كانت هذه الواقعة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، فمباشرة إثر سريان هذا الخبر نزلت أعداد غفيرة من متساكني ضاحية "سين-سان دوني" إلى الشوارع للاحتجاج والتنديد، وسرعان ما أخذت الأحداث منحا عنيفا تقابل فيه طرفا الصّراع: الشباب المفقر والمضطهد وقوّات القمع البوليسي، فمقتل الشابّين حرّك بركانا كامنا ينتظر ساعة الصّفر، فالشابّان ينتميان إلى فئة الفرنسيّين من أصول إفريقيّة، هؤلاء الذين، ورغم انقضاء عقود متتالية من التحاقهم بالمجتمع الفرنسي، إلا أنّهم ظلوا يُعَامَلون كمواطنين من درجة أسفل، ففي بداية القرن المنقضي هجّر أسلافهم قسرًا من بلدانهم الأصليّة (المستعمرات الفرنسيّة في المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصّحراء) لتشغيل ماكينة التصنيع الرّأسمالي ولتعزيز قوات الجيش الاستعماري في الهند الصينية وفي إفريقيا ذاتها، كما ساهموا في المواقع الأماميّة في حرب التحرير ضد المحتل النازي لفرنسا سنة 1940، لكن، رغم هذه "الفضائل"، فإن المجتمع الرأسمالي "كافأهم" بتواصل نظرة التحقير والدونيّة رغم أن نضالهم العنيد مكنهم من فرض عديد الحقوق المدنيّة والسّياسيّة. إن الملايين من ذوي الأصول الإفريقية والآسيويّة واللاتينيّة لازالوا يؤمّون كانتونات الفقر والحرمان في أحزمة المدن الكبرى ومنها الضواحي الشرقيّة لباريس التي ظلت طيلة الأسبوعين الأوّلين من نوفمبر مسرحا لأحداث عنيفة تمثلت خاصة في الاعتداء على مؤسّسات الدّولة (مراكز شرطة، بنوك...) وحرق آلاف السيّارات. هذا وقد امتدّت شرارة الأحداث إلى مدن أخرى في كـامل التراب الفرنسي (باريس، مرسيليا، سترازبورغ، ليل، نانت...). وقد ساهم تعاطي الحكومة وخاصة وزير الداخليّة الفاشي "ساركوزي" في اتساع رقعة الأحداث، فهذا الأخير مافتئ يصرّ على تعاطيه الأمني مع الأحداث واصفا حركة الشباب المفقر بأنها عمليّات منظمة لـ "حثالة ورعاع"، كما صبّت قوى اليمين الحاكم واليمين المتطرّف (الجبهة الوطنيّة بقيادة "لوبان") الزيت على النار بإطلاق سمومها العنصريّة والفاشيّة مطالبة بالتشدّد الأمني أي توخي القمع الأعمى وهوأمر يرفضه الشارع الفرنسي والقوى اليساريّة وخاصة الشيوعيّون الذين وضعوا الإصبع على الدّاء من خلال تأكيدهم على الأسباب الاقتصاديّة والاجتماعيّة لهذا الاحتقان الطبقي، فـ"انتفاضة" أحزمة الفقر هي أمر موضوعي ومنطقي، فالدولة البرجوازية بتعبيراتها السّياسيّة المختلفة لم تتعامل مع هؤلاء إلا كأرقام انتخابية، وعجزت دولة "الرفاهية" عن حل مشاكلهم المتفاقمة التي لا حل لها إلا بالنضال المنظم الذي يجب أن تصوّب سهامه نحو صدر العدو الطبقي.

أمّا الحدث الثاني الذي شد الأنظار فهوما كانت مدينة مارديل بلاتا الأرجنتينيّة مسرحا له. فبمناسبة انعقاد القمّة الرّابعة لمجموعة الدّول الأمريكيّة يومي 4 و5 نوفمبر والتي كان في جدول أعمالها النظر في إقامة منطقة للتجارة الحرّة تشمل كامل القارة، وهوأمر فشلت القمّة في إقراره رغم مساندة 28 دولة له بزعامة الولايات المتحدة، لكنّ المعارضة المتماسكة لهذا المشروع والمتمثلة في 6 دول هي فنزويلا، البرازيل، الأرجنتين، الأوروغواي، الباراغواي وكوبا أربكت معسكر الإمبرياليّة وتوابعها. ولم تكن المعارضة لهذا المشروع، الذي لا يخدم سوى مصالح الإمبرياليّين في شمال القارّة، من داخل قاعة الاجتماعات فقط، بل خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع التي ازدانت طيلة يومين بالرّايات الشيوعيّة الحمراء وبصور غيفارا، رمز نضال أمريكا اللاتينيّة ضدّ الإمبرياليّة، وانتظمت المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوّات الشرطة التي اعتقلت أكثر من 60 شابّا. وقد طال غضب المتظاهرين بعض مظاهر هيمنة الولايات المتّحدة مثل محلات الهامبرغر وغيرها. هذا وقد شارك الزعيم الفنزويلي "شافيز" في هذه المظاهرات وأخذ الكلمة طيلة ساعتين ونصف أثناء تجمّع حاشد بأحد الملاعب أين وعد "بدفن مشروع اتفاقيّة التجارة الحرّة الذي تسعى الولايات المتحدة والمكسيك وكندا إلى إقراره". وقد شارك في هذه التظاهرات وزير الثقافة ورئيس البرلمان الكوبيّين فضلا عن لاعب كرة القدم الشهير "دياغو مارادونا" الذي ظلّ حاملا لقميص يحمل عبارة "STOP BUSH" والذي وصف في كلمته بوش بـ "الجيفة" و"عدو الشعوب". وقد دخل زعماء وقادة القوى الثوريّة المنظمة لهذه التظاهرات المدينة في رحلة خاصّة بالقطار، هو قطار شعوب أمريكا اللاتينيّة التي تنهض مجدّدا لتصدّر النضال الأممي المتصاعد ضدّ السّيطرة والاضطهاد والتفقير. إن آلاف المتظاهرين ومنهم عدد هائل من الشابّات والشبّان، إنّما تظاهروا نيابة عن كل شعوب الأرض وطبقاتها المسحوقة المتأهّبة اليوم لتنظيم المعارك الطبقيّة الطاحنة ضد مصّاصي الدّماء وسالبي الحرّيّة. لقد رفع المتظاهرون "لا" كبيرة في وجه الإمبريالية التي لا هم لها سوى تكديس الأرباح وإلحاق بلدان العالم بالإتفاقيات الاستعماريّة الجديدة مثل اتفاقية التجارة الحرّة، وحتى بالتدخل العسكري المباشر مثل ما يحصل اليوم في العراق الذي رفع المتظاهرون عديد الشعارات المندّدة باحتلاله والمساندة لمقاومته الوطنيّة البطلة. إنّ نهضة القوى الثوريّة هي صفعة كبرى ومسمار آخر في نعش السّيطرة الأمريكيّة على العالم. إن هذه القوى ذات التاريخ الحافل بالأمجاد تحظى اليوم بمساندة كل طبقات وشعوب وأمم العالم المضطهدة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني