الصفحة الأساسية > بديل الشباب > الواقع والممكنات
التوحيد النقابي:
الواقع والممكنات
كانون الأول (ديسمبر) 2005

كثر في الفترة الأخيرة الحديث بين صفوف فصائل الحركة الطلابية عن التوحيد النقابي. ولم يبق تقريبا أي فصيل خارج هذا "الإجماع" حتى أن بعض أصدقاء الحركة الطلابية ومتتبعي شأنها، ظنوا أن الأمر من تحصيل الحاصل ولم يبق إلا التنفيذ الإجرائي طالما أن الجميع "مقتنع" و"مستعد" لإنجاز هذه المهمة. لكن حقيقة الأمر ليست كذلك. فالخلاف مزال يشق فصائل الحركة وهياكلها النقابية حول أسلوب التوحيد ومضامينه وخلفيته وأهدافه. فإذا حاولنا حوصلة المقاربات الموجودة الآن في الساحة الجامعية لقسمناها إلى مقاربتين/ خطين مختلفين. المقاربة الأولى يدافع أنصارها عـن "اتفاق فوقي"، "مستورد سياسيا" وهما الشرطان الضروريان لحسم الخلاف وإنجاز المؤتمر الموحد. أما المقاربة الثانية فيرى أنصارها شرط التوحيد الهيكلي هو توخي "الأسلوب الديمقراطي" بين هياكل القائمة بمشاركة قواعدها وأنصارها. وبذلك يكون "مؤتمر التوحيد" تتويجا "لمسار شفاف ديمقراطي ومناضل". وسنحاول هنا تفكيك المقاربتين باعتبارهما الأهم رواجا في الساحة الطلابية.


1 – المقاربة الأولى: التوحيد من فوق، أو إعادة إنتاج الفشل

ينطلق أنصار هذه المقاربة من "تركة" خبيثة لسنوات الجمر، والمتمثلة في خضوع أي اتفاق حول أي مسألة مهما كانت جزئيتهاأحيانا، إلى اتفاق فوقي ينسج خيوطه ‎"قادة" و"زعماء" تلك المجموعات والفصائل، حتى أنه كثيرا ما يكون هؤلاء الأخيرون من غير الطلبة. فيكفي لحل أي إشكال أن "يجلس فلان مع فلتان" حتى يفض المشكل، وهو عين ما تطرحه بطريقة أو بأخرى، بعض المجموعات التي تشترط لإنجاز أي خطوة في مسار التوحيد تنظيم مجموعة اجتماعات بين "قادة الفصائل" حتى "يوفروا الأرضية" الملائمة للعمل الموحّد. والغريب في الأمر أن أكثر المعبرين عن هذه النزعة هم مسؤولون في الهياكل القائمة سواءا من هذه الجهة أو تلك، بل أن هؤلاء لم يتوانوا عن "ربط الخيوط" مع منشطي "الهياكل الموازية" للاتفاق حول التوحيد المفترض، وما عجز الجماعة في إنجاز ولو خطوة واحدة في هذا المضمار إلا تأكيد على أن أي فكرة هي فاشلة لا محالة إذا كانت معزولة عن الساحة الطلابية وحيكت من وراء ظهرها.

إن مروجي أطروحة "التوحيد الفوقي" أظهروا عجزا كبيرا في التعاطي الديمقراطي، وحسب علمنا لم يقدر أي من "المكتبين القياديين" لاتحاد الطلبة حتى على مناقشة مشروع خاص به في هذه المسألة. والمبادرة الوحيدة التي صيغت كتابيا هي التي أمضاها عضوي مكتب تنفيذي مع عضوين من مكتب زعتور سموا أنفسهم "مستقلين" طارحين فيها تكوين "مجالس قاعدية" تتولى الشروع ‎في عملية توحيد الهياكل وصولا إلى المؤتمر، وهي مبادرة على حسن نية بعض مطلقيها، فإنها مرت في صمت. وهو نفس مصير مشروع "النقروديين" الداعي إلى تشكيل "لجنة حكماء/ قدماء" للإشراف على توحيد الهياكل. أما بقية "المشاريع" فإنها لم تتجاوز حديث المقاهي الذي ظل في كل الحالات "مدهونا بالزبدة"، بل أن نتائجه المباشرة مزيدا من التعطيل لأي إمكانية جادة وجدية هياكل الاتحاد التي ظل أغلبها مشلولا بمسؤولية مباشرة من عرابي التوحيد "البيسماركي".


2 – المقاربة الثانية: التوحيد الديمقراطي، أو الخيار السهل/ الصعب

ينطلق أنصار هذه المقاربة من واقع أن الثنائية الهيكلية موجودة "رغم أنوفنا"، والتوحيد هو في الأصل توحيد لمتنافرين هما الثنائية الهيكلية بقطع النظر عن الشرعية والقانونية، ففي كل الأمثلة من النقابات والجمعيات وحتى الأحزاب التي تعرضت للتصدع والانقسام، هناك دائما صفات متناقضة : شرعي/ غير شرعي، مناضل/غير مناضل... وفي اللحظات التي يتوجب فيها التوحّد، يفترض ذلك تنازلات متبادلة يرتبط حجمها ومداها بميزان القوى وبالظرف العام الذي تتنزل فيه هذه العملية.

إن مشروعية فكرة توحيد هياكل الاتحاد العام لطلبة تونس، ترجع في الأساس إلى أن مصلحة الحركة اليوم هي في منظمة واحدة، موحدة، قوية وفاعلة حتى تتمكن من القيام بدورها في الجامعة والبلاد. إن نبل هذه الغاية يختلف الوعي به من قوة إلى أخرى ومن تيار إلى آخر.

إن ما يهمنا الآن هو تقاطع الرؤى والتقائها في هذه اللحظة بالذات، وهو ما يجب حسن التقاطه من مختلف القوى والتيارات. إن الإيجابي الحاصل الآن هو اتفاق كل القوى تقريبا على إلحاحية وضرورة التوحيد، وهو أمر يندر حصوله. إن هذا الاتفاق على أهميته، يستبطن في داخله اختلافا كبيرا في الطريقة والأسلوب الذي يجب إنجاز التوحيد بواسطته. فإذا كان أنصار المقاربة المذكورة آنفا مصرون على المقاربة الفوقية فإن أنصار الثانية يلحون على حتمية توخي الأسلوب الديمقراطي وهو ما يدافع عنه جزء هام من مناضلي الحركة وهياكل الاتحاد (مؤتمر التصحيح). فهؤلاء يرون أن من سلبيات الممارسة النقابية في الجامعة هي خضوعها غالبا للاتفاقات الفوقية ولمنطق المحاصصة، وهو ما ساهم –مع غيره من العوامل- في انحسار دور الجماهير والقواعد والمنخرطين في إدارة الشأن النقابي وهو ما انعكس سلبا على جماهيرية المنظمة رغم قدرتها في عديد المحطات على تجنيد الآلاف المؤلفة في معارك نضالية حول محاور مختلفة.

لقد آن الأوان للاحتكام للمؤسسات القائمة –على علاتها- في كل المستويات القيادية منها والقاعدية. فتوحيد الهياكل لا مصداقية له ولا مستقبل ما لم يرتبط بممارسة طلابية جماعية قيادية وقاعدية تعطي للتوحيد طابعه وهدفه المنشود: توحيد الطلاب ومن أجل الطلاب، توحيد جماهيري ومناضل. أما أن يكون القرار بشأن منظمة جماهيرية في حجم اتحاد الطلبة، مصاغا في مقر نهج نابلس، أو المقاهي والمناسبات الخاصة، فهذا خليق بالمنظمات الصورية أو الفاشية.

إن أغلب القوى الناشطة في الجامعة تدافع عن توحيد ديمقراطي، وذلك بأن يتولى مكتبا الاتحاد الحاليين تشكيل لجنة مشتركة تكون بشكل متناصف يتولى رئاستها عضو حوله إجماع أو يقع الالتجاء إلى طريقة الرئاسة الدورية لمدة محددة ويقع تناوب الأسماء حسب الحروف الأبجدية، في لحظة تشكيل هذه اللجنة يقع حل المكتبين التنفيذين ببلاغين صادرين عن كليهما. أما اللجنة المتناصفة التي تكون قد حددت مهمتها مسبقا وهي الإعداد المادي والمعنوي للمؤتمر الموحّد، فتنحل لحظة توفر هذا الإعداد، ينطلق هذا الأخير بتشكيل لجان مشتركة في كل جزء جامعي تتولى توزيع الانخراطات التي وفرتها اللجنة المتناصفة، وهي انخراطات تحمل اسم الاتحاد العام لطلبة تونس دون الإشارة إلى القضايا الخلافية. فور الانتهاء من توزيع الانخراطات وإنجاز الانتخابات القاعدية التي تشرف عليها لجنة خاصة (حسب ما يضبطه النظام الداخلي) بمعية عضو من اللجنة المتناصفة (اللجنة توزع أعضائها للإشراف على الانتخابات في كل الكليات). تقع الدعوة مباشرة لاجتماع الهيئة الإدارية الجديدة التي تحدد المؤتمر: مكان انعقاده وشعاره وقائمة نوابه، كما تنظر في الطعون إن وجدت، وتنتخب لجنة تحضيرية تتكون من أعضاء لجان الإعداد المادي والسياسي، حينها تنحل اللجنة المتناصفة وتتولى اللجنة التحضيرية النطق باسم المنظمة إلى حين البدء في أشغال المؤتمر الذي ينتخب مباشرة مكتب رئاسته. وفي آخر أشغاله ينتخب قيادته الجديدة، القانونية والشرعية والواحدة، وكل من يخرج هيكليا عن هذا المسار القانوني والشرعي فقد استثنى نفسه خارج المنظمة.

وحتى يكون هذا المؤتمر ديمقراطيا، شفافا وممثلا، يجب أن يكون سيد أشغاله من خلال سيادته الكاملة على مختلف ردهات أشغاله، حينها فقط يمكن القضاء على كل أشكال التدخل والوصاية الخارجية من كل الجهات وخاصة السلطة التي تتوجس خيفة من المنظمات المستقلة.

إن توحيدا بهذا الأسلوب وبهذه الروح لن يرفضه إلا أعداء الحركة والمتربصين بها، وإن اتحادا للطلبة لا يحتكم للديمقراطية هو اتحاد لا حاجة للحركة والبلاد به. إن منطق الصفقات أضرّ كثيرا بالاتحاد وآن الأوان لتجاوزه ودفنه إلى الأبد، وما على المناضلين الصادقين داخل الاتحاد والحركة الطلابية إلا تجنيد القواعد الطلابية حول هذا المشروع والضغط من أجل إنجازه.

إن الهياكل القائمة واجتماعات الأنصار والمنخرطين مطالبة بالأخذ بزمام المبادرة من خلال العرائض والنصوص والأنشطة المكثفة حول هذا المحور، كما أن الهيئات الإدارية باعتبار سلطتها التقريرية، مطالبة بالدعوة الصريحة للتوحيد على أسس ديمقراطية.

إن ما ينقص بعض الأطراف في هذه اللحظة الدقيقة هو الجدية في تناول هذه القضية المصيرية. فمتى توفرت هذه الجيدة واقترنت بأنشطة فعلية ومناضلة، حينها يكون الاتحاد العام لطلبة تونس قد وضع على السكة الصحيحة، وما عدا ذلك فلا مصلحة فيه إلا لأعدائه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني